72% يرون أن السياسيين يوظفون الدين لمصالحهم51% يلتزمون آراء المراجع الدينية
55% يمارسون الشعائر الدينية والشيعة الأكثر التزاماً
52% ضد تدخل المرجعيات الروحية في القضايا السياسية

أجرى مركز بيروت للأبحاث والمعلومات استطلاعاً للرأي حول موضوع الدين وتفاعلات المجتمع اللبناني مع الدين ورجاله. نُفِّذ الاستطلاع بين 10 تموز الماضي و13 منه، وشمل عيِّنة من 800 مستطلَع، واعتمدت منهجية احصائية تلحظ التوزع الطائفي والمناطقي، بالاضافة للفئات العمرية المختلفة من الجنسين
التفاصيل
قراءة في نتائج الاستطلاع

عبدو سعد*
يظهر السؤال الأول أن غالبية الشعب اللبناني، على اختلاف انتماءاتهم الطائفية، يتأثرون بشكل أو بآخر بالشعائر الخاصة للطوائف الدينية في لبنان، وذلك يبدو من خلال النسبة الكبيرة من المستطلعين (87.5%) الذين صرحوا بأنهم يمارسون الشعائر الدينية بشكل دائم او متقطع. كذلك يظهر الاستطلاع أن ثمة ارتفاعاً في نسبة المستطلعين بين الدروز الذين لا يمارسون الشعائر الدينية قياساً إلى الطوائف الأخرى. وهذا، بطبيعة الحال، ليس دليلاً على البعد الإيماني لهؤلاء بقدر ما هو عائد إلى التعاليم الدينية نفسها لدى طائفة الموحدين الدروز التي تحصر ممارسة الشعائر الدينية في بيئة محددة من أتباعها حرصاً على صحة هذه الممارسة، قياساً إلى الطوائف الأخرى التي ترى أن أبناءها مدعوون كافة إلى ممارسة الشعائر الدينية التي يؤمنون بها، إضافة إلى عوامل أخرى ذات فاعلية كبرى، تتعلق أساساً بوجود حركات سياسية أو اجتماعية ذات طابع ديني لها تأثير فاعل في البيئة الطائفية التي تعمل في إطارها، وهذا ما قد يتجلى بقوة في الوسط الإسلامي عامة والشيعي خاصة، الذي لا يخفى مدى تأثر الشريحة الواسعة منه بتيارين أساسيين يمثّلان سياسياً ودينياً العمود الفقري له هما «حزب الله» وحركة «أمل».
والجدير بالذكر أن نسبة الذين يمارسون هذه الشعائر كاملة بين الإناث (62%) هي أعلى منها بين الذكور (46%)، وهي أعلى بين الذين لم يتجاوزوا المرحلة الثانوية (64%) منها بين الجامعيين (51%)، وهذا يعود أساساً إلى مدى التمسك بالقيم الدينية من جانب كل فئة من هذه الفئات، سواء أكان منشؤه الإيمان أم مجرد الخوف من المستقبل، الذي قد يضعف بين الذكور من جهة والفئات الجامعية من جهة أخرى.
وتشير الإجابات عن السؤال الثاني إلى أن نظام الأحوال الشخصية الذي يمنح المحاكم الشرعية الحق في حل المشكلات الخاصة به يحظى برضى الشريحة الأكبر من اللبنانيين ويرونه القانون الأنسب للأحوال الشخصية في لبنان. وهذا الموقف ينسجم مع التوجهات الدينية لدى اللبنانيين عامة، كما يلحظ أنه يحظى بدعم أكبر بين الإناث (77%) منه بين الذكور (65%)، وبين غير الجامعيين (79%) من الجامعيين (63%). لكن اللافت أن نسبة الذين يؤيدون المحاكم المدنية بين الذكور (19%) أعلى منها بين الإناث (8%)، وهي أيضاً أعلى بين الجامعيين (19%) مما هي بين من هم دونهم في المستويات التعليمية (7%)، ولهذا صلة، من جهة، بما ذكرناه عن مدى تمسك هذه الفئات بالقيم، وله صلة أيضاً بمساحة الحرية التي يتمتع بها الذكور مقارنة بالإناث.
وفي إزاء الدور السياسي البارز الذي تؤديه المرجعيات الدينية في لبنان والذي يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام هذه المرجعيات، يجري التساؤل عن تأثير ذلك على أداء وظيفتها الأساسية المتعلقة بالوظيفة الدينية، وفي هذا الإطار، يظهر السؤال الثالث أن ثمة انقساماً بين اللبنانيين حول تقويم أداء هذه المرجعيات لوظائفها الدينية بشكل كامل، وإن كان ثمة ما يشبه التوافق بين اللبنانيين باختلاف انتماءاتهم الطائفية على قيام هذه المرجعيات إلى حد ما بالمحافظة على وظيفتها الدينية.
ويتبين من السؤال الرابع أن المستطلعين ينقسمون حول فكرة تدخل المرجعيات الدينية لحل المشكلات السياسية في لبنان، كذلك الرؤية لا تبدو واحدة بين أبناء الطوائف المتنوعة، إذ نجد أن نسبة تأييد الفكرة بين الشيعة والمسيحيين أعلى منها بين الدروز والسنة، وهي تلقى تأييداً بين الإناث (55%) وغير الجامعيين (57%) أكثر منها بين الذكور (42%) والجامعيين (44%). وتكاد النتائج تعكس صورة حقيقية عن الواقع اللبناني، فالمرجعيات المسيحية، وعلى رأسها البطريرك الماروني نصر الله صفير، تؤدي دوراً حيوياً وفاعلاًً، يكاد يمثّل محور الحياة السياسية للأطراف المسيحية كافة، كما أن الشيعة يتولى جزء من مرجعياتهم الدينية، وفي مقدمها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، موقعاً مركزياً في حياتهم السياسية، وهم تاريخياً يعتقدون بأن الدور السياسي جزء أساسي من دور المرجعية الدينية، وهذا بخلاف الدروز الذين يبدو أنهم يفضلون أن تحصر المرجعيات الدينية عملها في الشأن الديني، على أن تتولى الزعامات السياسية إدارة الشأن السياسي بنفسها.
ويتبين من الإجابات عن السؤال الخامس أن غالبية المستطلعين رأوا أن الدور السياسي للمرجعيات الدينية يطغى على سائر الأدوار الأخرى الدينية والاجتماعية على حد سواء.
أما السؤال السادس فيُظهر انقسام المستطلَعين في نظرتهم الى المصالح التي تسعى المرجعيات الدينية في لبنان إلى تحقيقها. فرغم حرصهم الكبير على إبداء الاحترام لموقع هذه المرجعيات، وعدم اتهامها، إلا من فئة قليلة جداً منهم، بالسعي إلى تأمين مصالحها الخاصة، فإن ما يقرب من نصف المستطلعين رأوا أن ما تسعى إليه المرجعيات الدينية هو المصلحة الطائفية أو يرتبط بهذه المصلحة وإن اتخذ بُعداً وطنياً.
وتختلف رؤية المستطلَعين (السؤال السابع) حول كيفية التعاطي مع المواقف المتضاربة التي يمكن أن تنشأ بين المرجعيات الدينية والمرجعيات السياسية في وقت من الأوقات أو حالة من الحالات، غير أن أكثر من نصف المستطلَعين أكدوا التزامهم في مثل هذه الحالة برأي مرجعياتهم الدينية، مقابل فئة قليلة منهم (18.1% فقط) أكدوا على العكس من ذلك التزاماً برأي مرجعياتهم السياسية، إلا أن ثمة مفارقات مهمة في هذا السياق يبرزها الاستطلاع من ناحية الانتماءات الطائفية للمستطلعين، وهي تبدو على الشكل الآتي:
1ـــــ تتحد رؤية المستطلَعين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية تجاه الالتزام برأي المرجعيات الدينية، باستثناء الدروز منهم، حيث أبدت نسبة أعلى منهم التزاماً برأي مرجعياتهم السياسية عند حالة كهذه، وذلك بسبب الحضور القوي والتاريخي للزعامات السياسية الدرزية في الحياة العامة للطائفة واقتصار عمل المرجعيات الدينية على إدارة الشأن الديني إلى حد كبير.
2ـــــ إن المسيحيين عموماً، أكثر التصاقاً بمرجعياتهم الدينية، وحرصاً على التمسك بمواقف تلك المرجعيات، وعدم الخروج عنها في أي حال، بحيث تكاد تمثل تلك المرجعيات الحاضنة لأبنائها وشبكة الأمان بالنسبة لهم.
3ـــــ أن ثمة فئة لا يستهان بها من الشيعة والسنة، أكثر تحرراً من الالتزام بمواقف مرجعيتها الدينية والسياسية على حد سواء، عند نشوء تباين في مواقفها، ولعل ذلك يأتي بمثابة دفع باتجاه تأكيد حالة التطابق الذي تشهده في المواقف بين المرجعيات الأساسية لدى هاتين الطائفتين.
4ـــــ أن الإناث وغير الجامعيين أكثر ارتباطاً بمرجعياتهم الدينية، بخلاف الذكور والجامعيين الذين يرتبطون بمرجعياتهم السياسية أكثر، وهذا ينسجم مع المواقف العامة لهاتين الفئتين من القيم الدينية والنزوع نحو التحرر.
واتفقت غالبية المستطلعين، وبخاصة المسيحيين والدروز منهم، في الاجابة عن السؤال الثامن، على قيام زعامات سياسية باستغلال الدين وتوظيفه لمآربها الشخصية، وهو ما يشير إلى فقدان ثقة هؤلاء بعدد من القادة أو الزعامات السياسية في لبنان، فيما تتدنى نسبة الذين لديهم شعور مماثل من السنة والشيعة، الأمر الذي قد يعود في خلفياته إلى حالة الانقسام السياسي القائم بين أطراف النزاع في لبنان ومحاولة بعض القادة السياسيين القيام بمبادرات ذات طابع ديني أو استرضاء مرجعيات دينية بهدف مصالحهم الخاصة. وتبرز هذه النظرة، على المستوى الطائفي، وتبدو الرؤية موحدة تقريباً بين الذكور (74%) والإناث (71%)، غير أنها أوسع بين الجامعيين (82%) من غيرهم (63%).

* مدير مركز بيروت للأبحاث والمعلومات