رغم الحركة الخفيفة للطلاب في معرض الكتاب الإسلامي المسيحي في اليسوعية، إلا أن القيّمين على برامج الحوار بين الأديان يراهنون على تعميم رسالتهم بين الشباب
رنا حايك
في القبو الحجري المهيب لكنيسة القديس يوسف في الأشرفية، طالبتان فقط، متطوعتان، نسخة مفتوحة من الإنجيل، تحاذيها أخرى من القرآن، وأول نسخة ترجمت منه إلى الفرنسية، تتوسط عناوين كثيرة لباحثين من رجال دين وأكاديميين تناولوا قضية الحوار المسيحي الإسلامي. يأتي هذا المشهد في إطار احتفالية بيروت عاصمة عالمية للكتاب، إذ افتتح معهد الدراسات الإسلامية المسيحية ومنبر الأونيسكو للدراسات الدينية المقارنة في جامعة القديس يوسف، بالاشتراك مع كلية العلوم الدينية في جامعة البلمند، تظاهرة «الكتاب المسيحي الإسلامي: حاضره ومستقبله»، التي تتضمن معرضاً للكتب المختصة بالحوار المسيحي الإسلامي يختتم مساء غد.
على طاولات العرض، تقابلك كتب للآباء: سليم عبو، عفيف عسيران، جورج مسوح وكثيرين آخرين. من الضفة الأخرى، الإمام محمد مهدي شمس الدين، الإمام موسى الصدر، السيد محمد خاتمي وآخرين. لكن بنسبة أقلّ. «اتصلنا بالكثير من دور النشر، لكن الإنتاجات المسيحية في هذا الاتجاه تفوق تلك الإسلامية، ربما بسبب خصوصية المسيحيين في الشرق، وربما أيضاً بسبب الهيكلية في الكنيسة» تقول ريتا أيوب، المسؤولة عن برنامج الحوار الإسلامي المسيحي في معهد العلوم الدينية في اليسوعية. فمنذ عام 1965، حين اعترف المجمع الفاتيكاني الثاني باستفادة غير المعمّدين أيضاً من الخلاص، انكب رجال الدين والباحثون المسيحيون على إيجاد جسور معرفة الآخر. إلا أن تلك لم تكن نقطة البداية الفعلية. فالمتخصصون ببناء الحوار الإسلامي المسيحي، والحريصون على تعميمه في أوساط النشء الجديد، وأيوب أحدهم، يرصدون مراحله منذ تصدى الإمام الأوزاعي لعملية إخراج المسيحيين من قراهم في لبنان على يد والي الشام العباسي عام 758 م، مروراً بالمستشرق الملحد لويس ماسينيون

الأمل كبير في تجاوز الجيل الجديد للدماغ الزواحفي
(الذي كان له الفضل في إعادة اكتشاف الحلاج) الذي ساعدته عائلة مسلمة في بغداد عندما لاحقه العثمانيون، فصلى لأول مرة في حياته صلاته المسيحية باللغة العربية، وصولاً إلى «الندوة اللبنانية» التي كانت بمثابة أول لقاء إسلامي مسيحي في العالم عام 1965، تلتها خطبة الإمام الصدر في كنيسة الكبوشية، وهي الأولى لرجل دين مسلم في كنيسة.
إذاً، الحوار قائم، والجسور موجودة، «ونية قبول الآخر مترسخة في الوجدان الجماعي اللبناني. وإلا لماذا لا تؤدي حروبنا الطائفية إلى التقسيم؟»، تسأل أيوب، التي تحرص على تفعيل الحوار ونقله من الحيز النظري النخبوي، إلى حيز التداول بين طلابها.
المسيرة واضحة، بالتعاون مع الجامعة، وبرامج التنشئة على الحوار الإسلامي المسيحي قائمة في بيروت وصيدا وقريباً في الشمال لتفتيت الأحكام المسبقة عن الآخر، ولتنفيس التشنج النابع من الانتماء الديني، وللارتقاء بالحوار من جهاز الاستقبال العصبي الذي تسمّيه أيوب «الدماغ الزواحفي»، وهو ذلك المعنيّ بالدفاع عن الهوية والذي من السهل استفزاز عدوانيته، إلى مرحلة الاستقبال غير المتشنج والتفكير الصافي. مسيرة طويلة، لا بد من الوصول إليها عبر الحوار مع الجيل الجديد.