المنامة | لم تخرج قوات «درع الجزيرة» من البحرين كما دخلتها. طبّل الإعلام الرسمي بقوّة مع دخول طلائع هذه القوّات منتصف آذار الماضي، فيما شُغل إعلام المعارضة بدق نواقيس الخطر. أما الانسحاب، فلم يواكبه الإعلام الرسمي. وحدها أفواج المعارضة قامت بالتصوير والنشر والتوزيع، فهي ترى بذلك نصراً وتنازلاً من السلطة.
خطوة تأتي قبل أيام من انطلاق عجلة الحوار الوطني، الذي لم تعلن بعد أكبر جمعية معارضة «الوفاق» إن كانت ستشارك فيه، رغم تسلمها دعوة للحوار. وقد أفادت تسريبات بأن جهوداً حثيثة تُبذل من سفارات الدول الكبرى لإيجاد تسوية بين السلطة والمعارضة، تشمل أبرز النقاط التي تطالب بها المعارضة.
على استحياء، بدأ الموالون للحكم بالترويج لخبر بدء انسحاب قوات «درع الجزيرة» على مواقع التواصل الاجتماعي، مذيّلين الخبر باحتشاد الأهالي لشكر القوات التي دافعت عن الوطن ضدّ التدخلات والتهديدات الإيرانية. تتحدث مصادر مطلعة عن أنّ الأمر جرى بعد التقدّم الذي روّج له الأتراك في رسالة رئيس حكومتهم رجب طيب أردوغان لآية الله علي السيستاني في العراق. تقدّم يرتكز على نقطةٍ مهمّة، هي استعادة ملك البحرين للقرار السياسي وانكفاء رئيس الوزراء إلى الظل، بعد مباركة ودعمٍ سعوديين للملك على حساب رئيس الوزراء عكس ما حصل مع دخول قوات «درع الجزيرة».
ومع استعادة الملك للقرار، جرى تطوّر ملحوظ في توصل عواصم القرار إلى تسوية لم يُعرف بعد موقف المعارضة منها، تقضي بإطلاق سراح المعتقلين وإرجاع المفصولين، وزيادة صلاحيات المجلس النيابي المنتخب، وتعديل للدوائر الانتخابية يفضي إلى رئاسة المعارضة للبرلمان، وتقليص أعضاء مجلس الشورى (المعيّن من الملك) وصلاحياته، إضافة إلى استبدال وزراء التأزيم، وفي مقدّمتهم وزيرا الدفاع والداخلية، بوجوه أقل استفزازاً للمعارضة، مع إمكانية إشراك المعارضة في الحكومة المقبلة. ويُفترض أن تؤدي التسوية إلى تحسين الوضع المعيشي والخدماتي للمواطنين، وخصوصاً الشيعة.
وهكذا بدأت تتوالى الأخبار بين السفارات، التي بدأت بإجراء زيارات لمسؤولين في المعارضة والسلطة، عن اقتراب إجراء تعديل وزاري كبير سيشمل الوزارات السيادية. لتبدأ بعدها الصحف الموالية للسلطة، وبالأخص القريبة من الديوان الملكي نشر هذه الأخبار على صفحاتها. وتحدث سفير إحدى الدول الساعية إلى إيجاد حلّ لـ«الأخبار» عن توقّع الإفراج عن المعتقلين الخميس المقبل، وقد يصاحب القرار الملكي قرار ثانٍ بإعادة المفصولين من عملهم إلى وظائفهم، وثالث بإجراء تعديل وزاري، سيدفع المعارضة المتمنّعة، لكن الراغبة في الوقت نفسه، إلى دخول الحوار.
لهذا، أعلن رئيس مجلس النواب، خليفة الظهراني، المكلف ترؤس طاولة الحوار، أهم المرئيات التي تسلمها، حيث كان ملحوظاً إبرازه للنقاط السبع التي تطالب بها المعارضة وأعلنها سابقاً ولي العهد حين كُلف مع اندلاع الانتفاضة مهمة الحوار الوطني. ويقول أحد قياديي المعارضة إن الاتصالات الجارية ليست بالقليلة، وقد تكون هي الحوار الفعلي والجدّي، مؤكّداً أنّها قد تُفضي إلى اتفاق، ما يعني أنّ المعارضة ستدخل حوار الظهراني لأخذ الصورة التذكارية والتوقيع لاحقاً على بيان أعدّته باتفاقها مع الحكم من تحت الطاولة.
ويضيف أن استقبال الملك لرئيس مجلس الأعيان الأردني طاهر المصري ليس ذا طابع بروتوكولي. فقد رأس المصري لجنة الحوار التي ألفها ملك الأردن عبد الله الثاني، فيما امتنعت قوى المعارضة الأردنية عن المشاركة في الحوار، الذي انتهى برفع توصيات تعطي مجلس النواب الأردني الحق في اختيار رئيس الوزراء. وأعقب ذلك قبول الملك الأردني بنتائج الحوار، وتعهّده كضامن لتنفيذ هذه الإصلاحات. وهكذا ترى المعارضة أن ملك البحرين يريد استنساخ التجربة الأردنية بنأي العائلة عن الحوار لتعود وتكون هي الضامن لنتائج الحوار كطرف محايد بين الأطراف الموالية والمعارضة في البحرين.
وبالنسبة إلى استمرار مسلسل الفصل والعقاب الجماعي لأكثر من 2050 موظفاً وموظفة، حسب آخر إحصاءات الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وإعادة إرسال الإحضاريات بمثول من أُفرج عنهم أمام القضاء العسكري من جديد، فإن المعارضة تضعها في خانة الضغط عليها لدخول الحوار. ويؤكّد مصدر معارض أنّ «المشكلة الحقيقية اليوم هي في وجود رؤيتين مختلفتين: أولى تتبناها المعارضة وتقول بضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين وإعادة المفصولين لتهيئة أرضية الحوار، وثانية تتبنّاها السلطة تدعو المعارضة إلى دخول الحوار، على أن يكون إطلاق سراح المعتقلين وإعادة المفصولين نتيجة من نتائج الحوار الذي سيستمر لمدة شهر واحد فقط».
وبين الرؤيتين تبدو رؤية المعارضة أقرب إلى التطبيق، نظراً إلى الضغط الدولي الذي تعرضت له المنامة بعد الحكم على قيادات المعارضة المعتقلة وبعض الحقوقيين والصحافيين. ومع كل هذه الرسائل الإيجابية، قامت السلطة بخطوة استفزازية تمثلت بإعلانها أحد الوجوه المشاركة في الحوار، وهو العقيد عادل فليفل، المطلوب من الإنتربول الدولي ويو اجه العديد من التهم في بعض الدول الأوروبية. ويمثّل فليفل رمزاً من رموز الحقبة التسعينية، أحد أشهر المتهمين بتعذيب المعارضين في البحرين أواخر القرن الماضي. وتؤكّد المعارضة أن مشاركة شخص كعادل فليفل في الحوار الوطني قد يضعها في موقف محرج يضطرها إلى مقاطعة الحوار، حيث لا يمكنها أن تجلس مع هذا الشخص على طاولة واحدة، متمنيةً على السلطة استبدال هذا الوجه الاستفزازي الذي يثير غضب الشارع.