تمثّل البسطات المنتشرة في شوارع طرابلس معضلة حقيقية، لدرجة أن محاولات عدّة سابقة جرت لإيجاد حلول لها وفشلت، فهل تنجح بلدية المدينة الأسبوع المقبل في «الموازنة» بين إزالة الفوضى وعدم قطع أرزاق آلاف العائلات؟
عبد الكافي الصمد
لم يتوانَ قائد شرطة بلدية طرابلس سمير آغا عن رسم ابتسامة معبّرة، عندما أجاب أنه «ما حدا راجعني بموضوع البسطات»، رداً على استفسار «الأخبار» منه عمّا إذا كان أصحاب البسطات المنتشرة في المدينة قد راجعوه، إثر إنذار وجّهته البلدية الاثنين الماضي، يقضي بضرورة «الاستفسار من مكتب قائد الشرطة عن كيفية الاستحصال على رخص قانونية جديدة قبل يوم الثلاثاء المقبل»، بعد إلغاء البلدية التراخيص الممنوحة سابقاً.
ابتسامة قائد الشرطة ارتسمت أختها على وجه رئيس البلدية نادر غزال عندما سألته «الأخبار»: «هل كل بسطات طرابلس شرعية كي لا يراجع أحد بها، بعدما كان متوقعاً أن تشهد البلدية وقوف أرتال من أصحاب البسطات أمامها لتصحيح أوضاعهم، وهو ما لم يحصل؟».
«طبعاً، ليست كلها شرعية وقانونية، يمكن عم يعملوا وسايط»، يردّ غزال، الذي يوضح أن «التراخيص المعطاة في السابق لأصحاب البسطات تعدّ بالمئات، لكن هذه التراخيص ألغيت تمهيداً لإعادة تنظيم عمل البسطات التي أصبحت تعدّ بالآلاف، وتتسبّب بمشاكل لم يعد ممكناً السكوت عنها».
الإنذار الذي أصدرته البلدية إثر انتهاء عطلة عيد الفطر، وهي عطلة رافقها انتشار فوضوي للبسطات امتد إلى أماكن لم تكن توجد فيها أصلاً، «صدر بالتشاور مع التجار وأصحاب المحال في الأسواق، يقول غزال، وهؤلاء يشتكون من أنهم يدفعون رسوماً ورواتب موظفين وإيجارات، من غير أن يُرفع عنهم ضرر أصحاب البسطات الذين يعرضون بضائعهم أمامهم على الأرصفة، فيقطعون أرزاق أصحاب المحال من غير أن يتكلفوا أية ضرائب أو رسوم».
ومع أن أزمة البسطات في طرابلس قديمة، غير أنها استفحلت خلال سنوات الحرب الأهلية، من غير أن تسهم محاولات جرت بعد انتهائها في إيجاد حلول ناجعة لها، مثل تنظيمها وإيجاد أمكنة مناسبة لها، إلى أن استقر الرأي، حسب غزال، على «تحويل قطعة أرض في منطقة السقي الشمالي، مساحتها نحو 6 آلاف متر مربع، لتصبح مكاناً ستنتقل إليه البسطات بعد أشهر، بعد إنجاز البنى التحتية الضرورية فيه، وبهذا نزيل مظاهر الفوضى وتشويه المنظر العام من جهة، ولن نتسبّب في قطع أرزاق الناس من جهة أخرى».
محاولات إزالة البسطات في طرابلس كانت تجري سنوياً، وآخرها مطلع هذا الصيف، إلا أن أصحاب البسطات كانوا يصطدمون أحياناً مع عناصر الأمن قبل أن يعيدوها إلى أماكنها في اليوم التالي، وهو أمر يجزم غزال هذه المرة بأنه «لن يتكرر، لأنني حصلت على ضمانات دعم في استمرار تطبيق القرار إن من جانب القوى الأمنية التي ستؤازر شرطة البلدية أو من جانب السياسيّين الذين وعدوا بأنهم لن يتدخلوا لتعطيله أو للتوسط من أجل أحد».
ولأنه يجب البدء من مكان ما، فإن عناصر شرطة البلدية وقوى الأمن الداخلي سيباشرون مهمّتهم صبيحة يوم الثلاثاء المقبل في منطقة المسرب الغربي لبولفار نهر أبو علي ومحيط القلعة والأسواق الداخلية، بعدما وزعت البلدية مئات النسخ من قرارها في المنطقة كي يأخذ أصحاب البسطات علماً بالأمر، لأن «التجاوزات هناك لم تعد تُحتمل، كما أن حلّ مشكلة البسطات مرتبط بمشكلة السير التي نسعى إلى إيجاد حلول لها»، على حد تعبير غزال.
وفي سبيل احتواء ردات فعل أصحاب البسطات الذين قد يرفضون تنفيذ القرار لكونه سيهدد مصدر عيشهم، تألّفت لجنة ميدانية لمتابعته مكوّنة من 5 أعضاء في المجلس البلدي، معظمهم من أبناء المناطق المعنيّة بتنفيذه.
خالد صبح، أحد أعضاء هذه اللجنة، الذي يرأس أيضاً لجنة الأملاك والاستملاكات أوضح لـ«الأخبار» أن «الحلول المؤقتة لهذا الموضوع مرفوضة، ولهذا الغرض سعينا إلى إنشاء سوق في منطقة السقي الشمالي بعد اقتراحات قدمناها، يكون على شكل سوق شعبي أكثر منه سوقاً للبسطات، تتوافر فيه مواصفات معيّنة ويتضمن مواقف للسيارات ودائرة نظافة ونظاماً إدارياً وأمنياً، بطريقة تحرّر طرابلس من البسطات العشوائية، وتؤمن للبلدية مداخيل مالية كبيرة مقابل تأجيرها هذه البسطات».
وأشار صبح إلى أن «إنشاء السوق الشعبية سيكون تعويضاً لأهالي باب التبّانة وجوارها عن نقل سوق الخضر من المنطقة إلى مكان آخر، لجهة توفيره فرص عمل بديلة تمنع انفجار غضب شعبي مستقبلاً في منطقة تعدّ الأفقر في طرابلس».