يعاني لبنان نقصاً في النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة. تصدّياً لهذا، جُمعت أغلب الاجتهادات السابقة ووضعت في كتاب للاعتماد عليه مستقبلاً. ولكن يبقى السؤال، هل المشكلة في النصوص أم في التطبيق أم في كليهما؟
محمد نزال
قد يستغرب البعض أن يولي القضاء حيّزاً لافتاً من اهتمامه بالشؤون البيئية، رغم ما يعانيه من مشاكل عدلية تكاد لا تُحصى، ولكن بما أن موضوع البيئة يتعلق بـ«جذور المستقبل الحياتي»، على حد وصف وزير العدل إبراهيم نجّار، فقد عُقد أمس مؤتمر بدعوة من «البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة» في بيت المحامي ـــــ بيروت، تحت عنوان «واقع البيئة في المحاكم اللبنانية»، بحضور وزير البيئة محمد رحال.
يمكن تلخيص نتائج المؤتمر بما تضمنه الكتاب الذي وزّع على الحاضرين، وهو كتاب يقع في نحو 350 صفحة من القطع الكبير، ويعرض لواقع الأحكام ذات الصلة مع القوانين البيئية ويقارنها مع بعض الحالات الفرنسية والكندية.
رأى الوزير رحّال في حديث مع «الأخبار»، أن الكتاب المُنجز، الذي يحوي عدداً كبيراً من الأحكام والاجتهادات القانونية الصادرة قديماً والمتعلق بالبيئة، يوفر للقضاة مرجعاً في القضايا المستجدة، إضافة إلى أن مضمونه سوف يصبح مادة قانونية تُدرّس في معهد الدروس القضائية لأول مرّة في لبنان. ويعترف الوزير بأن جزءاً كبيراً من المشاكل البيئية سببها «الإهمال»، بغض النظر عن النقص الموجود في النصوص القانونية، داعياً إلى تدريب الجيل الجديد على أهمية الحفاظ على البيئة، وخاصة الشباب الذين «يشاركون بالإهمال والفساد». ورأى رحّال أن النصوص وحدها لا تكفي للحفاظ على البيئة، فلا يمكن الوصول إلى نتيجة إيجابية «في حال عدم وجود نزاهة في الدوائر الإدارية والضابطة العدلية، وفي ظل وجود بلديات لا تحترم أرضها ورُخص تُعطى لكسّارات في أراضي الدولة».
وتوقّف وزير العدل إبراهيم نجّار عند الأبعاد الأكاديميّة للكتاب. وقرأ المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور، الظرف المحلّي الذي يأتي فيه الكتاب. بدوره، وإذ «سمع» القاضي الناطور في الكتاب «صرخة»، رأى أن القانون وحده يمثّل الرادع أمام من تسوّل له نفسه أن يتعدّى على البيئة، ولذلك وجب أن تتضمن كل التشريعات والقوانين المنوي العمل على إصدارها التركيز على أساس العقاب بحدّه الأقصى.
ودعا إلى أن «لا تكون حرية المعتدي على البيئة خارج نطاق البحث»، في إشارة منه إلى أهمية تشريع «سَجن» المعتدي، لأن هذا يمثّل رادعاً إضافياً إلى رادع الضرر المادي.
بدوره، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، سيف الدين أبارو، رأى أنه لا يمكن وضع حد لحالة سوء استخدام البيئة إلا حين اتخاذ إجراء قانوني بحق المجرمين، يترافق مع وضع القوانين البيئية وعملية تطبيقها يداً بيد، إذ «من المستحيل أن ينجح أحدهما من دون أن يكون مصحوباً بالآخر».
ويتناول الكتاب الذي يحتوي 6616 اجتهاداً قضائياً حول عناوين بيئية، مواضيع عدّة، هي: مواد البناء المستخرجة من الأرض، أعمال البناء والإنشاء، النقل، الطاقة، الصناعة، الزراعة، السياحة، المياه والمياه المبتذلة، الهواء، الضجيج، التربة، التنوّع البيولوجي والنفايات الصلبة.
ورغم أن مشروع الكتاب يُعدّ خطوة إلى الأمام، ولو على المستوى النظري، يبقى هناك نقص في النصوص القانونية التي تتعلق بالشؤون البيئية. فعلى سبيل المثال، لم يتناول الاجتهاد القضائي اللبناني حتى اليوم أي موضوع يتعلق بالتخفيف من تلوث الهواء الناتج من قطاع النقل. أما في ما يتعلق بتلويث الفضاء بالذبذبات والحقول الكهرومغناطيسية، فقد أصدرت محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان بتاريخ 13/9/2005 اجتهاداً رأت فيه أن «مجرد قلق الفرد الطبيعي من إمكان تحوّل الاحتمال العلمي لإصابته بأمراض السرطان، نتيجة لإقامته قرب هوائي بث تلفزيوني ينتج إشعاعات وذبذبات عالية، فهو ضرر أكيد». وبناء على ذلك، قضى الحكم آنذاك بإلزام صاحب أحد الهوائيات باستبدال موقعه إلى عقار آخر خارج المنطقة السكنية.
وحتى تاريج اليوم لا مرسوم لتقويم الأثر البيئي في لبنان، علماً بأنه يمثّل أداة أساسية لوقاية البيئة قبل حدوث الضرر، وأن المرسوم موجود في أدراج مجلس الوزراء منذ سنوات، لكنه لم يقرّ بعد.