القاهرة | هذا انتصار جديد للثورة المصرية، وحكم يؤكد أن النظام السابق سعى جاهداً إلى إفشال أعظم ثورة في تاريخ المصريين بشتى الطرق، وذلك عندما ألزمت محكمة القضاء الإداري كلاً من الرئيس المخلوع حسني مبارك ورئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، بسداد 540 مليون جنيه لخزينة الدولة من مالهم الخاص، وذلك عن الأضرار التي سبّبوها في قطاع الاتصالات بـ«خطئهم» الشخصي في إصدار قرار قطع الاتصالات وخدمات الإنترنت عن المصريين أثناء ثورة 25 يناير. يضاف إلى هذا الحكم ما أعلن منذ أيام عن إحالة الرئيس المخلوع ونجليه علاء وجمال إلى محكمة الجنايات بتهمة التحريض على قتل ثوار في ميدان التحرير، في ما يعرف بموقعة الجمل. وقد أثار قرار إحالة الرئيس السابق إلى الجنايات كثيراً من الجدل عن توقيت قرار الإحالة الذي جاء قبل أيام من إعلان «جمعة الغضب ثانية» التي ندّدت بتباطؤ قرارات المجلس العسكري الخاصة بمحاكمة الرئيس المخلوع ورموز نظام مبارك. ولم يحدد النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، مكان المحاكمة، وهل ستكون في القاهرة أم في شرم الشيخ مقر إقامة مبارك؟ ومنذ الإعلان حتى الآن، لم يوضح النائب العام ولا وزارة العدل هل سيمثل الرئيس السابق ونجلاه أمام المحكمة أم تجري محاكمتهم غيابياً، خوفاً من الغضب الشعبي في حال وجودهم في محكمة معينة؟ وقد أصدرت محكمة القضاء الإداري قرارها بإلزام مبارك بدفع 200 مليون جنيه، والعادلي 300 مليون جنيه، وأحمد نظيف 40 مليون جنيه، وذلك للأضرار التي سبّبوها لقطاع الاتصالات، والتي أدّت إلى خسائر تكبّدتها شركات الاتصالات. المستندات حمّلت مسؤولية قطع الاتصالات لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وذكرت أنه بتاريخ الخميس 20 يناير 2011، جرى تأليف لجنة وزارية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، وعضوية المشير طنطاوي عن وزارة الدفاع، وحبيب العادلي عن الداخلية، وأحمد أبو الغيط عن الخارجية، وأنس الفقي عن الإعلام، وطارق كامل عن الاتصالات، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات العامة عمر سليمان، وعرضت تلك اللجنة الخطة الأمنية، بما فيها الإجراءات المطلوب اتباعها بالنسبة إلى شبكات الاتصالات أثناء التظاهرات المحدّد لها 25 يناير. وعلى أثر هذا الاجتماع، أُنشئت غرف عمليات تعمل على مدار اليوم لمتابعة الأحداث واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها طبقاً للمادة 67 من قانون تنظيم الاتصالات. لكن بعيداً عن الحكم الذى اعتبره الكثيرون تاريخياً، تقفز عده أسئلة أهمها: إذا كانت تلك التعويضات ستذهب إلى خزينة الدولة، فمن سيدفع التعويضات للمواطنين؟ في الوقت نفسه، سيكون من حق شركات المحمول الثلاث أن تطلب تعويضات لتكبّدها خسائر فادحة.
ويعدّ الحكم مكسباً للشركات الثلاث. فهو دليل قوي على غسل سمعتها السيّئة التي تعرضت لها خلال أحداث الثورة، وقد يمنع البعض من المضي قدماً في مقاضاتها، والسبب ببساطة أنها استغلت ثغرة قانونية ونفّذت نص القانون 10 لسنة 2003، والمادة 67 منه التي تقضي بمنح السلطات في البلاد الحق في إدارة شركات المحمول، وهو القرار الذي اتخذته غرفة العمليات الممثلة في الوزارات السيادية، حسبما جاء في الحكم، وكانت غرفة العمليات ترسل التعليمات شفهياً إلى الشركات التي تملك تسجيلات صوتية بتلك الأوامر. والغريب في الأمر أن تعديلات القانون المطروحة حالياً لمناقشتها مجتمعياً تعطي الحق أيضاً لرئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس الوزراء، في قطع الاتصالات من دون تحديد حالات معينة، وتُرك النص فضفاضاً تحت بند تهديد الأمن القومي. الحكم سابقة هي الأولى من نوعها، وسيفتح الباب مستقبلاً على فكرة التعويض المستحق بسبب قطع الاتصالات، وخاصة أن هناك بعض شركات الاتصالات تقطع الخدمة شهوراً من دون وجه حق، مثل المصرية للاتصالات.