أبين | في الطريق من عدن إلى أبين، يرافقك البحر تارة والأشجار الخضراء تارةً أخرى، مضفين سكينة على الطريق لا تقطعها سوى الحواجز التي تستوقفك للتدقيق. أطفال بزي عسكري، تفاجأ بهم يمضغون القات ويحملون فوق أكتافهم سلاحاً يكاد يكون أثقل من أجسامهم النحيلة. تصبح في لحظات رهينة إشارة من أيديهم. إما يلوّحون للعابرين للمضي قدماً في المسير أو يطلبون منهم التوقف للتفتيش. على بعد بضع كيلومترات أخرى يستوقف السيارات المارة، على قلّتها، رجال مسلحون بزي مدني، هم أيضاً رجال أمن لكن لا وجود للبزة العسكرية في حساباتهم. أما السبب فتلك حكاية أخرى تكاد تختصر حكاية القاعدة في أبين، وهي المحافظة التي تحولت إلى كومة من الدمار.
مبنى المحافظة، الجوامع، كلية التربية، مؤسسة البريد والاتصالات، المتحف، الأسواق التجارية وغيرها الكثير من المؤسسات في زنجبار، جميعها لحقت بها أضرار حولتها إلى أماكن مهجورة بعد المعارك التي اندلعت في أيار من العام الحالي.
أما السكان، الذين نزحوا مع اشتداد المعارك إلى خارج أبين ومن بينها محافظة عدن ولحج واتخذوا من مدارسها مأوى لهم على مدى أشهر، فها هم قد بدأوا بالعودة إلى المدينة. تصادفهم وهم يجلسون على قارعة الطريق، أو في سيارات مليئة بالأثاث، لكنهم لا يعرفون وجهتهم. معظم المنازل في زنجبار قد أصبحت غير صالحة للسكن، أما الصالحة منها للسكن فتقف الألغام المزورعة في جوارها عائقاً أمام العودة إليها، وخصوصاً أن بعض الألغام قد انفجرت بالسكان، في ظل غياب أي إشارات تلفت إلى وجود ألغام في هذا الشارع أو ذاك.
في ظل غياب مساعدات الدولة، يعتمد النازحون على المساعدات المقدمة من منظمة اليونيسف، بالرغم من المصاعب التي يكابدون للحصول عليها. أمام مكتب المنظمة تجمّع ما يزيد على ١٠٠ شخص بانتظار دورهم، فيما علامات التعب والإرهاق بادية على وجوه معظمهم. عبد الباري علي أكد لـ«الأخبار» أن عودته مع آخرين إلى أبين بدأت قبل حوالى شهر تقريباً. علي تحدث أيضاً عن الأوضاع الصعبة للسكان نتيجة غياب البنى التحتية من كهرباء وماء، في ظل انعدام وجود مؤسسات الدولة في المدينة، بالرغم من حاجة ما لا يقل عن ٨٥ ألفاً من أبناء أبين إلى المساعدات.
وبالرغم من تأكيده أن ما تقدمه المنظمة من مساعدات (فرش وبطانيات) يفترض أن يكون كافياً لتلبية حاجات السكان، نبّه علي إلى أن عمليات الفساد تجعل البعض ينال الكثير من المساعدات، في حين يحرم البعض الآخر منها. وحمّل السلطة اليمنية المسؤولية عن ذلك، قائلاً «السلطة إضافةً إلى أنها لا تقدم تريد أن تأخذ، محوّلةً توزيع المساعدات إلى تجارة».
بدوره، أكد الشاب محمد أن الأمر ليس بجديد، متحدثاً عن المساعدات الفاسدة والمنتهية الصلاحية التي كان يحصل عليها النازحون إبان وجودهم في المدارس، ومتهماً السلطات بأنها تأخذ الأموال على اسم النازحين، من دون أن تقدم لهم أي شيء.
هذا الوضع يتطلب، من وجهة نظر محمد، عودة المحافظ إلى المدينة لممارسة مهماته من داخلها عوضاً عن بقائه في عدن، لافتاً إلى أن سكان أبين ليسوا بحاجة إلى المساعدات بقدر حاجتهم إلى الأمن والاستقرار. والمساعدات التي تبدأ المنظمة توزيعها منذ الصباح حتى المساء، يشكو السكان من تعقيدات الحصول عليها. فعوضاً عن ملء استمارات الحصول عليها من داخل المحافظة، يجد النازحون أنفسهم مجبرين على شرائها لتعبئتها قبل أن يتعيّن عليهم الانتقال إلى عدن، التي تبعد قرابة ساعة بالسيارة، لختمها. وأخيراً، عليهم الانتظار ثلاثة أيام للحصول على موافقة لصرف المساعدات. وتساءلت إحدى النساء، التي كانت واقفة أمام مكتب المنظمة، «من أين لنا أن نؤمن أجرة الطريق إلى عدن فيما نحن نفتقد قوت يومنا». أما أم هيثم، فلم تتمالك نفسها عندما وجدت أن اسمها لم يكن ضمن الكشوفات التي تتيح لها تسلّم المساعدات بالرغم من استكمالها مختلف الإجراءات. وبصوت مرتفع يغلب عليه الصراخ والمرارة اكتفت بالقول: «أوقفوا هذه المنظمة. إدارتها سيّئة».
أما محمد حيدره السعدي، الذي كان يتفقد أوضاع الموجودين أمام مكتب المنظمة، فلم يتردد للحظة في وصف ما يجري في المدينة بأنه لا يحتمل. ويضيف: «السلطة خارج المحافظة. الأمن والاستقرار لا وجود لهما في المدينة، والناس ليس لهم إلا الله». واختصر ما هو موجود بأنه «لا شيء». وأكد أن ما حدث في زنجبار «أمر متعمد، إذ إنهم حطّموا كل ما هو موجود في المدينة».
هذا الرأي يوافقه فيه رئيس مجلس الحراك السلمي في خنفر، سيف سالم محسن، الذي أكد لـ«الأخبار» أنه لا وجود للقاعدة بمفهومها المتعارف عليه دولياً في أبين، بل من وُجدوا في أبين «مدعومون من أمراء الحرب في صنعاء الذين يختلفون في ما بينهم في العاصمة اليمنية ولكنهم يتفقون على تدمير الجنوب». وفي إطار استعادته للأحداث في أبين، أوضح الشيخ الخمسيني، الملقب بأبو فارس الأحمدي، أنه في البداية كانت هناك مجموعة من الأشخاص المنتمين إلى المحافظة كانت تجول في الشوارع باسم الدين والإسلام، واتضح في الأخير أنهم سهلوا الفرصة لعناصر كثيرة أتت من المحافظات الشمالية، وتحديداً عمران ومأرب وغيرهما من المناطق، فضلاً عن أجانب، بينهم سعوديون وصوماليون، لتمتلئ المنطقة بهذه المجاميع. وبعدما نبّه إلى أن هؤلاء المسلحين كانوا يحملون تصاريح أمنية تخوّلهم حمل الأسلحة وتمنع التعرض لهم، أوضح أن السلطة سهلت لهم التمدد تحت أعينها قبل أن تعلن لاحقاً أنها تريد «محاربة هؤلاء المسلحين الذين سبق أن أمدّتهم هي نفسها بالسلاح والرواتب وسهّلت لهم كافة الأمور حتى مكّنتهم من الاستيلاء على المحافظة». ولفت إلى أن الأسلحة التي كانت بحوزة السلطة في أبين سلّمتها طوعاً إلى أنصار الشريعة.



قاعدة السلطة

من المفارقات التي يسردها أبو فارس (الصورة) أنه مع دخول الجيش إلى أبين، كثير ممن كانوا في صفوف أنصار الشريعة انضموا إلى الجيش وحتى إلى اللجان الشعبية التي قاتلت إلى جانب الجيش، متهماً السلطة بأنها تلعب بالجنوبيين، حيث يحاول كل من جناح علي عبد الله صالح وجناح أبناء الأحمر والشيخ عبد المجيد الزنداني تحريك مجموعات من هؤلاء.
أبو فارس يؤكد أن اتهامه للسلطة في صنعاء بالتآمر على المحافظة ليس من عدم. ويضيف «عندما بدأت مسيرات الحراك الجنوبي في المنطقة، نحن جلسنا مع البعض من هؤلاء المنتمين إلى أنصار الشريعة لمحاولة التوصل إلى تفاهم بعدم التعرض لمسيرات الحراك الجنوبي». وأضاف «قالوا لنا بصراحة نحن من الأمن القومي ونتسلّم رواتب من صنعاء»، قبل أن يبدأ هؤلاء بجلب عناصر من خارج المحافظات، في لعبة محكمة لتدمير المدينة لاحقاً.
وأوضح أن عملية تبادل الأدوار بين المسلحين والسلطات في صنعاء ليست بجديدة وتعود في جزء منها إلى حرب ١٩٩٤. وختم حديثه بالقول: «مختلفون في صنعاء لكنهم متفقون على تدمير الجنوب ونهب ثرواته وأراضيه وتهميش أهله وتشريدهم».