دمشق | عند الساعة السابعة صباحاً، فتحت مراكز الاقتراع السورية أبوابها لاستقبال المشاركين في الانتخابات المحلية لتغلقها في العاشرة ليلاً. لكن الإقبال على الانتخابات التي تجري وفق قانون الانتخاب الجديد الهادف إلى تعزيز مبدأ اللامركزية، كان متفاوتاً بين متوسِّط وغائب تماماً، وذلك تماشياً مع «إضراب الكرامة» الذي بدأ أول من أمس بدعوة من المعارضة السورية على اختلاف توجهاتها. غير أنّ ذلك لم يمنع الإعلام الرسمي من التأكيد أن نسبة المشاركة ظلّت مرتفعة. وكان لافتاً أنّ هذا الإعلام الرسمي أعلن حالة الاستنفار القصوى لتغطية العملية الانتخابية، ولإثبات «فشل الإضراب» على حد تعبيره، بدليل أن أكثر من 42 ألف مرشح يتنافسون على 17 ألف مقعد.
هكذا انتشرت كاميرات التلفزيون الرسمي لنقل مشاركة الناس في بعض الأحياء الدمشقية الهادئة نسبياً، معزِّزةً إيّاها بحضور عدد من المسؤولين الحكوميين، يتقدمهم رئيس الوزراء عادل سفر ووزيرا الإعلام والإدارة المحلية. وقال وزير الإعلام عدنان محمود إن تنظيم الانتخابات البلدية «يثبت تصميم السلطات على إجراء إصلاحات سياسية وفق برامجها الزمنية المحددة».
في المقابل، أوضح رئيس الحكومة عادل سفر، أن هذه الانتخابات «أتت ضمن قانون جديد للانتخابات أتاح الفرصة للانتخاب بكل حرية وديموقراطية من خلال الإشراف الكامل للقضاء من دون تدخل السلطة التنفيذية وبلا قوائم لإتاحة الفرصة أمام جميع المواطنين وتحقيق مشاركة واسعة».
أما رئيس اللجنة العليا للانتخابات، المستشار خلف العزاوي، فقد طمأن بدوره إلى أن الانتخابات «تجري بيسر وارتياح وإقبال وفق الشروط والمواصفات القانونية» على ما نقلت عنه وكالة «سانا».
لكن بعيداً عن التصريحات السياسية، ظلّت الأجواء العامة غير متحمّسة للمشاركة في الاقتراع، وخاصة في الريف الذي استمر في إضرابه لليوم الثاني على التوالي، وكذلك الأمر في بعض المحافظات؛ فبينما شهدت حلب وأحياء من دمشق وطرطوس والسويداء والرقة وبعض أحياء اللاذقية مشاركة مقبولة، بدت حمص وحماه وإدلب ودرعا وريف دمشق كأنها في كوكب آخر، لتصل نسبة المشاركة بحسب ناشطين معارضين في حمص مثلاً إلى الصفر، رغم انتشار المراكز الانتخابية في كافة المناطق. كذلك بدا لافتاً أن صوت الرصاص في المناطق المتوترة قد خفت تزامناً مع اليوم الانتخابي مع انتشار أمني كثيف حتى في المناطق الهادئة، كما في بعض الأحياء الدمشقية. وقد عمد بعض المرشحين إلى تجييش عائلاتهم للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي الأول الذي يجري منذ بدء الأزمة السورية، وسط غياب المقترعين. وقالت هناء، وهي مدرِّسة مشرفة على أحد صناديق الاقتراع في دمشق، إنه «رغم التسهيلات الكبيرة التي قدمت لإنجاح العملية الانتخابية، بقي حجم المشاركة عادياً ولا يمكن مقارنته بآخر دورة انتخابية، سواء أكانت من مجلس الشعب أم الإدارة المحلية». وتعرب هناء عن اعتقادها بأن السبب يعود لقلّة اهتمام الناس بالأصل بالانتخابات البلدية، إضافة إلى اهتمام المواطنين بتوفير احتياجات منازلهم من المازوت والغاز في ظل النقص الشديد الذي يصيب البلاد.
أمّا في حرستا بريف دمشق، وبحسب ناشطين تحدثوا لـ«الأخبار»، فإنّ الإضراب شمل كافة الأحياء، وهو ما انسحب على دوما التي شهدت إقفال الأسواق والمحال وغياب التلاميذ عن مدارسهم، مع تسجيل حضور قوي للأمن. وتفيد شهادات معارضين بأن رجال أمن قاموا بكسر العديد من الأقفال وفتحوا المحال في عدد من المناطق، حتى إنّ البعض اتهم هؤلاء بسرقة محتويات محال تجارية. وقد ارتبطت التطورات الأمنية ليوم أمس، بالاستحقاق الانتخابي، مع اتهام الإعلام الرسمي «العصابات الإرهابية المسلحة» بارتكاب جرائم وسرقة صناديق اقتراع لعرقلة الاستحقاق الانتخابي، في مقابل ردّ التهمة من قبل المعارضين للأجهزة الحكومية بمواصلة القمع والعنف والقتل. على سبيل المثال، جاء في بيان لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارِض، أن السلطات «أجبرت عشرات المواطنين بالذهاب إلى مراكز الانتخاب للمشاركة في الانتخابات المحلية» في محافظة إدلب، التي كانت تشهد، مع درعا، اشتباكات منذ الفجر بين الجيش النظامي ومجموعات منشقة عنه، بحسب «المرصد»، إضافة إلى مقتل أربعة مدنيين برصاص قوى الأمن في حمص وثلاثة آخرين في إدلب وفق المصدر نفسه. على الجهة المقابلة، سجّلت وكالة «سانا» «محاولات من المجموعات المسلحة للتأثير على سير الانتخابات، إذ استهدفت مجموعة إرهابية قوات حفظ النظام في منطقة سحم الجولان بمحافظة درعا ما أدى إلى استشهاد ثلاثة عناصر».
أما بالنسبة إلى المعارضين، فبدت أولويتهم بإنجاح «إضراب الكرامة» بما أن مقاطعة الانتخابات هي أحد أبرز أوجهه. حتّى «تيار بناء الدولة السورية» الذي يقوده لؤي حسين قاطع انتخابات يوم أمس. أمّا بالنسبة إلى الإضراب، فيشير أحد الناشطين في دمشق إلى أن اليومين الأوليين شهدا نجاحاً كبيراً وخاصة في ريف دمشق وكثير من أحياء العاصمة، «وللمرة الأولى انضمت أحياء كبرى في حلب، ما يعطي الإضراب دفعاً كبيراً، فيما عكس سلوك النظام خوفاً شديداً من انتشار رقعة الإضراب، وتجلى ذلك من حملات الرسائل النصية التي انتشرت على هواتف السكان والتي دعت إلى عدم الإغلاق وبناء البلاد من الأحد إلى الأحد». حتى الإعلام الرسمي اعترف بنجاح الإضراب «من حيث لا يدري»، وذلك عندما حصر وجود مندوبيه في المناطق التي تشهد دعماً كبيراً للنظام، وغابت عدساته عن أي مكان يشهد إقفالاً للمحال. أكثر من ذلك، فقد دعت إحدى الإذاعات إلى فصل أي موظف حكومي يشارك في الإضراب، واصفة إياهم بـ«التافهين».