مايا ياغييحتفل الملايين في هذا اليوم بأمهاتهم. تتناثر الضحكات والورود في كل مكان، إلّا تلك الصبية التي لم تعرف خلال عشرين عاماً، عاماً واحداً كاملاً. لمى لا تحب هذا اليوم إطلاقاً. تنتقم من الناس، ومن المجتمع، فهي لم تعرف يوماً ما تعنيه الأم. «عيد الأم، شو يعني؟ أصلاً شو يعني أم؟»، تختلط لديها الأفكار: «الأم التي تربي أم الأم التي تلد؟» لا أعرف من تكون الأم؟ ولا أريد أن أعرف.
انتقام يزداد مع اقتراب شهر آذار، لتتغير مزاجيتها يوماً بعد يوم، قبل أن يأتي اليوم المشؤوم عندها، أي 21 اذار. لم تعرف الصبية العشرينية أمها أكثر من أربع سنوات، قبل أن تنتقل إلى حضن جدّتها بعد طلاق الوالدين، ومع تشريعات دينية «ظالمة» واجتماعية «أظلم»حُرمت حتى رؤيتها. والآن تراها من وقت إلى آخر. تزورها ولكن «فات الأوان»، فالقلوب المتباعدة تقسو حتى لو كانت بعضها قلوب أمّهات، إذ إنني لا «أعرف كيف تكون الضمة أو عطفة الحنان». ميساء أصغر بكثير من لمى. لم تتجاوز الرابعة عشرة. قليلاً ما ترى أمها ولكن تحاول في عيد الأم أن ترسل إليها سلاماً خاصاً في هذا العيد، وهي لا تعرف ما يعنيه عيد الأم «لا أشعر مثل الآخرين، فالكل تغرقهم فرحتهم بأمهاتهم إلا أنا، أسترجع ذكرياتي معها، فلا أتذكر».
لم تكن قد تجاوزت الشهور التسعة عندما انتقلت للعيش مع جدتها أيضاً. ولم تكن ترى أمها منذ ذاك الحين، ريتا تطاولت على القانون، وكسرت بجرأتها حواجز المسافات، لتقوم هي بالمبادرة بمعايدة أمها البعيدة عنها منذ الصغر «ولو لم أعرف ما يعنيه هذا اليوم، فيجب أن تشعر أمي بحبنا لها، ولو كانت بعيدة»، رامونا هي الأخرى، تخفي صورة والدتها المتوفّاة منذ كانت صغيرة طوال العام، لتعيدها من جديد في هذا اليوم. فزوجة والدها أيضاً أمّها. وتناديها رامونا «ماما». ولكن ماذا تخفي في هذا العيد لأمها؟ لا أحد يعرف. مريم لا تعترف بوجود أم أخرى لها. تجاوزت هذه المرحلة، لم تعرفها منذ الشهور الأولى، ولم ترها يوماً، الآن تحب زوجة أبيها وتقول هي أمي. لا تقرّ بأكثر من ذلك. في المقابل، تأخذ أماني أقراصاً مهدّئة في هذا اليوم. فهي مُنعت بقوة القانون والدين من رؤية بناتها، أما السيدة راضية، فلم تعرف ماذا تعني الأم فقط، بل إنّها أيضاً تمثّل بالنسبة إلى أولادها الأمّ والأب وأكثر. كرست شبابها لخدمتهم بعد طلاقها من الوالد. محمد ابنها يقول إنه «يقدّسها» في هذا اليوم وكل يوم: «لم أعرف إنسانة قد تضحي مثل أمي، الآن تجاوزت الخامسة والعشرين وإخوتي اثنان، أفنت أمي حياتها في تعليمنا وتربيتنا، والوالد آخر همّو». سارة لا تنسى كيف كانت أمها تتحمل أذى والدها: «يجي سكران بالليل وأمي تاكل خبيط»، تحكي كيف كانت أمها تخفي ما تجنيه من عملها في تنظيف البيوت في علبة دواء الغسيل لكي توفّر لهم مأكلاً أو تعليماً كالآخرين. تختم سارة: «عيد الأم هو يوم ظلم للمرأة، فكم من أمّهات لا يعرفنه، ولو حتى بكلمة شكراً».
عيد الأم يوم يقرّ به دستورنا. يعظّم الأم باحترام عيدها، لكن أين حقوقها من كل هذه النماذج؟ وأين حقوق الطفل والأم معاً في هذا اليوم؟ في ظل تشريعات ونظم اجتماعية لا تزال تنتقص من دور الأم؟ ثمة أمهات يُحرمن أولادهن طوال العمر. ثمة أمهات في هذا اليوم بلا عيد. يعرفن تاريخه وحسب. لا يعشنه أبداً.