مفهوم «العقوبة البديلة» لم يأخذ حيزاً من النقاش اللبناني، البعض يرى تحضير المجتمع لقبول هذا المفهوم. العمل من أجل الخدمة العامة هل يمكن أن يردع مرتكب جنحة بسيطة عن تكرارها؟ وهل يمكن أن يطرح هذا المشروع أمام المشرعين قريباً؟
نبيل مقدم
«في المرة المقبلة لن أكتفي بسرقة بسيطة، بل إنني سأستخدم السلاح» هذا ما يقوله لؤي (اسم مستعار) الذي خرج أخيراً من سجن رومية بعدما ارتكب جنحة وأوقف وحوكم. يثير كلام لؤي قلق المحيطين به، ويثير نقاشاً بين قانونيين حول الدور الإصلاحي للسجن، بعضهم يتحدث عن أهمية «العقوبة البديلة»، وهي معتمدة في دول أجنبية ، والمقصود بها أنه بدل الحكم على متهم بالعزل في السجن، تقضي «العقوبة البديلة» بتقييد حريته ويُفرض عليه أداء أشغال للمنفعة العامة.
يؤيد رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر مبدأ «العقوبة البديلة»، ويرى فيه مفهوماً يحاكي تطور المجتمعات ويحترم حقوق الإنسان، ويقول إن تطبيقه من شأنه أن يسهم في حل مشكلة اكتظاظ السجون وأن يسرّع البت بالملفات المتراكمة أمام المحاكم الجزائية، ومن شأنه أيضاً أن يعيد لمرتكب الجرم إحساسه بذاته من خلال إعادة دمجه بالمجتمع وتشغيله في الخدمة العامة بما يناسب طاقته ومهاراته.
لم يلحظ قانون العقوبات اللبناني في نصوصه مبدأ «العقوبة البديلة»، من هذا المنطلق يدعو البعض إلى إعادة نظر في قانون العقوبات اللبناني.
رئيس مجلس شورى الدولة يؤكد في حال التوصل إلى إقرار «العقوبة البديلة»، ضرورة إيجاد الأمكنة والمساحات التي سيُشغَّل عليها المحكومون في مجال الخدمة العامة، وتهيئة فريق من المساعدين الاجتماعيين والأطباء النفسيين المؤهلين للتعاطي مع المحكومين وإعطائهم التوجيهات والعلاجات التي تتلاءم مع وضعهم النفسي والاجتماعي كل حسب وضعه وحالته، ثم الاستمرار في مراقبتهم حتى ما بعد انتهاء فترة محكوميتهم لسنة على الأقل، هذا إضافة إلى ضرورة إيجاد العناصر الأمنية الكافية لمراقبة المحكومين أثناء عملهم في أماكن غير مغلقة.
هل يمكن فرض العقوبة البديلة على كل المحكومين؟ أم أنها تمنح لمرتكبي جنح أو جنايات لا تزيد مدة عقوبتها الحالية عن السجن لسنة الواحدة؟ يجيب القاضي صادر بأنه في حالات الأخطاء التي لا يمكن اعتبارها جنايات كبيرة، من المهم أن يشعر مرتكبها بأنه يعيش تحت مراقبة المجتمع الذي يملك النية الصادقة لإعادته إلى الطريق القويم، وكشف صادر لـ«الأخبار» أن العديد من الدول المانحة عرضت على لبنان المساعدة في هذا المجال.

ثورة في المفاهيم القضائية

يذهب الرئيس السابق لمحكمة الجنايات في بيروت منيف حمدان في مطالبته بضرورة تطبيق مفهوم «العقوبة البديلة» إلى المطالبة بتغيير مفاهيم قضائية سائدة، ويقول إن اعتماد «العقوبة البديلة» أمر ضروري لأن العقوبات الأصلية أثبتت أنها غير كافية لشفاء المجتمع من الجرائم.
نص قانون العقوبات اللبناني على وجود ثلاثة أنواع من العقوبات، وهي تتعلق بالجنايات والجنح والمخالفات، وتتراوح عقوباتها بين الغرامة والسجن.
يسأل حمدان «ماذا لو حكمنا على تاجر مخدرات مثلاً بأن يزرع ألفي شجرة مثمرة، وأن يرعاها على نفقته وأن يقدم ثمن محصولها للخير العام، وذلك لسنوات عدة، مع تشديد المراقبة القضائية عليه ومنعه من الإقامة أو ارتياد أمكنة معينة، سحب جواز سفره لسنوات عدة. ولكن حمدان يؤكد أنه يجدر أولاً «أن نحضّر المجتمع تدريجياً ليعتاد على مفهوم العقوبة البديلة بمفهومها الشامل، فنستبعد في المراحل الأولى الجرائم الدامية».
يرى حمدان أن ثقل العقوبة بالسجن لا يقع على كاهل السجين وحده، بل تتلقاه عائلته أيضاً. حمدان يقترح تطبيق العقوبة البديلة في المسائل التي تتعلق بالديون المدنية، بمعنى أنه يمكن أيضاً الحكم على من ينكث بوعده في إيفاء الدين ولا يملك شيئاً، يمكن إلقاء الحجز عليه بأن يعمل عند صاحب الدين لقاء أجر محدد ولساعات محددة حتى إيفاء هذا الدين.
الرئيس السابق لمحاكم الجنايات في لبنان القاضي المتقاعد ميشال أبو عراج له رأي مخالف لرأي القاضي حمدان، ويرى أنه ليس هناك إمكانية لتطبيق العقوبة البديلة في لبنان، إلا في ما يخص الجنح والمخالفات البسيطة كارتكاب مخالفة سير أو في حالة الاعتداء على أملاك الغير والتسبب بأضرار طفيفة.
أما في ما يخص الجرائم الكبرى، فإن أبو عراج يقترح الاقتداء بالقضاء الفرنسي الذي يطبق ما يعرف «بالحبس من قبيل التحوط»، حيث إن المرتكب يخضع قبل إخلاء سبيله للجنة مؤلفة من قضاة وأطباء نفسيين وأطباء مختصين بالأمراض العصبية، ترفع اللجنة تقريرها إلى قاضي تنفيذ العقوبات الذي يقرر على ضوئه إطلاق سراحه أو استمرار حجزه في مؤسسات خاصة خارج السجن لاستمرار تأهيله ومتابعة إخضاعه لعلاج نفسي واجتماعي وطبي،

يجب أن نحضّر المجتمع تدريجاً ليعتاد على مفهوم العقوبة البديلة بمفهومها الشامل

وذلك لمدة سنة قابلة للتجديد حسب خطورة الشخص واحتمال إعادة تكرار جريمته. «لا يمكن القضاء أن يكون طوباياً» يقول أبو عراج، وخاصة إذا تبين أن المُعاقب كان يخفي سوء نية من خلال فعلته أو أنه قد كرر الجرم أكثر من مرة، «ولكن في بعض الظروف يمكن النظر في إصدار الحكم وإيقاف تنفيذه، فللقاضي سلطة التقدير في تطبيق عقوبة تتوافق مع حالة الشخص»، ويضيف أن العقوبة البديلة يجب أن تطبق على المجرمين الخطرين بعد أن ينهوا مدة محكوميتهم، وهذا ما يعرف بالرقابة القضائية الاجتماعية، كأن يمنعوا من الإقامة في بعض الأمكنة أو حتى وجودهم فيها نهائياً، منعهم من ارتياده الخمارات والملاهي الليلية ومن مزاولة مهنة معينة أو اتصالهم بأشخاص معينين.
القاضي جان فهد، رئيس اللجنة الخاصة بخفض العقوبات، يرى أن المشترع اللبناني قد خطا خطوة كبيرة تفتح الباب مستقبلاً على تشريع مبدأ العقوبة البديلة، وذلك من خلال إصدار قانون خفض العقوبات الذي سيدخل حيز التنفيذ العملي في حزيران المقبل.
يرى فهد أنه على ضوء نجاح هذه التجربة يمكننا أن نفكر بالعقوبة البديلة كخطوة مستقبلية نحو تحديث قوانين العقوبات الجزائية في لبنان.
عن إمكانية تطبيق هذه العقوبة في الأمور التي تتعلق بنزاعات الدين المدني؟ يقول القاضي فهد إن ذلك يستوجب إعادة نظر جذرية بالقانون اللبناني الذي كان يلحظ سابقاً الحبس الإكراهي على المدين الذي ينكث تعهداته المالية، ولكن المشترع عاد وألغى الحبس الإكراهي. ويرى فهد أن تنفيذ العقوبة البديلة في هذا المجال، هو عودة للحبس الإكراهي ولكن بطريقة أكثر حضارية، ولكن إقرار هذا المشروع يحتاج إلى دراسة مركزة قبل رفضه أو قبوله.


خفض العقوبات: شروط وضروراتالمقصود بحسن السلوك «الامتثال المثالي للقواعد الإصلاحية»، ويعد إطلاق السراح المشروط منحة وليس حقاً.
لا بد من الإشارة إلى أن شروط «فترة حسن السلوك» تختلف عادة بين دولة وأخرى، غير أن أبرز ما تأخذه لجان إطلاق السراح المشروط في الاعتبار هو نتائج التقويم العلمي لنسبة احتمال عودة السجين إلى تكرار الجريمة أو احتمال قيامه بجرائم أخرى.