الجزائر | لا حديث اليوم في الجزائر سوى حديث الحرب المحتملة على مالي، التي أبدى الشعب الجزائري مخاوفه منها وما سيتبعها من تأثير على البلاد. المخاوف الشعبية تبدو جليةً في المقالات والتصريحات الصحافية، وما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي اجتماعات الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والحقوقية وفي كل الأمكنة العامة. معظم التعليقات أكدت رفض مشاركة الجزائر في حرب «لا ناقة لها فيها ولا جمل». وأعرب الكثير من الكتّاب والمعلقين عن أن حرب مالي هي حرب نفوذ ومصالح وامتداد لما صنعته أميركا وحلفاؤها في أفغانستان والعراق والصومال واليمن، وما سيحدث مجرد وصول لحظة تنفيذ خطة مبرمجة سلفاً.وأكدت بعض التعليقات أن التحذير من خطر وجود الحركات السلفية المسلحة في مالي ليس إلا مجرد تبرير لخلق بؤرة توتر جديدة في منطقة غنية بالنفط والغاز واليورانيوم والذهب والمياه الجوفية معظمها في صحراء الجزائر الشاسعة.
ويرى الجزائريون أن بلدهم إن دخل الحرب فسيخوضها بالوكالة عن القوى الكبرى، وسيخسر فيها ماله ورجاله وكبرياءه ومكانته وقيمه التي سار عليها منذ خمسين عاماً، وهي عدم التدخل في شؤون الغير، وخاصة بالطريقة العسكرية الفجة التي تخطط لها الدوائر الغربية في شمال مالي.
بالمقابل، تفيد الأخبار الرسمية بأن الجزائر لا تزال على موقفها وأنها سجلت نقاطاً مهمة في الأيام الأخيرة لإبعاد شبح الحرب. ومن بين هذه النقاط تفضيل الأمم المتحدة السعي إلى فتح مفاوضات بين الأطراف المتنازعة، وتأكيد مبعوثها للساحل رومانو برودي أن الحرب هي آخر ما يمكن اللجوء إليه لاسترجاع وحدة مالي وإنهاء سيطرة الجماعات المتشددة على شماله.
وبدأ هذا المسعى يتجسد ميدانياً بلقاء عقد الثلاثاء في بوركينا فاسو، جمع مبعوث الأمم المتحدة لدى مجموعة أفريقيا الغربية سعيد جنيت بقياديين من منظمة «أنصار الدين الإسلامية» و«الحركة الوطنية لتحرير الأزواد». وقال جنيت في أعقاب اللقاء إنه وجد تجاوباً من التنظيمين لإجراء مفاوضات بأقرب وقت مع حكومة مالي الانتقالية على أساس خطة عمل يرجح أن تطرحها الجزائر. وهذه المرة الأولى التي تتعامل فيها الأمم المتحدة بشكل مباشر مع حركات الأزواد منذ اندلاع الأزمة في مالي قبل نحو عام.
وشدد جنيت عقب لقائه الرئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري الذي عينته مجموعة دول أفريقيا الغربية وسيطاً بشأن مالي على أن «النهج الذي تفضله جميع الأطراف، سواء مجموعة دول غرب أفريقيا أو الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة هو نهج التفاوض، ونتمنى أن ينطلق في أقرب الآجال». لكن هذا التفضيل يسير بشكل مواز مع الإعداد لتدخل عسكري محتمل. ويبقى أن تفادي الحرب أمر وارد، لكن شرط أن تتخلى حركة «أنصار الدين» المتشددة عن علاقتها مع «تنظيم القاعدة» و«حركة التوحيد والجهاد». ويبدو بحسب الخبراء أن الوضع داخل «أنصار الدين» معقّد للغاية حول اتخاذ موقف بهذا الشأن، فثمة جناح يفضل الحل السلمي وتفادي المواجهة. وأعرب عن ذلك صراحة في رسائل إلى الجزائر وبوركينا فاسو. بالمقابل، يرفض جناح متشدد مرتبط بصفة وثيقة بتنظيم القاعدة كل تنازل عن «الإمارة الإسلامية»، ويرفض كل ما يشير إلى عودة وحدة مالي.
بالمقابل، أعلنت الحركة الوطنية لتحرير الأزواد على لسان ناطقها الرسمي حما آغ سيد أحمد استعدادها للاندماج في مسار حل سلمي تفاوضي، وانتقدت التعطيلات الجارية التي ترشح المنطقة للحرب. ودعا المتحدث في تصريح صحافي أمس الأطراف الفاعلة في المنطقة وهي مجموعة دول غرب أفريقيا وفرنسا والجزائر إلى التشاور ومساعدة ممثلي مختلف الدول والهيئات الإقليمية والدولية للجلوس إلى مائدة تشاور لصياغة آلية الحل السلمي في بلاده.