أطلق الرئيس الأسبق لمجلس النواب العراقي، محمود المشهداني، حزمة أسرار سياسية جديدة من الوزن الثقيل. لكنها، رغم ثقلها وحساسيتها ودلالتها، فشلت في أنْ تحرك المشهد السياسي العراقي، أو أنْ تؤثر فيه تأثيراً كبيراً. ربما لأنه يعجّ أصلاً بالكثير من الفضائح والأسرار، ومع ذلك فهنا وقفة عند بعض تلك «الأسرار» ودلالاتها المهمة.عُرِفَ المشهداني بكونه الشخصية السياسية العراقية الأكثر إثارة للجدل، وصاحب المواقف اللافتة والتصريحات اللاذعة وردود الفعل غير المتوقعة. المشهداني، منذ بروزه في ما سمّي العملية السياسية التي أطلقها الاحتلال الأميركي بعد غزوه للعراق، صار له أصدقاء ومريدون، قد لا يقلّون عن أعدائه.
في لقاء صحافي نشر أخيراً، أطلق المشهداني حزمة من «أسراره» السياسية الثقيلة نجملها في الآتي: ذكر أنه «قبل يوم من التصويت على الاتفاقية الأمنية مع الاحتلال الأميركي سنة 2008، كان عدد النواب الرافضين لها 200 نائب من مجموع 250، ولكن في يوم التصويت صوّتوا عليها بالإجماع»، وعن تلك الأجواء، يخبرنا المشهداني أن الرئيس الأميركي بوش الابن كان قلقاً من نتائج التصويت على الاتفاقية الأمنية، «فاتصل بي وسألني هل أنت عدوّ أم صديق؟ فكان ردّي «between». وفسَّر المشهداني الكلمةَ بأنها تعني أنه «عدو وصديق».
عن حركة الوفاق «بقيادة علاوي»، قال المشهداني إنها «ليست سوى تنظيم سعودي». أما عن الممهدات التي أدّت إلى تأليف حكومة المالكي الحالية، فيخبر «ذهبتُ إلى إيران وحملتُ مقترحاً معي هو أن يكون علاوي لرئاسة الجمهورية والمالكي رئيساً للوزراء والهاشمي رئيساً للبرلمان، الإيرانيون قبلوا بذلك». السرُّ الأهمُّ قد يكون في قوله «كانت هناك وثيقة اتفاق سرية من إحدى وعشرين فقرة بين الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» وجبهة التوافق. القيادي السابق في التوافق، النائب المستقل حالياً حسين الفلوجي، هو من أفشى أهمَّ سرٍّ في هذه الاتفاقية، وهو أنّ الأميركيين أبلغوا السُنّة العرب أنه في حال عدم موافقة الشيعة على الاتفاقية «الأمنية» فإن رئاسة الوزراء سوف تسحب منهم».
ولم تَسْلَم قيادات الحزب الإسلامي من لسان المشهداني، إذ وصفها بأنها «عميلة وجميعها من الخارج». وعن النائب السابق الذي رفعت عنه الحصانة لاتهامه بالفساد، مشعان الجبوري، قال المشهداني إنّ هذا الشخص «سرق أموال وزارة الدفاع وهرب إلى سوريا، وبعد ذلك جاءني متوسلاً في سبيل تدخّلي الشخصي، فقلت له عليك أن تعيد الأموال التي سرقتها كي أتوسّط لك».
ويرى محللون عراقيون أنه لا أحد في العراق يتساءل الآن عن مقدار صدقية هذه «الأسرار» وصحتها. فالواقع السياسي والاقتصادي والأمني العراقي في غاية التحلل والسيولة، وهو يضجّ بالكثير منها، وبما هو أكبر منها. وإذا كان البعض يفسر إمكان تصديق كل ما يقال بسيادة عقلية المؤامرة، أو بحبِّ الجمهور للشائعات والمبالغات، فإن محللين كُثراً يرجعون هذه الظاهرة إلى أسباب تتعلق بطبيعة الحكم العراقي القائم على أساس الوصفة السياسية التي جاء بها الاحتلال، والتي يختصرها عنوان «المحاصصة الطائفية والعرقية»، وبمستويات الفساد المخيفة فيه.
ولعل أهم «الأسرار» التي طرحها المشهداني هو ذاك المتعلق بما قيل إنه «وثيقة اتفاق سرية» بين الاستخبارات المركزية الأميركية و«جبهة التوافق» التي اعتبرت آنذاك الممثل الأبرز والأشمل لجماهير العرب السنّة في غرب العراق وشماله. فهذه الوثيقة التي قيل عنها الكثير، هي كما يعتقد مراقبون واحدة من عدة وثائق واتفاقات سرية برمجت العلاقة التحالفية بين المحتلين وزاعمي تمثيل الطوائف والأعراق والإثنيات العراقية.