كما تنتشر النار في الهشيم، انتشر «أدينو فايرس» أو فيروس التهاب العين. هو وباء ينتقل بسرعة هائلة من مصاب إلى آخر، عن طريق اللمس والاحتكاك المباشر، فكيف الحال في المناطق الشعبية التي تتلاصق فيها الأنفاس، كما حي السلم؟
راجانا حمية
كان ذلك منذ بضعة أشهر، حين قررت الفتاة حزم أمتعتها والرحيل بعيداً عن الحي الذي بقيت فيه خمس سنوات بأيامها ولياليها. لم تزره منذ ذلك الحين إلا نادراً، لإحضار ما يلزمها من بيت الحي. في تلك الزيارات، لم يكن الوقت الذي تقضيه هناك يتعدى الساعات الثلاث أو حتى أقل، تغادر بعدها من دون أن تحسب أنها راجعة يوماً إليه. لكنها في كل مرة، كانت تعود.. ولا تبقى. أول من أمس، قررت أن تعود في «بروفة» لعودة قد تكون نهائية. لكن، يا «فرحة ما تمّت». فأول وصولها إلى الحي، فوجئت بالأعداد الهائلة للمصابين بفيروس التهاب العيون. كل الحيّ «مضروب»: سائق سيارة الأجرة التي استقلتها للوصول إلى زاروب منزلها. البقّال. العابرون على الطريق. الجيران. حتى باتت كأنها دخلت لتوّها حي «مصّاصي الدماء». تترصدها العيون التي انقلب لونها دماً. فالداخل إلى الحي هذه الأيام، عقب انتشار فيروس التهاب العين، شبه متأكد من أن «الحالة» سوف «تُضرب» عيناه بمجرد إطالة البقاء فيه. فلا أحد سلم أو قد يسلم من الفيروس في المنطقة الأكثر شعبية، حيث الأنفاس تتلاصق، فكيف الحال بالوقاية التي تفترض الابتعاد قدر الإمكان عن المصاب أو تجنب لمسه أو استعمال أغراضه. وهي وقاية يستحيل تطبيقها أو الحفاظ عليها إن وُجدت في أكثر الأحياء اكتظاظاً بالفقراء، الذين لا طاقة لهم على شراء أدوات الوقاية أو زيارة طبيب لمجرّد الاطمئنان.
هنا، في حيّ السلّم كما في غيره من الأحياء الفقيرة التي تزدحم بها الضاحية الجنوبية، لا يكاد بيت يخلو من الإصابة بهذا الفيروس، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية انتقال العدوى من المصاب إلى أفراد عائلته، ما لم يتبع بعض إجراءات الوقاية. هكذا، تسلّم وتسليم إلى حين يختبر الكل أوجاع هذا الفيروس. لا بل بات البحث عن متعافٍ لم «تُضرب» عيناه أشبه بضرب من ضروب المستحيل.
ندى حيدر، الشابة ابنة الثانية وعشرين لم تتعافَ بعد من إصابة التقطتها من أحد جيرانها. سهرت الشابة مع الجار «من بعيد لبعيد»، وخلدت إلى فراشها لتصحو باكراً.. بعينين متورمتين لدرجة التصاق الجفون بإفرازات الفيروس، وهي أول عوارض الإصابة. تقول الشابة «استيقظت في الصباح، فلم أستطع فتح عيني. أحسست بأنني عمياء في تلك اللحظة وبأن شيئاً غريباً يتحرك داخلهما». بقيت على حالها أياماً عدّة، تستيقظ خلالها بعيون متورمة وجفون مطبقة. تمضي نهارها بالنظارة السوداء التي لم تعد تفارقها حتى داخل المنزل. حيدر، التي «فتحت» بعد حوالى أسبوع من الإصابة نقلت العدوى إلى والدتها.
في المنزل العائلي، انحصرت الإصابة بالابنة والوالدة، بفضل اتباعهما إجراءات الوقاية كغسل العيون واستخدام مضادات الحساسية. لكن، ما الذي حلّ في بيت يوسف الزين، الشاب العائد من خدمته العسكرية بعينين يغلب عليهما الدم؟ ببساطة ما إن انتهت العطلة حتى كان قد خلّف وراءه خمس إصابات: الوالد. الوالدة. الأشقاء الثلاثة.
يصف الزين الوجع الذي يترافق مع أيام الأولى للإصابة، فيقول وكأنه يحس بذلك الوخز للتو «تشعرين كأنّ عينيك تنطّان من رأسك عندما تنحنين، أما الألم فلا يكاد يوصف». أما فرح سبيتي التي كانت في اليوم السادس للإصابة، فتصف المرحلة المتقدمة منه على الشكل الآتي «تتورّم العينان ويحتقن الدم فيهما ولا يعود النظر قادراً على التقاط التفاصيل إلا بالتبحر»، كما يشح النظر قليلاً، ولا يعود إلى وضوحه إلا «عندما يأخذ الالتهاب وقته». زينب حيدر، العاملة في إحدى الصيدليات، لم تصب بعد بالفيروس، ولكنها معرّضة في أية لحظة لهذا «الاجتياح»، وخصوصاً أنها منذ بداية انتشار الفيروس لم تهدأ، حيث مددت دوام عملها لتلبية طلبات المصابين المتزايدة يوماً بعد آخر، والإجابة عن استفساراتهم. تصف حيدر مشهد الصيدلية التي كانت حتى وقت قريب خالية إلا من بضعة زبائن، فتقول «حتى القيلولة حُرمت منها بسبب الداخلين إلى الصيدلية والخارجين منها». تحصي عدد المصابين، فلا تستطيع حصرهم، وجل ما يمكنها قوله «فوق الثلاثين مصاباً يومياً».
الأعداد تزداد يوماً بعد يوم، فيما الأدوية والمعقمات في الصيدليات «تتناقص يوماً بعد آخر وقد تنفد في بعض الأماكن لأيام»، تضيف السيّد. لكن، ماذا لو بقي الفيروس على «طلعته»، في وقت تنفد فيه أدويته بسرعة؟ أو تنقطع لفترات محدودة؟ الجواب الأقرب البقاء في المنزل مع إجراءات النظافة والتعقيم إلى أن تتوافر العلاجات، والحؤول دون نقل العدوى إلى الآخرين.
لكن، ماذا لو «ضرب» هذا الفيروس قرنية العين؟ وما مدى الضرر الذي يلحقه بها، وخصوصاً أن بيان وزارة الصحة أكّد عدم تأثر البصر بالفيروس؟ ثمة ما يجب قوله رغم تأكيد الأبحاث العلمية، أن هذا الفيروس المعدي غير خطير، إلا أنه من الممكن أن يُحدث بعض التأثيرات. وفي هذا الإطار، يوضح طبيب العيون كميل المعلوف أنه «من الممكن أن تتأثر القرنية لسببين: أولهما إن أتت الالتهابات في منطقة القرنية، وثانيهما وهو تركيبة الفيروس، فهو يسمى أدينوفايروس ومعناه بكتيريا وفيروس، والأخير قد يترك أثراً على القرنية إن أصابها، فيخف النظر قليلاً». ويقول المعلوف إن النظر «قد يخف من 30 إلى 40%، وقد يبقى هذا الشح حتى ستّة أشهر، يعود بعدها النظر»، محذراً من أن «هذه العودة قد لا تكون كاملة وقد تعود بنسبة 90 إلى 95%». يؤكد الطبيب أن «الآثار تخف كثيراً، ولكن بيضلّ في شي منه»، ضارباً مثالاً عن «الجرح بعد 3 سنين، كيف بضل شكله مبين في الأثر؟ هكذا هي القرنية». ولئن كان الطبيب قد أشار إلى أن «لا إصابات من هذا

الأعداد تزداد يوماً بعد يوم فيما الأدوية والمعقمات في الصيدليات تتناقص
النوع إلى الآن»، ولكن، ماذا لو حدث؟ بادئ الأمر، أكدت الوزارة قبل بضعة أيام ببيان توضيحي، «عدم خطورة هذا المرض، فهو لا يؤثر في أي حال على البصر». وأشارت إلى «أنها أخذت عينات من الإفرازات عند المصابين وأرسلتها للتحليل، وقد أكدت نتائج الزرع عدم وجود بكتيريا مسببة للالتهاب». ولمزيد من التأكيد، أشار المدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار إلى «أن هذا الفيروس يزول وحده من دون الحاجة إلى علاجات، بالوقاية فقط». ولكن، أشار إلى أنه «إذا لم يتعافَ في فترة 10 أيام، وهي المدة المطلوبة لذلك، يجب عليه استشارة الطبيب خوفاً من أن يكون هناك تلييف بالقرنية مثلاً، ولكن في جميع الحالات تعالج ولا تؤثر أبداً على النظر». ويضيف «بعدين، كل مرض حتى لو كان بسيطاً بإمكانه أن يسبّب اشتراكات، ونحن هنا نتكلم عن 1% أو 1 بالألف عن إصابات من هذا النوع».
وفي تفصيل لهذا الفيروس، فهو يسمى الفيروس الوبائي «الأدينوفايرس» adenovirus، وهو من أكثر التهابات العين و«الملتحمة» انتشاراً ويطال جميع الأعمار. وتشير الأبحاث العلمية إلى أنه يطال خاصة الفئة العمرية المحصورة بين عشرين وأربعين عاماً.


عوارض «الأدينوفيروس»ويأتي هذا الفيروس عن طريق اللمس أو الاحتكاك أو التقاط إفرازات الجهاز التنفسي العلوي أو من استخدام الأغراض التي استخدمها المصاب أو من السباحة والحمامات. ومن خلال الاطلاع على الحالات المصابة، يشير الأطباء والصيادلة إلى أن عوارض هذا الفيروس تبدأ بـ«حكّة» في العين ومن ثم احمرارها أو التهاب الحلق أو ما يشبه الإنفلونزا. وبعد ذلك، يبدأ الإحساس بوجود جسم غريب في العين وذرف دموع غزيرة، إضافة إلى عدم القدرة على التعرض للنور. أما طرق الوقاية، فتوجب غسل اليدين جيداً والتعقيم الدائم والنظافة الشخصية وتجنب الاحتكاك المباشر مع المصابين، إضافة إلى استخدام العلاجات من كمادات باردة ومرطبات العين وبعض القطرات المضادة للحساسية (هيستامين) والقابضة للأوعية الدموية.