نُشر بيان منسوب إلى جماعة سمّت نفسها «كتائب معاوية بن أبي سفيان»، تضمن تهديداً بقتل الشيعة والبعثيين عبر «انتحاريين». لم يشبه البيان في أدبياته ما درجت عليه الحركات السلفية. فهل هو من صُنع متطرف أم ثمة «فبركة سياسية خفيفة»؟
محمد نزال
قبل نحو أربع سنوات، تناولت وسائل الإعلام في لبنان بياناً منسوباً إلى «تنظيم القاعدة ـــــ نهر البارد». بعض الصحف عرضت البيان على صفحتها الأولى، وبعض الشاشات وضعته خبراً رئيسياً. فالبيان «جديد من نوعه»، وفيه تهديد لرئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة «ومن يتعامل مع أميركا». قيل يومها إن هذا البيان عبارة عن «فضيحة» استخبارية، حيث إن بعض الوسائل الإعلامية اتصلت على رقم الفاكس الصادر منه البيان، وهو 06895122، فتبيّن أنه يعود إلى مخفر قوى الأمن الداخلي في بلدة مشمش ـــــ عكّار.
لم يكن الوضع الأمني آنذاك في أحسن أحواله، وكذلك الأمر على المستوى السياسي، فجاء البيان في ظل «تشنّج» العلاقات اللبنانية ـــــ اللبنانية. أما اليوم، مع عودة التشنجات السياسية، التي غالباً ما تلحقها توترات أمنية، فقد صدر قبل 3 أيام بيان منسوب إلى مجموعة، لم تُعلن نفسها سابقاً، تسمّي نفسها «كتائب معاوية بن أبي سفيان». تكفّل موقع «بيروت أوبزرفر» الإلكتروني بنشر البيان، الذي زعم أنه وصله عبر البريد الإلكتروني الخاص بالموقع، ومعه تسجيل فيديو يتحدث فيه شخص ملثّم لا يشبه لباسه لباس رجال الحركات «السلفية الجهادية» التقليدي.
جاء في البيان أنه: «لقد طغى وتكبّر حزب الله الشيعي ومن معه من الكفار البعثيين، واعتقدوا أن أهل السنة جبناء أو خائفين من هؤلاء المرتدين، وأنهم يستطيعون أن يعيثوا في الأرض فساداً ويعدّون أنفسهم أشرف الناس وهم من الشرف براءة». كان لافتاً أن البيان ساق ضد الجهات المذكورة اتهامات مبهمة، دون ذكر تفاصيلها أو ما يؤكدها، مثل «هم من قتل الفلسطينيين ورموزهم في المية ومية وقبلها مذبحة تل الزعتر».
لم يكن البيان ليمرّ دون الإشارة إلى أحداث 7 أيار
لم يكن البيان ليمر دون الإشارة إلى أحداث 7 أيار عام 2008، حيث «استباحوا بيروت العربية السنية قلب المقاومة النابض، التي لم تفرّق بين أحد من أبنائها من مقاومين ومناضلين. نعم 7 أيار لن يمر مجدداً، ونقول لحزب الله ومن وراءه إننا أقسمنا بالله الواحد الأحد أننا نذرنا أنفسنا شهداء وانتحاريين، وسنضرب في كل مكان، والعين بالعين والبادي أظلم». كاتب البيان لا يريد لمن يوجه إليهم خطابه أن يتهموا إسرائيل بـ«المذابح التي ستصيبهم في كل مكان»، بل عليهم أن يتهموا «أنفسهم وحلفاءهم». السطر الأخير من البيان يوضح سبب صدوره الآن، فهو مرتبط بالتطورات السياسية الأخيرة التي شهدها لبنان، حيث يختم بالقول «اليوم بعد ما قالها عميلكم جميل السيد إن الحق سيأخذه في الشارع، نحن قبلنا التحدي، وسنرى من عنده انتحاريون أكثر ولا نخشى إلا الله».
«انتحاريون»؟ كانت هذه الكلمة واحدة من الملاحظات التي نقلتها «الأخبار» إلى بعض علماء الدين والمتابعين لشؤون الحركات الدينية، لكون هذه الحركات لا تستخدم عادة مصطلحات كهذه في بياناتها. فبعد قراءة إمام مسجد القدس في صيدا، الشيخ ماهر حمود، البيان المذكور، خلص إلى عدّة ملاحظات تشير إلى «أنه بيان استخباري فتنوي بامتياز، ولا يشبه البيانات التي يكتبها أناس متدينون». لغة ركيكة، لم يُفتتح بآية قرآنية، لا يتضمن حديثاً نبوياً شريفاً، كلام مذهبي لا ديني... هذه بعض الملاحظات التي سجّلها الشيخ حمّود على البيان لتأكيد «فبركته». ولفت حمّود في حديث مع «الأخبار» إلى أن كاتب البيان «لم يوفّق في تسمية الجماعة التي تقف وراءه. فمعاوية بن أبي سفيان قد يعدّ رمزاً، ولكن ليس رمزاً جهادياً عند الحركات الإسلامية السنية، مثل خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبي. فمن الواضح أن التسمية هي للنكاية بالطوائف الأخرى لا أكثر، فضلاً عن أنه ليس هناك فقيه مسلم سني يقف مع معاوية ضد علي بن أبي طالب في حرب صفّين».
توقف الشيخ حمّود عند الاسم الذي جاء البيان موقّعاً به، وهو «الليث الغالب حمزة العربي»، إضافة إلى عبارة «بيروت العربية المقاومة»، لكون الحركات الإسلامية، وخاصة السلفية منها، لا تتحدث عن العروبة، «فهل يعقل أنهم يتحدثون عن خالد علوان وجمّول مثلاً؟! أو عن الفلسطينيين في بيروت عام 1982؟! هم ضد كل هؤلاء». ويختم الشيخ قائلاً: «لو كان كتبة البيان قد استعانوا بشيخ مأجور، ولو من قريبو، لكان البيان أقل خفّة مما هو عليه».
من جهته، رأى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، الدكتور أحمد موصللي، أن البيان «يمكن أن يكون مفتعلاً من قبل أطراف سياسية لبنانية، ولكن مسألة حصول تفجيرات واضطرابات أمنية هي أمر وارد في كل الأحوال، نظراً إلى وجود أرضية تطرّف مذهبي في لبنان»، وختم موصللي قائلاً: «يبدو أن فريق 14 آذار أفلس ولم يعد لديه برنامج، ولذلك يعمد إلى زيادة التطرف المذهبي بين اللبنانيين».


إنه أداة للفتنة...

استنكر الشيخ أحمد البابا، إمام جامع الفاروق التابع لدار الفتوى، ما جاء في البيان الأخير المنسوب إلى «كتائب معاوية بن أبي سفيان». وقال في حديث إلى «الأخبار» إن ما ورد فيه «لا يدل على أن كتبته من المتدينين، فهو للفتنة على ما يبدو، ويأتي في سياق الحملة السياسية التي ليس لها علاقة بالدين. فكيف يضع شخص نفسه في موقع الحركات الإسلامية، ويقول عن نفسه إنه انتحاري؟ هذا التوصيف ليس إسلامياً». أضاف الشيخ البابا قائلاً: «نحن لا نقبل بالألفاظ التي وردت في هذا البيان، وهي لا تعني المسلمين ولا علاقة لها بالدين. فما نطالب به دائماً هو تهدئة الخطاب السياسي في لبنان وتعزيز لغة الحوار والكف عن التشنجات والعصبيات»، خاتماً بالقول «كل من صلّى إلى قبلتنا وآمن بالرسول فهو أخ لنا في الدين، وليس لدينا تفريق في ذلك».


لقطة

بتاريخ 26/7/2005 تلقّى عدد من المؤسسات الدينية الشيعية في مدينة صور بياناً عبر الفاكس، منسوباً بتوقيعه إلى «تنظيم القاعدة ولاية لبنان»، يدعو إلى «قتل الشيعة». تضمّن البيان ذكراً لأسماء محددة كـ«أهداف»، منها الشيخ نعيم قاسم، المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وذُكر آنذاك أن القوى الأمنية حاولت جاهدة الوصول إلى مصدر البيان، ولكن من دون جدوى. يُشار إلى أن هذا البيان، كسواه من أغلب البيانات المشابهة، جاء في عزّ الانقسام السياسي في لبنان، غير أن المفتي محمد رشيد قباني استنكر ما جاء فيه، وخاصة «تكفير المرجعيات والقيادات والتحريض على سفك دمائها». وكان لافتاً أن البيان وصف السيد فضل الله بـ«العلامة»، ما أثار استغراب العديد من المتابعين والخبراء، وعزز الشكوك لناحية أن يكون الكاتب «جهات سياسية».