في إطار مساعي الاحتواء التي بدأتها السلطات السورية منذ يوم الجمعة الماضي، التقى الرئيس بشار الأسد وفداً من أهالي درعا، في وقت أعلنت فيه أحزاب كردية مبادرة لحل الأزمة في البلاد، فيما مدّدت وزارة الداخلية المهلة التي كانت قد طالبت خلالها المتورطين في أعمال العنف بتسليم أنفسهمواصل الرئيس السوري بشار الأسد لقاءاته مع وفود من المحافظات، وكان الدور أمس على محافظة درعا، وذلك للمرة الثانية خلال شهر، وسط أنباء عن العثور على «مقبرة جماعية» في المدينة، في وقت أعلنت فيه أحزاب كردية إطلاق مبادرة لحل الأزمة في البلاد.
وبحث الرئيس السوري، أمس، مع وفد من أهالي محافظة درعا الأحداث التي شهدتها المدينة وريفها، والتعاون بين الأهالي والجيش، والإصلاحات المزمعة.
وقالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن الحديث «تناول الأحداث التي شهدتها درعا والأجواء الإيجابية السائدة حالياً هناك نتيجة التعاون بين الأهالي والجيش، والخطوات الإصلاحية الجارية في البلاد وآفاقها». وأعرب أعضاء الوفد عن «تقديرهم لتضحيات الجيش والجهود التي قام بها بالتعاون مع الأهالي والسلطات المحلية لتوفير مستلزمات الحياة اليومية وحاجات الناس، خلال هذه الفترة، وإعادة الأمن والأمان إلى درعا».
في هذا الوقت، نقلت وكالة «فرانس برس» عن رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان، عمار قربي، قوله: «اكتشف الأهالي أمس وجود مقبرة جماعية في درعا البلد». وأضاف أن السلطات السورية «سارعت إلى تطويق المكان ومنع الناس من أخذ الجثث، بعد وعدهم بتسليم عدد منها».
وأعلنت المنظمة، في بيان أصدرته أمس نقلاً عن بعض السكان في بلدتي انخل وجاسم المجاورتين لدرعا، «أن السلطات السورية نفذت مجزرتين مروعتين بحق السكان هناك». وأورد البيان لائحة بأسماء 13 قتيلاً في جاسم و21 قتيلاً في انخل، قالت المنظمة إنهم قتلوا «خلال الخمسة أيام السابقة». وأعربت المنظمة عن تخوّفها «من وجود عشرات آخرين ما زالت جثامينهم منتشرة في حقول القمح وبين الأشجار، حيث لم يستطع الأهالي حتى الآن الوصول إليهم بسبب الطوق الأمني حول المنطقة وانتشار القناصة في المكان».
وفي تلكلخ، قال مصدر عسكري سوري إن وحدات الجيش والقوى الأمنية أوقفت، خلال ملاحقتها المجموعات الإجرامية المسلحة، عدداً من المطلوبين الذين «روّعوا المواطنين» وضبطت كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والبزات العسكرية التي كانوا يستخدمونها. وأضاف أن حصيلة المواجهة كانت «خمسة عشر جريحاً من الجيش والقوى الأمنية وعدداً من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الإجرامية المسلحة».
في المقابل، قال ناشط حقوقي لوكالة «فرانس برس»، رفض الكشف عن اسمه، إن حصيلة العملية العسكرية للجيش في المدينة «ارتفعت إلى عشرة قتلى»، بعدما كان ناشط حقوقي قد أعلن، نقلاً عن شهود عيان، أن «سبعة أشخاص على الأقل بينهم امرأتان قتلوا الأحد، بعد أن اقتحم الجيش السوري مدينة تلكلخ».
من جهتها، أفادت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) بأنه جرى الاثنين تشييع «جثامين 3 شهداء من الجيش استشهدوا برصاص المجموعات الإرهابية المتطرفة، في منطقة تلكلخ بحمص (الأحد)، إلى مدنهم وقراهم».
وبيّنت وزارة الداخلية أن عدد الذين سلّموا أنفسهم من المتورطين في أعمال شغب وصل حتى مساء أمس إلى 8881 شخصاً في مختلف المحافظات، أُفرج عنهم بعد تعهدهم بعدم تكرار أي عمل يسيء إلى أمن الوطن والمواطن. وذكر مصدر مسؤول في وزارة الداخلية أن العديد من المتورطين في أعمال شغب يواصلون الحضور إلى مراكز الشرطة والأمن، بعدما مدّدت الوزارة، أول من أمس، المهلة الممنوحة لإعفائهم من التبعات القانونية، وعدم ملاحقتهم إذا سلّموا أنفسهم إلى السلطات المختصة لغاية الثاني والعشرين من الشهر الجاري.
وفي بانياس، تحدث ناشط إلى وكالة «فرانس برس» عن «وجود نقص في المواد الغذائية في مدينة بانياس الساحلية (غرب)، وخاصة الخبز، والأدوية»، لافتاً إلى «إغلاق معظم المحال التجارية». وتابع أن «عناصر الجيش يمنعون التنقّل بين الأحياء».
من جهة ثانية، أفاد رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، وكالة «فرانس برس»، بأن «السلطات السورية أطلقت سراح مئات المعتقلين، بعدما وقّعوا على تعهّد بعدم التظاهر». كذلك أعلن رئيس المركز السوري للدفاع عن المعتقلين وحرية التعبير المحامي خليل معتوق، للوكالة نفسها، أن «قاضي التحقيق الثاني في دمشق أصدر قراراً بترك الناشطة دانا الجوابرة وإطلاق سراحها مباشرة بدون كفالة».
على صعيد آخر، أصدرت أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا بياناً أعلنت فيه مبادرة لحل الأزمة التي تشهدها البلاد، داعية إلى «حوار وطني شامل وجاد» بين مجمل المكونات الوطنية. ورأى البيان أن «النهوض الجماهيري السلمي الذي بدأ في سوريا (...) هو حراك وطني جماهيري واسع يدعو إلى إحداث تغيير ديموقراطي سلمي وتحقيق إصلاحات جوهرية على كافة الصعد». وأضاف أن هذا الحراك يهدف إلى «إنهاء حالة الاستبداد وحكم الحزب الواحد، وإنهاء احتكار السلطة، وبناء الدولة المدنية الحديثة التي تكفل العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، وتحقيق الشراكة الحقيقية لكل المواطنين في إدارة شؤون البلاد». وأشار إلى أن «عدم استجابة السلطة لمطالب الشعب في تحقيق التحولات الديموقراطية السلمية في البلاد، ومواجهة الحراك الجماهيري الاحتجاجي السلمي بالعنف، أدىا إلى خلق أزمة عميقة باتت تهدد بلدنا سوريا بمخاطر جدية». واقترحت الأحزاب في بيانها «الصيغة المثلى» للخروج من الأزمة الراهنة، وذلك «عبر الحوار الوطني الشامل والجاد بين مجمل المكونات الوطنية». ورأت الأحزاب ضرورة «تجنّب اللجوء إلى استخدام العنف والقتل تحت أي ذريعة كانت، والسماح للاحتجاجات السلمية بالتعبير عن نفسها، وتطبيق المرسوم الرئاسي القاضي برفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية».
ككذلك طالبت بتوجيه «الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني شامل دون هيمنة أي جهة كانت»، يهدف إلى «إقرار صيغة مشروع دستور جديد يلغي الامتياز لأي جهة، سواء كانت حزباً أو قومية، ويتضمن الاعتراف بالتعددية القومية والسياسية واللغوية، ويطرح هذا الدستور على الاستفتاء العام». وطالبت أيضاً «بإقرار قانون جديد للانتخابات المحلية والتشريعية، وآخر لتنظيم عمل الأحزاب السياسية يراعي خصوصيات المجتمع السوري ومكوناته، وإطلاق حرية الإعلام والصحافة واستقلالية القضاء وتعزيز دوره، وحل القضية القومية للشعب الكردي حلاً ديمقراطياً عادلاً في إطار وحدة البلاد».
(سانا، يو بي آي، رويترز، أ ف ب)