تقول مصادر لصيقة بما يجري في الكواليس العراقية في شأن التمديد للقوات الأميركية إن «جميع من في العراق، باستثناء التيار الصدري، موافقون منذ البداية على مبدأ التمديد، لكن لا أحد منهم يصرح بذلك، وخاصة أن آلية هذا التمديد وطبيعته لم تكونا واضحتين». وتضيف أن «الخطوة الأولى كانت تأليف لجنة من الخبراء العسكريين للنظر في مدى الحاجة إلى خطوة كهذه، واتُّفق على أن يطرح هذا الأمر على نقاش وطني يُبتّ في البرلمان»، مشيرة إلى أن «تقرير لجنة الخبراء أفاد بأن العراق، بما يمتلكه من قوات مسلحة، قادر على ضبط الأمن على كل أراضيه، لكن مشكلته في عدم امتلاكه سلاح جو يخوّله الدفاع عن سمائه، ومن هنا الحاجة إلى القوات الأميركية». وتتابع «فجأة انتشرت مخاوف في العراق من عزم الكويت على بناء مرفأ المبارك الكبير في نقطة الوسط بين البلدين، ما سيحرم بغداد من مرفأ على البحر». ولعل النائب عن التحالف الوطني طالب شاكر الجعفري كان الأدق تعبيراً عمّا يجري بقوله إنه «في حال إنشاء الميناء فوق نقطة التالوك الموجودة في منتصف البحر، فهذه مشكلة كبيرة، لكون النصف الثاني من البحر مياهاً ضحلة لا يمكن الإبحار عبرها». اللافت أن الجميع ربط جرأة الكويت على الإقدام على مشروع كهذا بتحريض أميركي هدفه الضغط على بغداد للعمل على التمديد للقوات. على الأقل هذا ما روّج له دعاة التمديد. طبعاً، لمّا تبيّن استحالة إمرار خطوة التمديد تلك، في ظل رفض إقليمي تتصدره إيران، وداخلي يقوده التيار الصدري الذي هدّد بإسقاط الحكومة إذا أبحرت في مغامرة كهذه، سعى الأميركيون ومعهم حلفاؤهم داخل العراق إلى إيجاد صيغة التفافية. وتقول المصادر «قال الأميركيون إن لديهم سفارة هي الأكبر في العالم بـ16 ألف موظف وميزانية يعتزمون رفعها في 2012 إلى 6.2 مليارات دولار، وما لا يقل عن 14 ممثلية في العراق، وهذه الأماكن بحاجة إلى وحدات عسكرية لحمايتها، وهذه الأخيرة بحاجة بدورها إلى وحدات دعم لوجستي واستخباري، فضلاً عن المدربين الذين سيبقون لتدريب الجيش العراقي، مع عرض أن يبلغ عددهم 10 آلاف مدرب. يعني حوالى 50 ألف جندي، هو في الأصل كل العدد الذي يطلبون تمديد وجوده في العراق».
لكن هذه الصيغة لم تجد قدرة على تسويقها في الداخل والخارج، فكانت «المؤامرة ـــــ المخرج». وتقول المصادر «نجح الأميركيون، على ما يبدو، في إعادة اللحمة إلى القائمة العراقية بزعامة إياد علّاوي، بل أردفوها بمزيد من النواب مثل جواد البولاني، ما جعل أعضاءها يلامس الـ94 عضواً». وتضيف «هذه القائمة يحكمها حقد علّاوي بسبب الكف الموجع الذي تلقّاه في فترة ما بعد الانتخابات الأخيرة، وتخلّي سوريا عنه لمصلحة المالكي»، مشيرة إلى أن «هذه القائمة اتفقت مع (نائب الرئيس الأميركي جوزف) بايدن على ما يبدو على أن يحصل السنّة على إقليم خاص بهم غرب العراق، على شاكلة إقليم كردستان، و17 في المئة من قيمة الإنتاج القومي من النفط، وأن يعاد الاعتبار لعلّاوي الذي سيتحول في بغداد إلى حالة شبيهة بجلال طالباني، في مقابل أن يتحول أسامة النجيفي أو صالح المطلق في الأنبار إلى حالة شبيهة بمسعود البرزاني، وذلك في مقابل التمديد للقوات الأميركية حتى عام 2016». بل يتحدث البعض عن محادثات تستهدف ضم كركوك إلى الإقليم السنّي الفقير بالثروة النفطية، في مقابل ضم ديالى إلى كردستان العراق». وبما أن الاتفاقية الأمنية الحالية لا تنص على إمكان التمديد، فإن الأميركيين يصرّون على أن يحصل ذلك عبر اتفاقية جديدة تبرم بطلب من السلطات العراقية التي عليها أن تتعهد بموجبها بأن تتحمل مصاريف وتكاليف بقاء هذه القوات في بلاد الرافدين.
«الأنكى»، تقول المصادر نفسها، أن «هذا الحراك جعل بعض الشيعة من ضعفاء النفوس، وخاصة في حزب الدعوة ويتقدمه نوري المالكي الذي لا يمانع القيام بأي شيء ما دام جالساً على الكرسي، يستعيدون أحلام الإقليم الشيعي الجنوبي، الذي كان ينادي به الراحل عبد العزيز الحكيم. الأطراف الثلاثة المعنيون بهذه الصفقة، الأميركيون والسنّة والأكراد، يحاولون إغراء الشيعة بهذا الإقليم لتحقيق غايتهم، والمصيبة أن تياراً بدأ يتكوّن لدى الأوساط الحوزوية التقليدية يقول بما أن الجميع ذاهبون في هذا الاتجاه فليكن». وتضيف أن «المجلس الأعلى وضع نفسه على قائمة الانتظار، محتاراً بأمر نفسه، وعاجزاً عن الإتيان بأي حركة، بعدما اصطدمت جميع رهاناته السابقة بطرق مسدودة تركته يرثي لحاله». وتتابع «وحدهم الصدريون من يقفون بالمرصاد لهذا المشروع الذي يعتبرونه مشروعاً استعمارياً يستهدف تمزيق العراق. وكل حراكهم في الآونة الأخيرة يصبّ في هذا الاتجاه، وآخره قرار السيد مقتدى الصدر لأنصاره بمقاطعة العراقيين العاملين مع الأميركيين».
مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران تؤكد أن «الإيرانيين قلقون جداً، ويحاولون الضغط بكل ما يمتلكون من وسائل سياسية ودبلوماسية وأمنية وعسكرية، لإفشال هذا المشروع الذي لا يمكن رؤيته إلا من زاوية أنه جزء من خطة إقليمية لتمزيق المنطقة»، مشيرة إلى أن «عمليات حزب الله العراق وعصائب أهل الحق الأخيرة ليست سوى أحد تجليات مقاومة هذا المشروع الذي تكمن خطورته في حقيقة أن حدود الإقليم السنّي تطال تركيا وسوريا والأردن والسعودية وتحاذي النجف وكربلاء، وفي أنه استكمال للاستحقاق السلفي في الهجوم على المنطقة لتطويق المشروع النووي الإيراني ومحاصرة محور المقاومة والعمل على تمزيقه».



طهران وبغداد و«آلام الماضي»

تعهّد العراق وإيران أمس بـ«نسيان آلام الماضي» وإعادة العلاقات بينهما إلى مستواها الطبيعي من خلال توقيع ست اتفاقيات تعاون، خلال زيارة وفد ترأسه محمد رضا رحيمي، النائب الأول للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
وقال رحيمي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، «أعلن صراحة أننا قد نسينا كل آلام الماضي التي سادت سماء البلدين، وقلوب الإيرانيين كلها مع العراق، وكل ما يحبّ الإيرانيون موجود على أرض العراق»، مؤكداً استعداد إيران لـ«توفير الأمن في العراق»، مع «دعمنا الكامل ووقوفنا إلى جانب حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي». أما المالكي، فقد أكد أن «العلاقات تعود إلى طبيعتها بعد عقود من المأساة والعلاقات المتشنّجة، بسبب ما خاضه النظام البائد من حرب بين شعبين جارين». وأضاف أن «الزيارة تدل على رغبة أكيدة من إيران والعراق في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، لما في ذلك من أهمية ونفع لمصالح الدولتين وشعبيهما».
(أ ف ب)