قبل أن تنتهي الدقائق العشر للمخابرة الهاتفية، قال لي ناصر إن المسافة بين رقم ورقم شاسعة وباتت تزعجه. أضحكتني الفكرة كثيراً، فالمسافات يمكن أن تكون جميلة أيضاً، يطلع فيها حقل من القمح، أو عشب أخضر. وعندما نشتاق كثيراً نستطيع أن نمنّي أنفسنا بـ«أبسلون»، وهو الحرف الخامس من الأبجدية اليونانية. ويرمز «الأبسلون» في علم المساحات إلى كمية إيجابية متناهية في الصغر تقع تخومها عند الصفر. هكذا، إذا نظرنا إلى المسافات الكبيرة كتجميع للأبسلونات الصغيرة، فقد نشعر أننا أقرب. وأعترف أن هذه النظرة ليست دقيقة، لكنها لعبة ستسلي الكبار والصغار، ولا خوف من أن يبتلع الصغار جداً دون الثلاث سنوات من العمر «الأبسلونات»، رغم أنها قطع صغيرة جداً. فهي شريكة لهم في طيبتهم وفرحهم والأمل النابت كالريش على أجسادهم الصغيرة. على درج المكتبة استوقفني رائد وسألني إن كان قد خسر الكثير من الوزن. أخافني سؤاله، بعد حديثه الطويل عن أوجاع وكدمات وبروز في العروق وأشياء أخرى تصيبه. نظرت إليه جيداً وأجبته «لا». وسبقته بأربع درجات ونظرت إليه من فوق وأعدت فحصه وكررت له «لا». ثم نزلت درجاتي الأربع، لأصعد معه الدرج. فقد فكّرت في أنه إذا ما زادت المسافة بيننا قد أخسره. هذا «اليأس في الدم» كما يحلو لرائد أن يسمّيه، قد يكون شيئاً آخر في الدم، يطلق عليه الأطباء اسماً قد يرعب المرضى أو لا يرعبهم... اعتماداً على المسافة التي بينهم وبين التطور العلمي.مقتطف من مدوّنة:
http://suzymaddah.wordpress.com/