أحمد محسن
المشهد الأول
رامي وزينب في مكتبهما الواسع داخل إحدى المؤسسات. الشمس ساطعة والحرارة مرتفعة. الضجر يلقي بثقله على أرجاء المكان، بسبب الروتين المكتبي اليومي. أنهى رامي عمله باكراً، وزينب تفكّر في الغداء. البيتزا تزيد من سمنتها والسَّلَطات لا تسدّ الجوع. التفكير في الغداء معقّد هو الآخر. صمت المقاعد الخشبية يسهّل حلول الملل سريعاً. لا شيء للمرح. فجأةً، تخطر في بال الشاب فكرة «من وحي الحدث». تعيره الشابة انتباهها بيأس. ليس على حدّ علمها هناك شيء جديد هنا. لا يوجد «حدث» في رأيها أساساً. الأمور ذاتها ـــــ تقريباً ـــــ تحدث في لبنان «منذ انطلاقة حكومة الوحدة الوطنية». لكنْ لرامي رأيٌ آخر. يسألها راسماً ضحكةً شيطانية على وجهه: ما نوع خطّكِ؟ ألفا أو أم تي سي؟ تفهم ما يدور في رأسه، من دون الغوص في التفاصيل. الاتصالات هي الحدث. «ألفا»، تجيب بتردّد. تتسع ابتسامته تدريجاً، كأنه يقترب من تحقيق مبتغىً ما. يطلب منها أن تعيره هاتفها. تسخر منه زينب «اتصل من المكتب وبلا تشبيح». يعاود سؤالها مصرّاً على «التشبيح». وعلى مضض، تناوله هاتفها الزهري الصغير. هل هو «شهمٌ» لهذه الدرجة؟ ماذا سيجلب لها على الغداء؟ هل سيباغتها بطبق الـ«سوشي» المفضّل لديها؟ تسأل في سرّها. لم يخيّب ظنها بدايةً. وضع هاتفه جانباً، ثم ضغط ثلاث مرات متتالية على الرقم 1. وانفجر ضاحكاً: «آلو؟ 111؟ ممكن تعطيني عميل؟».
المشهد الثاني
مايا في الصالون. تبدّل المحطات على التلفاز ببطء ولا تثبّت أية واحدة منها. «الطاسة» ضائعة، وليس معروفاً من منهما يشاهد الآخر. السبت لم يعد نعمة، إذ يصعب السهر خارجاً في منتصف الشهر. تفكّر في زيارة صديقها، وتحاول الاتصال به مراراً، فتجده «غير ممكن حالياً». تتذمر قليلاً من شبكات الاتصالات. في منزله إرسال شركة «ألفا» ضعيف جداً، علماً أنه يقطن في قلب المدينة، وفي منطقة غير مكتظة. لا تأخذ وقتاً طويلاً، حتى تصل إلى منزله. تبادر إلى سؤاله عن الهاتف ولماذا «أقفل خطه». يستغرب الموضوع من أساسه، فيمازحها: «ما أنا عميل وخطي ألفا». فتبتسم. يستدرك قائلاً، لا علاقة للشركة بذلك. يحاول إقناعها بأن الشركات الأخرى قد «تكون مخترقة من الإسرائيليّين». «شو يعني بيتسمّعوا علينا حياتي؟»، تردف باهتمام. أمن البلد متوقّف عليها الآن. مايا لا يعنيها موضوع المتعاملين. سئمت منه. يبدو أن البلد كله متعامل، وتبدي اقتناعها بأن شركة الاتصالات غير مسؤولة عن الخروق الأمنية فيها. ولا تلبث أن تحاول إقناعه بأن يغيّر خطه إلى شركة أخرى، لأسباب تقنية صرفة، تتعلق بنظام الأرصدة والوحدات، وسوء تغطية الشبكة. لا يعير صديقها الموضوع اهتماماً جدياً، ويعودان إلى مشاهدة التلفاز. هناك سياسيّ شاب بربطة عنق أنيقة، وشعر موضّب بتكلف، يتحدث عن «مشروع 8 آذار لضرب بعض المؤسسات الأمنية». Come on! مَن باله في هذا؟ تقول مايا المنزعجة من سوء التغطية. قضية المتعاملين مناسبة جيدة لتغيير خطّه. فرصة ذهبية لإقناعه وثنيه عن التفلّت منها... هاتفياً.
المشهد الثالث
احتدم النقاش بين الشبان الثلاثة. الأول، طالب علوم سياسية في الجامعة اللبنانية. الثاني، مهندس اتصالات يعمل في فرنسا ويزور لبنان لقضاء الصيف مع العائلة. والثالث، عاطل من العمل. واحد على ثلاثة نسبة معقولة للعاطلين من العمل في لبنان. هكذا بدأ الحوار بينهم على الشرفة المظلّلة
القصة مش مزحة! لذلك استغنى المغترب عن خط ألفا
المشهد الرابع
لا شيء يعكّر صفو شارع الحمرا في الثانية فجراً. تكتشف رانيا أنّ هاتفها الخلوي بحاجة إلى تعبئة. تلمع عيناها وتتوجّه إلى زوجها بالقول: ألا يمكن أن يكون الأمر كله مؤامرة؟ أي أن تكون بعض الشركات مجرد واجهة؟ لا يبدو الأخير مهتماً. لكنها تصرّ، ففي رأيها، لطالما «كانت خدمات هذه الشركة التقنية سيئة مقارنةً بالشركات الأخرى».
ورشة «ألفا»: 74 مليون دولار
ارتفع عدد مشتركي الهاتف الخلوي في لبنان ارتفاعاً ملحوظاً، فبلغ عام 2008 نحو 1.67 مليون مشترك بعدما كان 1.26 مليون مشترك عام 2007 و800 ألف عام 2003. وفيما يتوقع المتابعون ارتفاعاً في هذه الأرقام تزامناً مع الموسم السياحي، لفت هؤلاء إلى أن المشاريع التي نُفّذت على شبكة «ألفا» تحديداً في عهد الوزير جبران باسل (وزير الاتصالات السابق والطاقة حالياً) بلغت كلفتها 74 مليون دولار.