بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، انتقل مكان اجتماعات بلديات صور من مقرّ الاتحاد إلى مركز باسل الأسد الثقافي في صور لاستيعاب العدد الكبير لأعضائه، الذين كانوا يتسببون بزحمة في قلب المدينة عند اجتماعهم كل خمسة عشر يوماً. إجراء يأتي متأخراً بعد التغييرات التي يشهدها عمل الاتحاد، إذ انخفض عدد اجتماعاتة إلى مرة واحدة شهرياً، كما قلّ عدد المشاركين فيها رغم ارتفاع عدد الأعضاء من 57 إلى 60.
تراجع آخر سجله الاتحاد الداخل في دورته الثانية، هو تعثّر انتخاب لجانه وتأجيله الى ما بعد رأس السنة لأسباب لم تخلُ من التنازع على المناصب. ومن التغييرات أيضاً، أن رئيس الاتحاد، عبد المحسن الحسيني، الذي بقي في منصبه، لم يعد رئيساً لبلدية صور بل بات عضواً فيها. إلا أن التطوّر الذي لم يرد على بال أعضاء الاتحاد خلال السنوات الست السابقة، وجدّ أخيراً، هو احتمال انشقاق الاتحاد إلى اثنين أو ثلاثة وربما أكثر، بعد احتجاجات أطلقها بعض رؤساء البلديات ضد نسب توزيع المشاريع والأموال بين البلديات الأعضاء.
الاجتماع الأخير الذي عقد يوم السبت الفائت، لم يكن أفضل من الاجتماعات السابقة. نحو نصف الأعضاء حضروا الاجتماع، أقلّ من ربعهم بكثير كان حضورهم فاعلاً. أحد رؤساء البلديات الصغيرة قدّم طلباً إلى رئاسة الاتحاد لدعمه بمبلغ يقلّ عن عشرة ملايين ليرة ليتمكن من تعبيد طريق رئيسية فيها. رُفض اقتراحه لعدم قدرة ميزانية الاتحاد على تحمّل المبلغ الذي سيفتح الطريق أمام طلبات مماثلة من شأنها أن تسبب عجزاً مالياً بسرعة قياسية. مع ذلك، أعطيت الموافقة على طلب شبيه من بلدة مماثلة لدواع ليست مختلفة تماماً. وهناك اقتراح لإنشاء مركز للدفاع المدني مشترك بين عدد من البلديات، لا يزال قيد الدرس. الأمر سبب امتعاضاً لدى كثيرين يشعرون بالغبن لدى توزيع الحصص المالية والمشاريع والخدمات بين البلديات، فضلاً عن محدودية فاعلية اللجان التابعة للاتحاد مثل البيئة والتوجيه والإرشاد والثقافة والزراعة. إزاء ذلك، يبرّر أمين سرّ الاتحاد رئيس بلدية قانا المحامي محمد عطية، التقصير تجاه بعض الاحتياجات «بضعف الميزانية المرصودة وزارة الداخلية والبلديات بالمقارنة مع حجم المشاركين واحتياجات المنطقة التنموية». ولأن تعبيد الطرق وتأهيل شبكات المياه والكهرباء من اختصاص الوزارات المعنية «انصرف الاتحاد إلى المشاريع الحيوية المشتركة مثل معمل فرز النفايات ومحطة تكرير المياه المبتذلة ووضع مخطط استراتيجي شامل وعام» يقول عطية. ولتفعيل عمل اللجان التي لم تنتخب بعد، استُحدثت لجان مصغرة ومختصة بملف معين بالإضافة إلى لجان المناقصات والتخمين وتسيير الأعمال الرئيسية. ومن اللجان المستحدثة لجنة لإعداد اقتراحات المشاريع المرفوعة من البلديات ودراستها للموافقة على ما يتوافق منها مع القوانين الداخلية للاتحاد.
ورشة التأهيل والتنظيم الداخلية التي وجدتها رئاسة الاتحاد ضرورية في عهدها الجديد، وجدها البعض غير كافية أو متأخرة، فلم تثنهم عن قرار الانفصال واستحداث فرع جديد للاتحاد يضم عدداً من بلدياته. لا بل إن العدد الكبير للبلديات الحالية، دفع البعض الى اقتراح تقسيم الاتحاد الحالي الى أربعة او خمسة اتحادات ليضم كلّ منها نحو عشر بلديات «تتركز فيها المشاريع والخدمات بنحو أفضل». ويعتقد أحد الرؤساء المروّجين للانفصال بأن «إعادة الهيكلة الداخلية ستحسّن أوضاع البلديات، إذ كلما صغر العدد تكثفت الإفادة من المشاريع التي تخصصها المؤسسات الرسمية والجهات المانحة والجمعيات الدولية من جهة، ومن حجم الميزانيات التي ترصدها وزارة الداخلية الى الصناديق المستقلّة».
نظرية حسنات اقتسام الجبنة على شركاء أقلّ لم تقنع عطية الذي يرفض فكرة تقسيم الاتحاد النموذجي في لبنان لناحية عدد أعضائه، موضحاً أن «اجتماع هذا العدد الكبير من البلديات على طاولة واحدة يعدّ بمفرده تجربة ناجحة». وإذ يقر بالغبن اللاحق ببعض البلديات، يشير الى أن التعميم الأخير الصادر من وزير الداخلية والذي ينص على اقتسام نسبة 10% من عائدات صندوق البلدية المستقل للاتحاد المنضوية ضمنه «قد يحل المشكلة ويزيد من حجم الميزانية، ما يسمح بزيادة المشاريع والخدمات».
وعلى الرغم من نفي كثيرين علمهم بنيّة التقسيم، أو تقليلهم من جديتها، فإن رؤساء البلديات المحسوبين على حزب الله يؤكّدون حصولها خلال عام واحد في انتظار إنجاز الإجراءات الروتينية اللازمة. والسياسة التي تمكنت من ممارسة الضغط على البلديات المعترضة وضمّها في اتحاد واحد في الدورة السابقة، هي نفسها التي فرضت التقسيم حالياً.
نفي بلديات حركة أمل وتأكيد بلديات الحزب، أشاع لدى البعض خشية من أن يكون سبب التقسيم هو الفرز بحسب الانتماء السياسي، على غرار ما حصل في قضاء بنت جبيل المحسوب على حزب الله، والذي ألّفت فيه البلديات المحسوبة على «أمل» اتحاداً مستقلّاً تحت اسم اتحاد بلديات القلعة، أي تبنين وجوارها، مع ملاحظة أن الاتحاد المُنشأ وذلك المزمع إنشاؤه يحظيان باتفاق وتسوية بين الطرفين. وفي هذا الإطار، يؤكد المشرفون على الاتحاد المنتظر أن رئاسته ستكون من حصة الحزب ونائبه من حصة الحركة، بعكس التركيبة القائمة في الاتحاد الحالي.
تجدر الإشارة إلى أن مطلب التقسيم ليس جديداً، بل هو ضارب في عمق تأسيس الاتحاد الحالي الذي ترددت بلديات كثيرة في الالتحاق به بدايةً لأسباب تنموية وعقارية وريادية أيضاً، منها احتدام الخلاف على رئاسة الاتحاد التي صارت من نصيب صور. ولتبرير مطلب الاستقلال، عادت شعارات الخوف من الذوبان عقارياً في إطار صور الجغرافي وفقدان الهوية والخصوصية والاستقلالية والدور، ترفع من بعض البلديات. واعتدّ هؤلاء بحق البلديات البعيدة عن مدينة صور والمتجانسة عقارياً وتنموياً في اتحاد مستقلّ، ما دام أن بلديات كثيرة لن تستفيد من الخدمات إلا بعد وقت متأخر نتيجة البعد الجغرافي والإمكانات القليلة، وما دام هناك اختلاف شاسع بين الكثير من البلديات في مواردها المختلفة».
ومن أبرز المعترضين الدائمين على اتحاد موحّد، بلدة جويّا التي احتجت على إلحاقها باتحاد ترأسه صور، لكونها هي أيضاً مركز القضاء. لذا من شبه المؤكد أن ترأس جويّا الاتحاد الجديد الذي سيتألف من البلدات الواقعة في محيطها. يذكر أن اتحاد صور أنشئ في شهر آذار من عام 2003، متأخراً خمسة أعوام عن موعده الذي تقرّر في الدورة الانتخابية البلدية لعام 1998. بدايةً، تألف من 20 بلدية زادت بعد الانتخابات التي أجريت بعد عام واحد، لتشمل تدريجاً جميع البلديات المنتخبة وعددها 57. وبعد الدورة الأخيرة كاد النصاب يكتمل باتحاد بلدات وقرى القضاء الـ63، لو أن وزارة الداخلية وافقت على منح قرى النفاخية وبستيات ووداي جيلو مجالس بلدية مستقلّة.
ولأن هدف الاتحاد تنفيذ مشاريع تهمّ المصلحة المشتركة لعدد من البلديات التي لا تستطيع القيام بذلك بمفردها، وضع الاتحاد خطة لمعالجة المكبات والمحارق العشوائية في بلداته، ولا سيما مكبّ رأس العين، وتقدّم بمشروع إنشاء معمل لمعالجة النفايات وفرزها وتدويرها، سيصار الى تشغيله في وقت قريب. وفي الإطار ذاته، تقدم بمشروع مواز لحلّ أزمة الصرف الصحي بإنشاء محطة لتكرير المياه المبتذلة في القضاء، إلا أن عدوان 2006 حرف خطط الاتحاد نحو معالجة تداعياته التي أصابت بلداته، ولا تزال، عبر مشكلة انتشار القنابل العنقودية في الحقول.