الوضع الأمني يمكن أن يتدهور بسرعة، عمليات «إرهابية» محتملة، احذروا الدخول إلى جنوبي الليطاني والضاحية وغيرهما من المناطق. هذه بعض التحذيرات من السفارتين الفرنسية والبريطانية إلى رعاياهما في لبنان أخيراً. هل هي تحذيرات عامة، كما قال المعنيون، أم ثمة تدهور يلوح في الأفق؟
محمد نزال
«بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، فإن الوضع الأمني في لبنان آمن جداً». هكذا قوّم مسؤول دبلوماسي فرنسي الوضع الأمني في لبنان، غير أن هذا التقويم «الإيجابي إجمالاً»، لم يمنع السفارة الفرنسية من تحذير رعاياها من أن الوضع «يمكن أن يتدهور بسرعة». فمع نهاية شهر آب الفائت، أي قبل نحو أسبوعين، أدرجت السفارة الفرنسية على موقعها الإلكتروني توصيات «محدّثة»، دعت فيها المواطنين الفرنسيين إلى تفادي زيارة بعض المناطق، مثل «المناطق الحدودية الجنوبية، والمناطق الواقعة جنوبي جزّين، بحيرة القرعون وراشيا، الضاحية الجنوبية لبيروت ومحيط المخيمات الفلسطينية في طرابلس، وبعض المناطق المحاذية لمخيمات صيدا»، كذلك طالبتهم بالاكتفاء بزيارة قلعة بعلبك فقط في البقاع، مع توصية باتخاذ الطريق الرئيسي للوصول إليها وتجنّب الطرق الفرعية.
لم تكن السفارة الفرنسية منفردة في هذه التوصيات، إذ تزامن تحديثها مع توصيات أخرى محدّثة أيضاً وضعتها السفارة البريطانية في لبنان. التحذيرات البريطانية لم تأت مختلفة كثيراً عن مثيلتها الفرنسية، لناحية تنبيه الرعايا من التوجه إلى بعض المناطق «بسبب مخاوف أمنية، وخاصة في المخيمات الفلسطينية ومنطقة جنوبي الليطاني». كان لافتاً في نشرة التحذيرات البريطانية الإشارة إلى مواجهة العديسة التي حصلت أخيراً بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، كذلك الأحداث التي حصلت في منطقة برج أبي حيدر، وذلك في سياق حديثها عن الوضع الأمني العام في لبنان. وفي صفحة مخصصة لـ«الإرهاب» على موقع السفارة البريطانية، وضع تحذير من احتمال «تعرّض المصالح البريطانية والغربية لتفجيرات في لبنان».
استوقفت هذه التحذيرات عدداً من المتابعين للشأن الأمني في لبنان، وخاصة لكونها صادرة عن دولتين أوروبيتين صاحبتي وزن فعّال على المستوى الدولي والإقليمي، فبدأت التساؤلات عمّا إذا كان هناك «أمر سيّئ» يلوح في الأفق، وما إذا كان لحكومة البلدين «علم» بتدهور وشيك للوضع الأمني على خلفية ما.
اتصلت «الأخبار» بأحد المسؤولين في السفارة البريطانية، وسألته عن الأمر. «الأمر ليس بجديد، فدائماً نطلق مثل هذه التحذيرات للمواطنين البريطانيين الموجودين في الخارج»، أجاب المسؤول سريعاً. لم يرَ المسؤول في التحذيرات ما يستدعي الاستغراب، واضعاً ما جاء فيها في إطار الإجراءات «العادية جداً»، ونافياً أن يكون ثمة ربط بينها وبين أحداث أمنية يفترض البعض أنها يمكن أن تحصل في المستقبل.
يُشار إلى أن السفارة البريطانية تلفت في نشرة التوصيات إلى أن هناك «تهديداً عاماً من الإرهاب في لبنان»، مثل الهجمات العشوائية التي تطال أماكن يتردد عليها مسافرون أجانب، كالفنادق والمطاعم، وكانت «هجمات إرهابية سابقة قد اتخذت أشكالاً مختلفة، مثل القنابل اليدوية الصغيرة والقنابل البدائية الصنع».
التحذيرات الفرنسية والبريطانية تلفت إلى أن السجن في لبنان «صعب» بسبب اكتظاظ السجون التي عفى عليها الزمن
من جهة السفارة الفرنسية، لم يكن ردّ المسؤولين فيها مختلفاً عمّا قاله البريطانيون، فالأمر «ليس بجديد» أيضاً. ردّ المسؤول الفرنسي جاء سريعاً، حيث تبيّن أنه بالفعل قد لاحظ «ملاحظة» بعض المتابعين للتحذيرات الأمنية المحدّثة على الموقع الإلكتروني للسفارة، لكنّ «الأمر لا يستدعي التضخيم، الوضع الأمني ليس في أحسن أحواله، ولذلك ننصح الفرنسيين بعدم الدخول إلى بعض المناطق، هذا كل ما في الأمر». بعض المناطق المحذّر منها تحمل طابعاً أمنياً خاصاً، فضلاً عن الطابع السياسي، مثل ضاحية بيروت الجنوبية، فلماذا تحذرّون رعاياكم من الدخول إليها، علماً بأنها منطقة متداخلة مع العاصمة بيروت؟ سألت «الأخبار»، وبهدوء الفرنسيين المعتاد، أجاب المسؤول قائلاً: «بعض الصحافيين والمصوّرين أوقفوا سابقاً هناك، وجرى التدقيق في بطاقات هوياتهم من قبل الناس، لذلك نفضّل لهم ألا يذهبوا إلى هناك». ومن التنبيهات التي توجهها السفارة الفرنسية إلى رعاياها، أن ثمة «مخاطر» يمكن أن تواجه البعض إذا اكتشفت السلطات، من خلال جواز السفر، أنه زار إسرائيل سابقاً، أو أنه يعدّ نفسه للسفر إلى هناك في المستقبل. التنبيه نفسه تقريباً موجّه إلى البريطانيين أيضاً، إذ «لا ينبغي أن تكون هناك طوابع إسرائيلية على جواز السفر في حال دخول لبنان، حيث يمنع من الدخول إلى البلد في هذه الحالة حتى ولو كان لديه تأشيرة دخول صالحة».
مسؤول أمني رفيع في قوى الأمن الداخلي نفى أن تكون السفارتان المذكورتان قد أبلغتا القوى الأمنية اللبنانية، بطريقة خاصة، أي معطيات أمنية جديدة تستدعي الحذر. ورأى المسؤول في حديث إلى «الأخبار» أن التحذيرات المحدّثة على المواقع الإلكترونية ليست جديدة، ولكن يمكن أن تكون قد حُدّثت أو أضيفت بعض التفاصيل إليها، مثل تطرّقها إلى الحوادث الأمنية الأخيرة التي حصلت في لبنان. وعمّا إذا كان لدى السفارتين أو غيرهما من السفارات شكاوى من تقصير القوى الأمنية في حماية رعاياها في لبنان، أكّد المسؤول أن «لا شكاوى على هذا الصعيد، ولكن يحصل أحياناً أن يتعرّض بعض الأجانب لعمليات جنائية عادية، عمليات يمكن تحصل في أي بلد، مثل الاعتداء أو النشل والسرقة وما شاكل، وهذه الأمور يتعرّض لها الأجنبي كما يتعرّض لها اللبناني على حدّ سواء». تلفت السفارتان نظر رعاياهما في لبنان إلى أن عمليات السلب والسطو وسرقة السيارات تزداد أحياناً، ولا سيما في بيروت والمناطق المحيطة بها، ولذلك يجب أخذ الحذر، كذلك فإن ثمة «مخاطر» قد يتعرض لها السياح، من خلال عمليات النشل (وخاصة انتزاع الحقائب) التي لا تزال نسبتها «مرتفعة». إضافة إلى ذلك، هناك تحذيرات من عمليات السطو المسلح التي تحصل في سيارات الأجرة (التاكسي) مع الركاب من قبل السائق أو ركاب آخرين، ولذلك «من المستحسن استخدام سيارات الأجرة التابعة للشركات المعترف بها».
قد تكون بعض الدول الأوروبية تسمح باستخدام بعض أنواع المخدرات، لكن السفارتان الفرنسية والبريطانية تعلمان أن هذا ممنوع في لبنان ويعاقب عليه القانون، ولذلك تحذران رعاياهما من حيازة المخدرات واستعمالها أو الاتجار بها، لأن هذا يُعدّ في لبنان «جريمة، ويعاقب عليها بالحبس».
في سياق متصل، تحثّ السفارتان رعاياهما على عدم أخذ الصور الفوتوغرافية للمواقع العسكرية، لأن هذا قد يؤدي
إلى اعتقال المصوّر، ولذلك ينبغي أن يقتصر التصوير على المواقع السياحية فقط، مع الإشارة إلى أن السجن في لبنان «صعب ولو لفترة قصيرة»، بسبب «اكتظاظ السجون والمرافق التي عفى عليها الزمن».


أميركا لرعاياها: احذروا حزب الله

في 10 حزيران الماضي، أجرت السفارة الأميركية في لبنان تحديثاً لنشرة التحذيرات الموجهة إلى رعاياها في لبنان، جاء فيها تحذير من التوجه إلى أجزاء من الضاحية الجنوبية لبيروت، وأجزاء من البقاع، وكذلك المناطق الواقعة جنوبيّ نهر الليطاني في الجنوب. ما السبب؟ الجواب يأتي في النشرة نفسها، هو أن «حزب الله يحافظ على وجود قوي في هذه المناطق، وهناك احتمال للعمل من جانب الجماعات المتطرفة الأخرى، ولا يزال الوضع متوتراً واستئناف أعمال العنف المتفرقة لا يزال وارداً».
يشير بيان التحذير الأميركي إلى أن «لبنان يتمتع بفترات من الهدوء النسبي، لكن احتمال حدوث تصعيد في أعمال العنف حقيقي، وسلطات الحكومة اللبنانية غير قادرة على توفير الحماية للمواطنين، وفي ظل هذه الظروف، فإن قدرة موظفي الحكومة الأمريكية على الوصول إلى المسافرين، أو تقديم خدمات الطوارئ في بعض الأحيان، قد تكون محدودة للغاية، علماً بأن التهديد الإرهابي المعادي للولايات المتحدة والغرب لا يزال موجوداً في لبنان».