اعتاد اللبنانيون مع بداية شهر آذار، تصنيف عوارض سيلان أو انسداد الأنف والعطس، بأنها رشح بسيط، إلا أنها قد تخفي حساسية من غبار الطلع، أو لقاح الأزهار، قد تستمر عوارضها لفترات موسمية أو على نحو مستديم خلال السنة
بسام القنطار
زحمة غير منظورة في فضاء لبنان، لكنها لا تقل خطورة على صحة الناس مما تسبّبه زحمة الطرقات. هذه الزحمة أو الكثافة بالأحرى، هي في نسبة لقاح الأزهار أو غبار الطلع المنتشر في هوائنا، التي تفوق المعدلات العالمية بأشواط وأشواط. هذا ما بينته دراسة علمية للمكونات الجوية البيولوجية في لبنان، خلصت إلى أن نسبة غبار الطلع تصل في الفترة الممتدة ما بين شهري شباط وأيار الى 400/500 لقاح في المتر المربع، فيما المعيار العالمي يصل الى 90 لقاحاً في المتر المربع كحد أقصى، وهي «كثافة» في الإنتاج سرعان ما تجد طريقها من دون استئذان إلى رئات اللبنانيين.
تبين نتائج الدراسة أن هذه الزيادة المتأتية من الأزهار على اختلاف مصادرها، سواء أكانت من الأشجار أم من الأعشاب، تزداد في الجو عاماً بعد عام، ويترافق ذلك مع زيادة في حالات الحساسية عموماً، والأنفية خصوصاً، بحسب د. فارس زيتون المشرف على هذه الدراسة، التي تهدف إلى تحديد تأثير اللقاحات النباتية على الإصابة بالحساسية الأنفية في لبنان. ويشير زيتون إلى أن مراكز مراقبة حبيبات الطلع، واللقاحات النباتية الموزعة بين بيروت وصيدا والشمال والبقاع، قد سجلت نتائج بالغة الأهمية بعد مرور أربع سنوات على إنشائها. ولفت الى أن النتائج التي سجلت، ساعدت في تحديد الكثير من العوامل التي تؤثّر في صحة الناس وتسبّب لهم الأمراض، آملاً أن يتم الاستفادة من هذه المعلومات لتعزيز الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة، ولإرشاد المواطنين الذين يعانون من الحساسية للوقاية المستمرة والدائمة. وتشير الدراسات إلى أن واحداً من خمسة أشخاص في العالم يعاني حساسية في الأنف. وتتوقع الإحصاءات المستقبلية للحساسية عامة، بحسب دراسات منظمة الصحة العالمية، تحسس شخص من أصل اثنين في عام 2020. أما في لبنان فتتراوح نسبة مرضى الحساسية بين 20 و30 في المئة من أجمالي عدد السكان. إضافة الى ارتباط الرّبو بحساسيّة الأنف، ما يجعل نحو ثمانين في المئة من مرضى الرّبو يعانون من حساسيّة الأنف أيضاً.
وقد أظهرت نتائج الرصد لثلاثة أعوام متتالية (2007/2009) في مختلف المناطق اللبنانية وجود 36 نوعاً من اللقاحات النباتية على مدار السنة، وأغلبها ناتج من الأشجار، وبالأخص شجر الزيتون والحور، إضافة الى اللقاحات الناتجة من الأعشاب البرية.
البارز في النتائج أن اللقاحات علت نسبتها في أواخر الخريف وأوائل الشتاء، ما يؤكد ضرورة متابعة الموضوع على مدار فصول السنة، إذ إن الربيع لم يعد الموسم الحصري للقاحات، في ظل الاحتباس الحراري، الذي تزداد نتائجه وضوحاً كل عام. هكذا، أصبحت لقاحات الأشجار تنمو في غير مواسمها، الأمر الذي يجعل صيف لبنان طويلاً جداً، يبدأ فعلياً منذ أوائل آذار، أما الربيع فهو في الواقع يبدأ منتصف كانون الثاني، إذ يمكن ملاحظة تفتح أزهار الأشجار المثمرة. ويشير زيتون إلى أنه بات من الممكن التعرف إلى حقيقة ما يحلق في هواء مدننا وقرانا من دون أن نراه، مشيراً الى أن نتائج عام 2009 تدل على ارتفاع في نسبة اللقاح في الجو، بالمقارنة مع عامي 2008 و2007.
ويؤكد زيتون أن مرضى الحساسية بدأوا يتأثرون منذ كانون الثاني وشباط، وهذا يعني أنه لم تعد هناك حساسية موسمية في شهر معين، بل قد يختلف هذا الموعد بحسب كمية اللقاحات. ويضيف: «بالنسبة إلينا، المهم أن نبادر الى إعطاء المريض علاجاً مناعياً، يساعده في الحماية من هذه الحساسية، ويخفف نسبتها ما بين 70 إلى 95 بالمئة.
ويلفت زيتون الى أن مدينة بيروت تستقبل الكثير من اللقاحات التي تنتقل عبر الهواء من مختلف المناطق اللبنانية، وخصوصاً مدن جبل لبنان وقراه. ومن الملاحظ أن اللقاحات النباتية المثيرة للحساسية تقوى مع تلوث الهواء، ما يؤدي الى تفاقم تأثيرها على المريض.
وبحسب نتائج المشروع، فإن النسبة الأعلى من اللقاحات سجلت في الشمال والبقاع. ويمكن القول إن أعلى نسبة لقاحات كانت لشجر الشربين الذي تصل نسبته الى 55 في المئة من إجمالي اللقاحات على مدار السنة.

يطمح المشروع إلى تقديم تنبّؤات يوميّة عن نسبة غبار الطلع

التحدي الحقيقي أمام المشروع، بحسب زيتون، إيجاد جهة مموّلة، لاستكمال العمل. وكان المشروع قد انطلق عام 2006 بتمويل من شركة «شيرينغ بلاو». ولقد سعت «الأخبار» إلى التواصل مع الشركة المذكورة، فتبيّن أنها دمجت مع شركة «ميرك» العالمية قبل أشهر عدة، وليس معروفاً ما إذا كانت الشركة الجديدة المدمجة ستموّل مشاريع مماثلة في المستقبل. يطمح زيتون إلى وضع روزنامة محدّدة لغبار الطلع لبنانياً، إضافة الى مركز للرصد والتنبؤ على غرار الولايات المتحدة الأميركية، إذ يوجد مركز مختصّ يقدم تنبؤات عن نسبة غبار الطلع لأربعة أيام. ويطرح هذا الأمر أهمية إعادة النظر بطريقة عمل مركز الأرصاد الجوية، إذ يتولى تقديم هذه الخدمة بالاستناد الى النتائج التي تسجلها مراكز مراقبة حبيبات الطلع.
ويتبع مركز الأرصاد الجوية لوزارة الأشغال العامة والنقل، ويعاني من نقص فادح في الموارد والطاقات البشرية، إضافة الى تشابه عمله، مع عمل مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، التي تقدم بدورها نشرات إرشادية عن حال الطقس.
اللافت أن غالبية مراكز الأرصاد الجوية في العالم، هي إدارات وطنية مستقلة بموازنات عالية، وهي تقدم توقعات عن حال المناخ التي تختلف عن توقعات الطقس لكونها تقدم توقعات عن سنوات مقبلة، لا لأيام فقط. آخر ابتكارات هذه المراكز الإعلان عن مستوى الأشعة ما فوق البنفسجية على الشواطئ خلال فصل الصيف، ما يساعد على التخفيف من الإصابة بسرطان الجلد نتيجة تعرض مرتادي الشاطئ لأشعة الشمس في فترات معينة من النهار.