الفكرة قديمة جداً وفترة الأعياد موسمها المناسب: سيرك الحيوانات. والسيرك، الآتي من مصر، افتتح أمس عروضه في منطقة الدورة، لكنّ جمهور الأطفال وذويهم، لن يتنبّه وسط الضحكات والتصفيق، إلى أن ثمّة شبلة صغيرة، مثلاً، بين حيوانات السيرك نُزعت أظافرها ولا تزال تنزف، لضمان سلوكها حين يطلب الأطفال أن يتصوروا معها. هذه المعاملة هي غيض من فيض ممّا حصل لتلك الحيوانات أثناء نقلها إلى ربوع «السيرك» اللبناني
بسام القنطار
بدأت، أمس، عروض سيرك حيوانات حيّة، في منطقة الدورة شمال بيروت. لكن معلومات مؤكّدة وصلت لـ«الأخبار» أفادت بأن هذا السيرك، الآتي من مصر، يتضمن العديد من الحيوانات المهدّدة بالانقراض من فهود ونمور وحيوانات أخرى. وبحسب المعلومات التي توافرت لجمعية «حيوانات لبنان»، فإنّ السيرك يتضمن شبلة لم تبلغ عاماً، نُزعت أظافرها ولا تزال تعاني نزفاً في قدميها. وتهدف عملية نزع الأظافر من أرجل صغار الأسود والنمور، إلى ضمان عدم قدرتها على استخدامها للدفاع عن النفس، وتحويلها إلى سلعة تجارية، حيث يُصوّر الأطفال وهم يحملونها مقابل مبلغ من المال.
كالعادة سهّلت الدائرة المختصة في وزارة الزراعة إعطاء أذونات استيراد لهذه الحيوانات، دون التدقيق في شهاداتها الصحية ووضعها القانوني، وفي ما إذا كانت تتعارض مع اتفاقية «التجارة الدولية بالأنواع المهدّدة بالانقراض» («سايتس» اختصاراً)، التي لم يوقّعها لبنان، لكنه ملزم بها لضمان عدم الاتجار غير المشروع بالحيوانات المهددة بالانقراض. هل كان التسهيل بسبب أن موّرد تلك الحيوانات هو... وزارة الثقافة المصرية؟ إذ إن السيرك يعدّ من النشاطات الثقافية هناك، أم أن في الأمر «إنّ»؟
المشكلة ليست في التساهل في منح أذونات الاستيراد فحسب، فالطبيب البيطري في وزارة الزراعة ج.ف، الذي أجاز دخول تلك الحيوانات إلى لبنان عن طريق نقطة المصنع الحدودية، أفاد أن «الحيوانات بصحة جيدة، ولا مانع من دخولها لبنان». تتناقض هذه الإفادة الطبية مع إفادة جمعية الأميرة علياء الأردنية التي تعتني بالحيوان، والتي أكّدت أن الجمارك الأردنية في ميناء العقبة اشتبهت بشحنة الحيوانات هذه، وأوقفتها وطلبت من الجهات المختصة الكشف عليها، ليتبيّن أن جميع الحيوانات كانت تعاني نقصاً كبيراً في الغذاء والماء، وموضوعة في أقفاص لا تراعي الشروط الدنيا لعمليات نقل الحيوانات، وخصوصاً الأمان في عملية التقييد والتهوية.
معلومات الجمعية الأردنية، كانت في الحقيقة مناشدة أُرسلت إلى جمعية «حيوانات لبنان»، بالتزامن مع وصول الشحنة إلى المصنع. هذه الأخيرة تحركت بدورها لإنقاذ الحيوانات، ومن ضمنها 6 أسود و3 نمور. وبحسب الناشط في الجمعية جايسون مايور، فإن هذه الحيوانات تعود ملكيتها للسيرك القومي المصري، التابع لوزارة الثقافة المصرية، ولقد شُحنت بتاريخ 21 الجاري، وكان من المقرر أن تصل إلى لبنان في وقت سابق، لأن الموعد الرسمي لانطلاق السيرك، الذي سيستمر شهرين، كان مقرراً في 23 الجاري، لكنه أجّل حتى مساء أمس. المسؤول في الشركة المنظّمة، سهيل عبيد، أكد لـ«الأخبار» بدء العروض، بمعدّل عرضين يوميّاً عند السادسة والثامنة مساءً، ونفى أن يكون هناك أيّ مشاكل قانونية تتعلق بدخول الحيوانات لبنان، مؤكّداً أن وضعها الصحي سليم.
وطيلة يوم أمس، سعت جمعية حيوانات لبنان إلى الطلب من وزارة الزراعة التدقيق في صحة الأذونات التي مُنحت للشركة المستوردة، وخصوصاً أنه كان في الإمكان إلغاؤها، لأن الاتفاقية الدولية للاتجار بالحيوانات تجيز هذا الأمر، إذا تبيّن للدولة المستوردة أن عملية نقل الحيوانات لم تجرِ بالطريقة الفنية المطلوبة.
مديرية الثروة الحيوانية في الوزارة، وبناءً على طلب الجمعية، طلبت أمس من الطبيب البيطري المختص ر.غ. إعادة الكشف على الحيوانات، ورفع تقرير جديد، ومن المقرر أن يحدّد هذا التقرير خطة الطريق أمام الوزارة للتحرك.
ويشير مايور إلى أنه لولا تدخل الجمعية الأردنية، وإطعام الحيوانات طيلة فترة مكوثها في الأردن، لكانت قد ماتت بالتأكيد. وأفاد أحد أعضاء الجمعية الأردنية في رسالة إلى الجمعية «الزميلة» أن الفريق المصري المرافق للحيوانات أقرّ بأن المشرف على تدريب الحيوانات يتحمّل كامل المسؤولية، لكونه لم يوفّر الأموال اللازمة لإطعام الحيوانات، (تحتاج إلى عشرات الكيلوغرامات من اللحم يومياً) ولا حتى لشراء الطعام للفريق البشريّ نفسه!
تجدر الإشارة إلى أن مدير السيرك القومي المصري شريف عبد اللطيف، أفاد في مراسلة مع جمعية الأميرة علياء الأردنية،

ما استند إليه لبنان لمنح إذن الاستيراد مزوّر على الأرجح
حصلت «الأخبار» على نسخة منها، أن وزارة الثقافة المصرية لم تمنح إذن خروج للحيوانات من مصر! إنْ صدق الرجل، فمعنى ذلك أن ما استندت إليه وزارة الزراعة اللبنانية لمنح إذن الاستيراد، على الأرجح مزوّر، ما يجعل ملف دخول هذه الحيوانات إلى لبنان جريمة، تستدعي فتح تحقيق مع الشركة المستوردة وشركائها في مصر، الذين بحسب عبد اللطيف «أساؤوا إلى سمعة مصر والسيرك القومي، الذي لا يجيز عروضاً للحيوانات التي يملكها خارج الأراضي المصرية».
وفي انتظار قرار وزارة الزراعة، حاولت «الأخبار» الاتصال بالوزير حسين الحاج حسن، لكنها لم توفّق. ومن المعلوم أن غالبيّة الدول الموقّعة على اتفاقية «سياتس» تتّخذ سلسلة إجراءات لضمان حسن معاملة حيوانات السيرك، كما أن هناك العديد من الدول، وبينها بريطانيا والهند وبوليفيا، شرعت باتخاذ سلسلة تدابير أدّت إلى منع استعمال الحيوانات في ألعاب السيرك أصلاً.
ويطرح دخول حيوانات السيرك القومي المصري إلى لبنان، مجموعة من الأسئلة، وخصوصاً على ضوء تجارب سابقة. هل ستبقى في لبنان تمهيداً لإعادة تصديرها إلى الخارج، باعتبارها لبنانية المنشأ؟ من سيُلزم الشركة المستوردة بإعادتها إلى مصر عن طريق الشحن البحري، وخصوصاً أن السلطات الأردنية اشترطت لإخراجها عدم عودتها عن طريق الأردن؟ والأهمّ هل سيحقّق الوزير الحاج حسن في آلية عمل موظفيه، وتساهلهم في منح الأذونات لاستيراد حيوانات برية مهددة بالانقراض، دون التدقيق في سجلّاتها الصحيّة، وضمان أنها لا تنقل الأمراض والأوبئة، ودون التدقيق في قانونية أوراق مالكيها؟