القاهرة | ما جرى أمام عدسات المصوّرين لحظة الاحتفال بتوقيع المصالحة الفلسطينية، أمس، يختلف تماماً عمّا حدث قبل ساعات من جلوس الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتدشين الاتفاق التاريخي، إذ رفض أبو مازن جلوس رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل إلى جواره على المنصة، وهو ما سبّب تأجيل التوقيع لمدة ساعتين، وتدخّل المسؤولون في الاستخبارات المصرية لاحتواء الموقف.وبعد مشاورات كثيرة ووساطة، جلس خالد مشعل إلى جوار الأمين العام لحركة «الجهاد» رمضان شلح في الصف الأول للقاعة، فيما جلس عبّاس ووزير الخارجية المصري نبيل العربي ومدير الاستخبارات المصرية مراد موافي على المنصّة.
هذه الصيغة «التوافقيّة» لم تمنع مسؤولي «حماس» من إبداء استيائهم ممّا حدث، مؤكدين أنها محاولة لإفساد اتفاق المصالحة قبل لحظات من توقيعه، ولا سيما أن عبّاس أصرّ على استبعاد مشعل عن المنصة باعتباره «بلا منصب رسمي»، وهو ما رفضه قادة الحركة مؤكدين للمسؤولين المصريين أن مشعل هو الممثّل الرسمي للحركة في هذا الاتفاق.
وفي مستهل كلمته، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس: «إن الفلسطينيين سيطوون إلى الأبد صفحة الانقسام السوداء» التي قال إنها ألحقت «أبلغ الضرر» بالشعب الفلسطيني. وأضاف أن على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «الاختيار بين الاستمرار بالاستيطان أو السلام». كذلك أكد ضرورة أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، وأن تقام له دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس، وذلك خلال هذا العام.
وقال أبو مازن «إننا نرفض دولة فلسطينية بحدود مؤقتة»، كما نرفض التهديدات الإسرائيلية لمنع إجراء المصالحة الفلسطينية التي تعدّ شأناً داخلياً فلسطينياً، مطالباً جميع الفلسطينيين بالتوحّد من أجل إنجاز انتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات للمجلس الوطني في أقل من عام. وأضاف أن الشعب الفلسطيني سيواصل بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية نضاله المشروع من أجل إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 ليس فيها جنديّ إسرائيليّ واحد.
وعمّا قاله نتنياهو من أن على الفلسطينيين أن يختاروا بين إسرائيل أو حماس، قال عباس «إن حماس إخواننا وأبناؤنا، وهم جزء من الشعب الفلسطيني. وأنا أقول له يجب أن يختار هو بين السلام والاستيطان».
بدوره، قال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، إن «حماس» «مستعدة لدفع أي ثمن من أجل المصالحة بين الفلسطينيين»، مشيراً إلى أنها تريد دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس، من دون أي مستوطنات، ومن دون التفريط بأي شبر من الأرض، ومن دون التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
أما رئيس جهاز الاستخبارات المصري فرأى أن توقيع وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني لحظة تاريخية تسجل انتصاراً حقيقياً لإرادة الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن «الشعب الفلسطيني أراد أن يخطو خطوة هائلة لاستعادة وحدته معتصماً بالله، ومعتمداً على إيمانه وأصالته».
ومن المقرر عقب توقيع الاتفاق أن تبدأ المشاورات لتأليف الحكومة بين عباس ومشعل، إلا أن مصادر قالت إن هذا الاجتماع تأخر بسبب ما حدث في الساعات الأولى قبل بدء الاحتفال. ومن المقرر أن تتوجه لجنة عربية برئاسة مصرية إلى الأراضي الفلسطينية من أجل تنفيذ الاتفاق على الأرض وإزالة أي عقبات أمام تنفيذ بنوده، وخصوصاً المتعلقة بالشق الأمني ودمج المؤسسات في الضفة وغزة.
ويقضي الاتفاق بتأليف حكومة تكنوقراط تتولى إدارة الشؤون الداخلية الفلسطينية، وبإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني بعد عام من إعلانه.
وتبقى الملفات السياسية، وخصوصاً عملية السلام، من اختصاص منظمة التحرير. غير أن الاتفاق ينص على تأليف قيادة موحّدة من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأعضائها، إضافة إلى الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية من أجل التشاور في القضايا السياسية، وتأليف حكومة فلسطينية من شخصيات مستقلة. والمهام الرئيسية للحكومة ستشمل الإعداد لانتخابات والتعامل مع القضايا الداخلية الناجمة عن الانقسام الفلسطيني، على أن تلي ذلك إعادة إعمار قطاع غزة ورفع الحصار المفروض على القطاع، وتوحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأجرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون محادثات هاتفية مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلاً على حدة، مساء أول من أمس، بشأن المصالحة الفلسطينية.
وقال المتحدث باسم الخارجية مارك تونر إن كلينتون أثارت خصوصاً مسألة المساعدة الأميركية للسلطة الفلسطينية. ولكنّ مسؤولاً أميركياً، فضّل عدم كشف هويته، قال إن وزيرة الخارجية لم تهدّد بإلغاء المساعدة إذا تمّ الاتفاق بين «فتح» و«حماس».
ورفض تونر التكهن مسبقاً بردّ فعل واشنطن، موضحاً فقط أن الولايات المتحدة «ستقوّم سياستها في ضوء تأليف الحكومة». وذكّر المتحدث أيضاً بالموقف الأميركي «إذا كانت حماس تريد أن تؤدي دوراً في العملية السياسية فعليها نبذ العنف والإرهاب والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود واحترام الاتفاقات الموقّعة».
بدوره، دعا الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى دعم اتفاق المصالحة بين حركتي «حماس» و«فتح»، الذي يسمح لهما بالتنافس في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في غضون عام.
وكتب كارتر في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أنه «إذا دعمت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي هذا الجهد، فيمكنهما مساعدة الديموقراطية الفلسطينية وإرساء الأساس لدولة فلسطينية موحّدة في الضفة الغربية وقطاع غزة يمكن أن تحقّق سلاماً آمناً مع إسرائيل».
وعدّد كارتر الأسباب التي من أجلها يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي دعم الاتفاق: السبب الأول هو أنه يحترم حقوق الشعب الفلسطيني والديموقراطية، مذكّراً بأن حماس فازت عام 2006 في الانتخابات التشريعية، ولكن اللجنة الرباعية، أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا، رفضت النتائج وحجبت المساعدات عن الفلسطينيين، ما أدى إلى انهيار حكومة الوحدة الوطنية.
والسبب الثاني هو أنه «عبر الدعم الدولي يمكن أن يؤدي اتفاق المصالحة إلى وقف دائم لإطلاق النار»، أما السبب الثالث فهو أن «الاتفاق يمكن أن يكون وسيلة للضغط من أجل اتفاق سلام نهائي على أساس الدولتين. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس سيكون قادراً على التفاوض باسم كل الفلسطينيين».
إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، أمس، أن فرنسا تنوي تحويل مؤتمر للبلدان المانحة للدولة الفلسطينية المقبلة مقرر في أواخر حزيران المقبل، إلى «مؤتمر سياسي حقيقي» بشأن إحياء عملية السلام.