طارق ترشيشيبدا من المواقف العربية التي صدرت في عطلة نهاية الأسبوع، ومنها تلك التي صدرت عن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، أن انتخاب رئيس للبنان لم يعد شرطاً لدى بعض العرب لحضور القمة العربية المقرر في دمشق نهاية الشهر الجاري، وأن المهم بات تأمين حضور لبنان فيها.
وبغضّ النظر عن صيغة الدعوة التي ستوجّهها سوريا للمملكة العربية السعودية لحضور القمة، فقد ثبت أن لبنان سيتلقّى الدعوة عبر مندوبه الدائم لدى جامعة الدول العربية. وغالب الظن أنه سيحضر بوفد يرأسه وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ، وخصوصاً إذا وردت الدعوة إلى وزارة الخارجية لا إلى رئاسة الحكومة، التي يبدو أنها ليست في وارد الحضور.
وفي ضوء ذلك، يمكن القول أن لا اتفاق سيحصل بين الموالاة والمعارضة قبل قمة دمشق، وتالياً لن يكون متيسّراً انتخاب رئيس جمهورية في الجلسة النيابية المقررة في 11 من الجاري، ولا في تلك التي ستحدّد قبيل القمة. وينبغي انتظار مبادرة عربية ــــــ أوروبية جديدة ستنطلق بعد القمة، لمّح إليها الرئيس نبيه بري في ندوته التلفزيونية الأخيرة، لكن ليس لديه أي شيء حسّي بشأن طبيعتها. وبعض السياسيين قال إن بري أراد من حديثه عنها توجيه رسالة إلى فريق الموالاة مفادها أن على هذا الفريق أن لا يراهن على تراجع فريق المعارضة أمامه قبيل القمة، لأنه لم يعد هناك وقت لهذا الأمر، وأنه إذا كان هناك طروحات عربية ــــــ أوروبية فيمكن النظر إليها في حينه.
على أن هؤلاء السياسيين يتوقفون عند الحركة الأميركية المتمثلة بتحريك المدمرة «كول» في اتجاه المياه الإقليمية اللبنانية، ويقولون إنه لا يمكن عزل هذه الخطوة عن مجموعة خطوات اتخذتها الإدارة الأميركية في الفترة الأخيرة، بدءاً بزيارة عضو مجلس الأمن القومي الأميركي ايليوت ابرامز ومساعد وزيرة الخارجية ديفيد ولش لبيروت ودعوتهما فريق الموالاة إلى «الصمود» حتى أيار المقبل، ثم إعلان ديفيد ساترفيلد من باريس قبل أكثر من أسبوعين معارضة واشنطن للمبادرة العربية. ثم عرقلة الإدارة الأميركية للمبادرة الفرنسية ــــــ القطرية قبل أن تنطلق عملياً، وصولاً إلى تحريك المدمرة «كول».
وإذ يرى هؤلاء السياسيون أن هذه المدمرة ليست آتية لتنفيذ إنزال برمائي في لبنان أو لقصف أهداف على أراضيه، فإنهم في الوقت نفسه يرون أن خلف هذا التحرك الأميركي شيئاً مقلقاً، ويدل على أن الإدارة الأميركية على علم مسبّق بما يحصل، وسيحصل في غزة، وأن هذا الأمر سينعكس ضعفاً على سوريا وإيران و«حزب الله»، وأن عملية «تأديب» حركة «حماس» والقوى الفلسطينية الحليفة لها، ستمثّل رسالة واضحة إلى «حزب الله» وحلفائه.
أمّا موضوع دعوة بعض الدول العربية رعاياها إلى مغادرة لبنان، فإن قطباً سياسياً واسع الاطّلاع يدرجها في إطار مواقف هذه الدول من الأزمة اللبنانية، ومن موضوع القمة العربية، ويقول إن هذه الدول ربما اتخذت هذه «الخطوة الاحترازية» خوفاً من تعرض رعاياها لحوادث بسبب تمسكها بهذه المواقف، التي لا تروق لفريق المعارضة، وتالياً لدمشق، التي تؤكد أمام زوّارها اللبنانيين وغيرهم في هذه المرحلة أنها ترفض أن «يبتزّها» أحد قبل انعقاد القمة «التي ستُعقد في موعدها وبمن حضر».
بيد أن قطباً سياسياً يستبعد دخول لبنان في حروب داخلية في هذه المرحلة، ويعتقد أن بين أطراف الأزمة الداخليين شبه اتفاق ضمني على تجنّب الصدام. فلا المعارضة وعلى رأسها «حزب الله» تريد مثل هذا الصدام، ولا الموالاة وعلى رأسها تيار «المستقبل» تريده أيضاً. مما يعني أن الأزمة باقية في إطار التصعيد السياسي، إلى أن تتوافر لها الحلول المطلوبة.
أما في ما يتعلق بالحديث عن احتمال إقدام إسرائيل على شن عدوان على المقاومة وسوريا أو على أي منهما، فإن هذا القطب السياسي يسأل عن مدى جهوز إسرائيل لمثل هذا العدوان، وهل وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في وارد شن هذه الحرب لتعويم رئيس الوزراء إيهود أولمرت الغارق في هزيمة 2006 ومضاعفاتها، التي لم تنتهِ فصولاً عليه وعلى دولة إسرائيل برمتها، أم أنه ربما استأخر مثل هذه الحرب إلى مرحلة لاحقة ليقطف «ثمارها»، عودةً له إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد إزاحة أولمرت؟
ويكشف القطب نفسه معلومتين توافرتا لديه في هذا السياق، ويستند إليهما ليستبعد عدواناً إسرائيلياً قريباً على المقاومة وسوريا:
المعلومة الأولى: أن الوفد الفرنسي الذي زار لبنان الأسبوع الماضي وكان برئاسة مسؤول دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية لوديفك بوي، وعقد لقاءً مع بعض المسؤولين في حزب الله ولقاءات مع آخرين، جاء لمهمتَي التعبير عن القلق إزاء مستقبل قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل» في ضوء تهديد «حزب الله» لإسرائيل بالرد على جريمة اغتيال أحد قادة المقاومة الكبار الشهيد عماد مغنية، والثانية نقل رسالة إلى «حزب الله» بناءً على تفويض أميركي مفادها أن الإدارة الأميركية التي تخوض حالياً مفاوضات، ولو شكلية، لحل القضية الفلسطينية، ترغب أن لا يكون الرد على اغتيال مغنية رداً كبيراً يطيح هذه المفاوضات ويدخل المنطقة في حرب كبرى.
المعلومة الثانية: أن بعض الشخصيات الأميركية الصديقة لرئيسة الأكثرية الديموقراطية في الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي التقتها في الآونة الأخيرة، ونقلت عنها أن الديموقراطيين لن يسمحوا للرئيس الأميركي جورج بوش بشن حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، بالتعاون مع إسرائيل أو غيرها، وأنهم يريدون فتح حوار مع كل من سوريا وإيران بشأن كل القضايا الإقليمية، توصّلاً إلى تفاهمات معهما على مستقبل الأوضاع في المنطقة.
ويعتقد القطب السياسي بأن بوش لم يعد قادراً على القيام بأي عمل عسكري جديد، بعدما بدأ نجم إدارته يميل نحو الأفول أمام «الزحف الديموقراطي» القوي إلى البيت الأبيض.
لذا فإنه يعمل حالياً على تغطية العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة، مراهناً على إلحاق هزيمة بحركة «حماس»، وهو الذي يمنّّّّّّّّي النفس بـ«نصر» ينعش حزبه الجمهوري الذي يعاني أزمة وجود، تماماً كالأزمة التي تعيشها إسرائيل، والتي تتفاقم كلما سفكت المزيد من دماء أطفال غزة ونسائها وشيوخها.
على أن هذا القطب السياسي يقول إنه على رغم معارضة «الديموقراطيين» لسياسة بوش الحربية، فإن هناك مخاوف حقيقية من احتمال أن يكون العدوان الإسرائيلي الجديد على قطاع غزة، توطئة لعدوان على لبنان تكراراً لما حصل عام 2006، حيث كان عدوان على غزة، تلاه العدوان على لبنان. إذ ليس هناك ما يمنع بوش من أن يحرّض على هذه الحرب ليورط «الديموقراطيين»، ويضعهم أمام أمر واقع يعتقد أنه سيكون في مصلحة مرشحه الجمهوري جون ماكين في الانتخابات الرئاسية الأميركية تحت شعار «محاربة الإرهاب».