مايا ياغيعام 1995، تقلّصت المساحات التي لطالما كانت غنية بنبتة الزعتر البرّي في بلدة عربصاليم الجنوبية. كادت في ذلك العام أن تنقرض تماماً، وخصوصاً مع استمرار البدو القاطنين في البلدة القريبة، بر الزهراني، بانتزاعها من الأرض ما إن تزهر. خطوة بارزة في ذاك الحين، قامت بها «جمعية نداء الأرض»، حين طالبت بإنشاء محمية صغيرة لهذه النبتة ونباتات أخرى.
بقي المشروع رهن الأخذ والرد حتى عام 2004. إلا أن رئيسة الجمعية، زينب مقلد نور الدين، لم تيأس ولم تتنازل عن فكرتها في إنشاء محمية تضمّ بعض النباتات العطرية والطبية كالزعتر، الزوفا، إكليل الجبل، العيزقان، المليسا، الآلوي،الصبيرة والخزامى. قدمت الجمعية مشروعها لمجلس الإنماء والإعمار و«شرحنا أهميته على صعيد البلدة في حماية هذه النباتات، فتمت الموافقة، وقدم لنا مبلغاً بقيمة مئة وسبعين ألفاً وثلاثمئة دولار أميركي عن طريق البنك الدولي، إضافة إلى مساهمة من البلدية، قطعة أرض تقارب الثلاثة دونمات من أرض المشاع، لإقامة الحديقة عليها». هكذا، استُصلحت قطعة الأرض وسُيّجت بسياج حديدي، وزرعت بكل الأصناف المذكورة سابقاً.
حلّ ربيع عام 2005 والحديقة تختال بكل الأنواع والألوان التي نجحت زراعتها فعلاً، ما عدا الزوفا الذي لم تلائمه طبيعة الأرض الصخرية. لم يكن العمل وفقاً لأسلوب الزراعة العضوية سهلاً، فقد احتاجت إلى يد عاملة خبيرة، وإلى مراقبة دائمة لريها، ولإزالة الأعشاب بالطريقة اليدوية مع عدم استعمال أي مبيد. قسّمت نساء الجمعية المهمات بينهن، وتكفّل معظمهن بتقطير النباتات التي أزهرت. «استخدمنا نبتة المليسا في صناعة كريم مرطّب للبشرة، والخزامى صنعنا منه زيت الخزامى الذي يستخدم في بعض أنواع المساج، كما مزجناه مع زيت الزيتون لصناعة الصابون البلدي، أما الزعتر فكان مميزاً جداً»، هكذا تتذكر مقلد إنتاج العام الأول الذي تضمّن مشاركة الجمعية في معارض محلية مختلفة من بيروت إلى عبرصاليم وصيدا وصور، ولكنها تستدرك قائلة بحسرة: «للأسف، تضرّرت الحديقة كثيراً خلال عدوان تموز. فالقنابل العنقودية التي رماها العدو الإسرائيلي منعتنا من الدخول إليها، كما تعطّلت شبكات المياه فيها من جرّاء إصابتها بالشظايا، فماتت معظم الأنواع». استمر يباس الحديقة لأكثر من عام وليس من جهات رسمية تسمع نداء الجمعية لتأهيلها. فبعد كل مراجعة، كان يُحوّل طلب الجمعية إلى مصلحة الزراعة في النبطية التي بدورها تحيله إلى الهيئة العليا للإغاثة التي سلمت الملف إلى الجيش اللبناني، كما تروي مقلد. في الفترة الأخيرة، قام الجيش بكشف فعلي عليها وما زال الملف مفتوحاً بانتظار الحل.