العديسة ــ آمال خليلغصّ الموقع الذي شهد أول من أمس مواجهات بين العدو الإسرائيلي والجيش اللبناني، بالمواطنين الذين قدموا من خارج المنطقة ليشاهدوا «واقعة شجرة السرو». الصحافيون توافدوا إلى المكان لأخذ حديث أو التقاط صورة لعائلة خليل عبود، الشاهدة على الحادث لوقوع منزلها قبالة الأشجار المقتلعة ولأنّ ابنها إبراهيم أصيب في قدمه في القصف الإسرائيلي على بعد أمتار قليلة من الموقع.
في إحدى الزوايا، احتشدت الآليات العسكرية، فيما نصبت الوحدتان الإسبانية والإندونيسية نقاط مراقبتها على الطريق بين العديسة وكفركلا.
أما «نزلة» العديسة العريضة المتاخمة للحدود، فقد استعادت هدوءها ابتداءً من ساعات الظهيرة بعد تحقيق الجنود الإسرائيليين هدفهم باقتلاع الأشجار الحاجبة لرؤية إحدى كاميرات المراقبة التابعة لهم. هنا، رُفع العلمان اللبناني والفلسطيني وراية حزب الله وصورة ضخمة للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله كتب عليها «نحن المفاجآت».
كاد المكان يُفرغ لأصوات الريح التي تحرّك عشرات الأشجار البرية والمثمرة في حقول المستوطنات المقابلة وهدير الطائرات الحربية التي حلت مكان الدوريات العسكرية التي غابت عن الخط الأزرق لساعات النهار، لولا قدوم عباس وأفراد أسرته الذين يمضون إجازتهم الصيفية في لبنان ومجيء بعض أقرانهم لتفقد وقائع «المعركة البطولية للجيش اللبناني»، كما يقول عباس. يحنّ الرجل الذي يعيش في الولايات المتحدة إلى أيام الانتصارات التي «نفتخر بها». لم يتردد وزوجته وأطفاله الخمسة في التنزه والترفيه بعد يوم واحد من حادث خشي كثيرون من أن يكون شرارة حرب جديدة. بل زاده الحادث إصراراً، كما يقول، على المجيء من بعلبك إلى «جنوب الجنوب» ليحظى «بتحية الجيش وينعم بهواء الحرية والنصر»، على حد تعبيره.
لكن عباس لم يحظ بإجماع مطلق على التوجه جنوباً، حتى من بعض الجنوبيين الذين فضل بعضهم قضاء هذين اليومين بعيداً عن العديسة وجاراتها حتى تهدأ الأمور، و«يظهر الخيط الأبيض من الأسود»، كما فعلت سهى دباجة التي حملت أطفالها الثلاثة ونزحت بهم إلى منزل عائلتها في منطقة أخرى. ترفض دباجة أن يزايد أحد على صمودها بعدما رابطت هنا طوال أيام الاحتلال، لكن الخوف على أطفالها أجبرها على إبعادهم عن مرمى الرعب الذي لم تنقطع آثاره منذ عدوان تموز. وبالمناسبة، لم تقفل المحالّ التجارية أبوابها، لكن الحركة بدت أقل من المعتاد.
العديسة التي أنجزت حسابها مع عدوان تموز في ذكراه الرابعة بإقفال ملف تعويضات أضرار الوحدات السكنية وإعادة إعمارها، وقفت مجدداً تتقبل العزاء والتبريكات بمواجهة جديدة مع العدو الإسرائيلي، وهي التي تضم أقرب نقطة مع الخط الأزرق. لكن المارة لم يجدوا جنوداً للجيش اللبناني عند نقطة التفتيش الثابتة للسماح لهم بالمرور، فالكشك الإسمنتي استحال دماراً في وسط الطريق على غرار المحالّ التجارية المقابلة له. على الجدار المقابل تهشّمت لوحات التحية للجيش التي كانت قد رفعت لمناسبة الأول من آب. «الجيش لم يتقاعس ولن يتقاعد»، هكذا تقول اللافتة التي مزقها القصف الإسرائيلي إلى جانب أعلام الجيش والرايات اللبنانية. لكن الحفاوة التي أبداها المواطنون في استقبال قائد الجيش جان قهوجي خلال تفقده للموقع أحيت مشاعر النصر في المكان. هنا سقط الشهداء الثلاثة للمواجهات. وهنا أيضاً أطلق الجندي قذيفته نحو المقدّم الإسرائيلي فقتله وجرح زميله النقيب.
نزولاً إلى الساحة العامة، يتأفف محمد البعلبكي كلما مرت دورية لليونيفيل. لا يكترث الرجل السبعيني لإسرائيل المرابطة على بعد أمتار من منزل ابنه الذي أصر على بنائه عند أعلى نقطة في البلدة. المشكلة ليست هنا، بحسب البعلبكي، بل في ما يصفهم بـ«حماة إسرائيل» الذين هربوا عند بدء المواجهات بسيارات المواطنين ثم عادوا في اليوم التالي ليشهروا قوتهم في وجهنا.
يذكر أنّ أحد جنود الوحدة الإسبانية تعرض للزميل المصور حسن بحسون بينما كان يصوره هو وزملاءه وآلياتهم خلال وقوفهم في العديسة.
على صعيد آخر، شيّعت قيادة الجيش كلاً من الرقيب الشهيد عبد الله طفيلي في بلدة دير الزهراني، والرقيب الشهيد روبير العشي في بلدة درب السيم، اللذين استشهدا خلال المواجهات التي خاضها الجيش اللبناني ضد العدو الإسرائيلي في بلدة العديسة، بمشاركة حشد من رفاق السلاح وأهالي البلدتين والجوار وفاعليات المنطقة. وألقى ممثل العماد قائد الجيش في كل من المناسبتين، كلمة نوه فيها بسيرة الشهيدين، وبما أظهراه من شجاعة ونكران للذات أثناء تأديتهما واجبهما في الدفاع عن تراب الوطن.