فجّر زعيم حزب «العمل»، وزير الدفاع، إيهود باراك، صباح أمس، قنبلة سياسية من العيار الثقيل هزت الحلبة الحزبية في إسرائيل، عندما أعلن في بيان صحافي دراماتيكي شق صفوف حزب العمل وإقامة كتلة حزبية جديدة تحمل اسم «استقلال» تضم، بالإضافة إليه، 4 أعضاء كنيست آخرين انسحبوا من حزب «العمل»، وهم كل من نائبه في وزارة الدفاع متان فلنائي ووزير الزراعة شالوم سمحون وعضوا الكنيست أوريت نوكيد وعينات وولف. وأوضح باراك أنه قدم صباح أمس طلباً رسمياً إلى لجنة الكنيست للاعتراف به وبزملائه الأربعة بصفتهم كتلة مستقلة جديدة في الكنيست، تتحول لاحقاً إلى حزب سيكون حزباً مركزياً وصهيونياً وديموقراطياً. ودعا باراك كل من يؤمن بنهج الكتلة الجديدة إلى الانضمام إليه.
وقال باراك في بيانه: «إننا نقدم اليوم على سلوك طريق جديد ومستقل»، مشيراً إلى أن «دولة إسرائيل تواجه محناً ليست بهيّنة، سياسية وأمنية واجتماعية». وأضاف: «إنه وزملاءه توصلوا إلى استنتاج أنه يجب وضع حد للوضع الشاذ غير الطبيعي داخل حزب العمل، إذ إنه أصبح في الواقع يتألف من أكثر من كتلتين، كذلك فإن الحزب أخذ ينجر إلى اليسار ويتمسك بآراء تمثل ما بعد الحداثة وما بعد الصهيونية».
في أعقاب ذلك، صدّقت لجنة الكنيست رسمياً على طلب باراك وإقامة كتلة حزبية جديدة تحمل اسم (عتسماؤوت ـــــ استقلال). وجرى التصديق بأغلبية 11 عضواً ومعارضة 3 وامتناع واحد عن التصويت، وذلك بعد نقاش حاد. وكان لافتاً في التصويت تأييد أعضاء الكنيست اليمينيين في اللجنة طلب الانشقاق، مقابل معارضة أعضاء «كديما» و«ميرتس».
يشار إلى أن الكتلة الحزبية الجديدة، التي تضم 5 من الأعضاء المنشقين عن حزب العمل، تمثّل أكثر من ثلث الأعضاء، فيما بقي 8 أعضاء في حزب «العمل» بالذات.
وفيما وقع خبر انشقاق باراك وقع الصاعقة على المحافل الحزبية والمحللين السياسيين، أكدت تقارير إعلامية أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان على علم مسبق بسرّ الخطوة الدراماتيكية التي أعلنها باراك. وقال مصدر رفيع المستوى في ديوان رئيس الحكومة لموقع «يديعوت أحرونوت» إنه «لا يساوره أدنى شك في أن تكون هذه الخطوة تهدف إلى تثبيت الأوضاع داخل الائتلاف الحكومي وتمكينه من مواصلة عمله بانتظام».
وأضاف معلق الشؤون الحزبية في موقع «يديعوت أحرونوت»، أطيلا شومبلفي، أن صفقة سياسية نُسجت بين نتنياهو وباراك، دفعت بالأخير إلى إعلان انسحابه من حزب «العمل»، تعهد بموجبها نتنياهو لباراك البقاء في منصبه وزيراً للدفاع حتى انتهاء ولاية الحكومة الحالية. وأكد أن شخصيات في محيط نتنياهو ساعدت باراك في خطوته الدراماتيكية، من دون علم المقربين من وزير الدفاع.
وأوضح الموقع أن عملية الانسحاب من حزب العمل حسمها باراك قبل أسبوعين، تزامناً مع التقارير التي أفادت بأن الإدارة الأميركية تشعر بخيبة الأمل منه، ومع التهديدات المتلاحقة التي أطلقها وزراء العمل بالاستقالة من الحكومة، التي بعدها توجه إلى نتنياهو وأعلمه بنيته الانسحاب من الحزب، وخصوصاً أن الانسحاب وتكوين كتلة برلمانية جديدة بحاجة إلى تصديق لجنة الكنيست.
ونقل موقع «يديعوت» عن مقربين من رئيس الحكومة قولهم إن نتنياهو كان على اتصال دائم مع باراك وشجعه على تأليف كتلة برلمانية جديدة، بهدف ضمان استقرار الائتلاف الحكومي في ظل تهديدات وزراء حزب «العمل» بالانسحاب بسبب تعثر المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وقال نتنياهو إن تهديدات وزراء «العمل» تضعف الحكومة في نظر الطرف الآخر، الفلسطيني.
وتعليقاً على الانشقاق، قال نتنياهو إن «ما حدث في الحلبة الحزبية في إسرائيل أدى إلى تقوية الحكومة وزيادة استقرارها»، مؤكداً أنّ «من الأهمية بمكان أن يعرف العالم أن هذه الحكومة ستبقى سنين عديدة ويمكن إجراء مفاوضات السلام معها، إذ إن هذه الحكومة تريد إجراء مفاوضات ودفعها على أساس المصالح الوطنية والأمنية. وقال نتنياهو إنه يكن التقدير لوزراء العمل الذين قدموا استقالاتهم رغم اختلاف المواقف بينه وبينهم».
وعلى خلفية انشقاق باراك، أعلن وزراء حزب «العمل» الثلاثة، بنيامين بن اليعيزر ، أفيشاي برفرمان، وإسحاق هرتسوغ، استقالتهم من الحكومة، ونُقل عنهم قولهم إن باراك قرر تأليف كتلة جديدة مع أربعة من أعضاء كتلة العمل بهدف تجنب الاستقالة من الائتلاف الحكومي.
وفيما يبدو الخيار السياسي المستقبلي لباراك، عند استحقاق الانتخابات المقبلة، هو خوض الانتخابات بقائمة مستقلة وبدعم من نتنياهو، توجهت اهتمامات المراقبين إلى تداعيات انشقاق باراك عن مستقبل حزب «العمل»، ووحدته، وزعامته، حيث حسم عدد من وزراء الحزب ونوابه خياراتهم، لجهة البقاء في صفوف العمل والسعي إلى ترميمه من داخله، والتنافس على زعامته، ولا سيما الوزراء بن أليعازر، هرتسوغ، وبرفرمان. في المقابل، لف الغموض مواقف عدد آخر من نواب الحزب، ولا سيما عمير بيرتس، وإيتان كابل، وغالب مجادلة ودانييل بن سيمون، وخصوصاً أن وسائل الإعلام تداولت قبل أيام تقارير تفيد بأن بيرتس وكابل ينويان الانضمام إلى حزب «كديما»، وأنهما مهدا الخطوة لذلك من خلال الإيعاز إلى أنصارهما داخل «العمل» للانتساب إلى كديما، فيما أشارت تقاير إعلامية مساء أمس إلى أن أعضاء الكنيست الأربعة يعتزمون الانشقاق عن الكتلة الأم، وتأليف كتلة جديدة، وفق ما يسمح به القانون الإسرائيلي الذي يجيز لثلث أعضاء الكتلة البرلمانية الانشقاق.
في هذه الحال يصبح مستقبل حزب «العمل» في مهب الريح، حتى لو نجح من بقي في حزب «العمل»، أربعة أعضاء كنيست، في تجاوز العراقيل الداخلية، والاتفاق على رئيس جديد للحزب.



استقرار قصير الأجل

بالرغم من خسارته ثمانية أصوات ـــــ هي العدد الباقي من الأعضاء في كتلة حزب «العمل» بعد انشقاق إيهود باراك عنها ـــــ يبقى للائتلاف الحكومي الذي يرأسه بنيامين نتنياهو قاعدة برلمانية مريحة نسبياً تعد 66 نائباً (عدد مقاعد الكنيست 120). ويرى مراقبون أن ائتلافاً كهذا يمكن أن يكون أكثر استقراراً من الائتلاف السابق، الذي كان يضم حزب «العمل» المنقسم على نفسه، والمقرَّر أن يعقد مؤتمرُه خلال أسابيع معدودة.
بيد أن الاستقرار الذي كفله نتنياهو لحكومته لن يكون على الأرجح طويل الأجل، وخصوصاً إذا ما استمر الجمود في عملية التسوية وبقيت الحكومة دون برنامج سياسي يعطيها مشروعية الاستمرار أمام الداخل والخارج. حكومة نتنياهو ستكون أيضاً مهددة بالتناقضات الكبيرة التي تتناحر داخلها بين الاتجاهات المختلفة، وخصوصاً بين المتدينين والعلمانيين، وهي تناقضات ستطفو على السطح لتؤلف برنامج عمل بديلاً للحكومة في ظل غياب برنامج أصيل يتمحور حول الأمن والسياسة. وقد استشرفت رئيسة المعارضة، تسيبي ليفني (الصورة)، هذه الفرصة فرأت أمس أن حكومة نتنياهو ستتفكك من الداخل حتماً ودواؤها الوحيد هو الانتخابات المبكرة.