استنفرت صحافة اسرائيل مع استنفار جيشها، وجند محللوها أقلامهم لمواكبة الحدث الذي احتل صدارة اهتمام الدولة العبرية، وكان لافتاً أن البعض منهم استشرف مبكراً تحوّل العملية العسكرية في غزة الى حرب استنزاف، بعدما انتهى مفعول عامل المفاجأة، بفعل العبر التي استخلصتها الفصائل من تجارب المقاومة في لبنان وفلسطين، كما توقع اخرون ان لا تحقق هذه العملية اكثر مما حققته سابقاتها، انطلاقاً من أنه لا حل عسكرياً مع قطاع غزة، وبالتالي على اسرائيل أن تستعد للعملية العسكرية المقبلة.
وأكد المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت احرونوت»، رون بن يشاي، أن مجموعات فصائل المقاومة في غزة، تنجح في اطلاق الصواريخ على المدن والمستوطنات الاسرائيلية، بالرغم من عشرات الطائرات المسيرة «دون طيار» في الاجواء، والطائرات الحربية وعمل وسائل المراقبة المتطورة، الارضية منها والبحرية، عازياً ذلك الى الدروس التي استخلصوها من حرب غزة السابقة، ومن حزب الله خلال الحرب على لبنان عام 2006.
ورأى بن يشاي أن العملية الاسرائيلية «عمود السحاب» تحولت بفعل ذلك الى حرب استنزاف للطرفين، كما يحاول الجيش، بعدما انتهى عامل المفاجأة، تدمير اهداف اضافية في غزة بهدف تقليص قدرة الفلسطينيين على اطلاق الصواريخ. ولفت إلى أن خلايا «الجهاد» و«حماس»، تعمل وفق خطة اعدت مسبقاً وتستخدم منصات اطلاق ثابتة منصوبة فوق سطح الارض وتحتها، ولا يحتاج المقاتلون الى أن يكونوا بالقرب منها حتى تجري عملية الاطلاق، إذ يمكنهم القيام بذلك عن بعد. وأشار الى أن هذه المنصات مخفية جداً على نحو يمكّن المقاتلين من تلقيمها مرة ثانية وثالثة وبسرعة وسرية والابتعاد سريعاً قبل أن يتمكن الجيش والطائرات الاسرائيلية من استهدافهم، الأمر الذي دفع الجيش الى دراسة اساليب وطرق القتال والوسائل الحديثة التي تستخدمها المنظمات الفلسطينية. واختتم تحليله بالقول إن «نجاح العملية أو فشلها لا يتحدد وفقاً للنتائج الميدانية التي يحققها الجيش، بل من النتائج الاستراتيجية والسياسية».
أيضاً، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، ان مصالح اسرائيل وحماس تسمح بالوصول الى الاستنتاج بأنه ليس للطرفين حالياً مصلحة حقيقية في تكرار «مسرحية» «رصاص مصهور»، متوقعاً أن يجري في النهاية الغاء التدريبات على العرض الجديد للمسرحية. واوضح هرئيل التقدير الاستخباري، الذي يبدو أن القيادة السياسية استندت اليه لدى اتخاذها قرار الاغتيال، بالقول ان «حماس غير معنية حقاً بمواجهة ذات وتيرة مرتفعة، تتضمن دخولاً واسعاً لألوية الجيش الاسرائيلي في اراضي القطاع»، مضيفاً إن حماس «عندما كانت تتردد بين قيمة المقاومة العسكرية ضد اسرائيل، والحاجة الى البقاء في السلطة، كانت تختار على الدوام الخيار الثاني»، مرجحاً أنه إذا توافرت آلية لإنهاء سريع على نحو نسبي لجولة العنف هذه، فقد تتعاون معها.
ورأى هرئيل انه بعدما حققت اسرائيل انجازات لا بأس بها في اليومين الأولين من الحملة، يحتمل انها تسعى الان الى نهاية سريعة لها، لافتاً الى ان وزير الدفاع ايهود باراك، الذي ادى دوراً مركزياً في عملية اتخاذ القرارات، «يُفضل قطع الاشتباك»، تماما كما اوصى خلال عملية «الرصاص المصهور» في نهاية عام 2008، التنازل عن العملية البرية وتصادم في حينه مع رئيس الوزراء ايهود اولمرت.
في السياق نفسه، رأى هرئيل ان النظام المصري، سيقف عند حدود معينة في تضامنه مع «حماس»، لكونه يدرك أنه إذا تجاوز الحدود، فسيجد نفسه في صدام مع الإدارة الاميركية. وفي ما يتعلق بالاهداف «المتواضعة» التي حدَّدتها القيادة السياسية للعملية، رأى هرئيل انها درس من الغرور الذي ميز القيادة السياسية والعسكرية في بداية حرب لبنان الثانية، والطموحات المبالغ فيها التي تميزت بها عملية «الرصاص المصهور».
في الإطار نفسه، ذكرت «هآرتس» أن باراك، الذي لا يتمنى نشوب معركة طويلة، ليس لديه صيغة دقيقة للخروج من هذه المعركة. ونقلت عنه قوله «نحن لا نستطيع التنبؤ بدقة ما هي نقطة النهاية»، وأن الأهداف التي حددها المجلس الوزاري المصغر «تقليص عمليات اطلاق الصواريخ، وتحسين الواقع الامني وزيادة الردع»، قابلة للتحقق، اضف الى ذلك أننا نسعى إلى تحقيق اشياء معقولة، مثل امكانية العمل بالقرب من الجدار دون خطر. وفي هذا المجال نقلت «هآرتس» عن باراك قوله ايضا في جلسة مغلقة، إنه ونتنياهو «استخلصا الدروس من اخطاء الاخرين، نحن نفكر في عدة خطوات الى الامام»، موضحاً «ليس من المؤكد اننا سنحتاج الى عملية برية، لكننا مستعدون اذا احتجنا إليها».
أما بخصوص الأبعاد السياسية الداخلية، فنفى باراك، كما هو متوقع، أن تكون مصلحته الانتخابية ونتنياهو، قد دفعتهما الى اتخاذ قرار الاغتيال، كما برز، بحسب «هآرتس»، أن منافسيهما من المعارضة قد اعتمدوا الاستراتيجية السياسية المعروفة بـ «وأنا أيضاً»، بمعنى انهم قفزوا الى العجلة وعبّروا عن تأييد حماسي للعملية، كي يقللوا الخسائر الشعبية، على امل ان تتوقف العملية في وقت قريب، وتزول عن جدول الأعمال الانتخابي.
في السياق نفسه، رأى تمار جوجنسكي، في صحيفة «هآرتس» ان التجربة علمتنا المرة تلو الاخرى انه مع بداية كل حرب تتعهد الحكومة على نحو احتفالي انه في هذه المرة سيوضع حد للنار على المدن والبلدات، وأنها ستحل المشكلة «مرة واحدة والى الابد»، لكن الواقع ان الحرب التالية تأتي دوماً، واصفا هذه المواقف بأنها «ذرّ للرماد في العيون». واكد جوجنسكي ان حكومة نتنياهو باراك وليبرمان، تعرف جيدا أن القصف، وحتى اجتياح القطاع، من قبل الجيش لن يحل المشكلة، الا أن وجه الشبه بين الحرب التي بدأت الان، وعملية «الرصاص المصهور» ليس فقط خدعة «ضربة واحدة وانتهينا»، بل أيضاً أن لكلتيهما هدفاً سياسياً مكشوفاً، وهو «تسخين الاجواء العامة ومحاولة الحصول على اكبر قدر من الاصوات في انتخابات الكنيست»، مقترحاً أن يطلق على هذه الحرب اسم «حرب سلامة نتنياهو»، لا «عمود السحاب».
أما ايتان هابر، فقد اكد في مقالة له في «يديعوت احرونوت» أنه إذا استمرت العملية العسكرية، فستضطر اسرائيل الى تنفيذ عملية برية، مضيفاً إنه لا ولن يكون هناك حل عسكري لقطاع غزة، إذا لم يتوافر السبيل لتسوية سياسية، مؤكداً أن كثيرين منا سيشاركون في «عمود سحاب 2» و «عمود سحاب 3» وهكذا دواليك...