مخيّم البدّاوي | موسيقى المقدّمة، ثم يظهر الممثّل وهو يقول «الدنيا مسا؛ الله يمسّيكم بالخير، بدّي أغنّي غنّية وإنتو بدكن تقولوا حاحا، ماشي ؟حاحا (يغنّي ويحاول إشراك الجمهور)، والله منكن نافعين... أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا، إسمي خليل الخرياطي من منطقة زمبليطة، هلّق في ناس بعيطولي الخرياطي حاف. والصغار بقولولي عمو خراطي، هنّي حرّين. والكبار بسمّوني أبو وهيب، هيدي مرجوعها لإبني الكبير «ذا بيغ ون» يعني وهيب... أمّا إذا حدا حدّثته نفسه وسأل ليش وهيب خرياطي؟ مش شي تاني فبقلّو إنّو كلّ عيلة وإلها تاريخ وأمجاد .مزبوط ولاّ لأ.؟ وعيلتنا... صلّوا عالنبي، تعود إلى جدنا الأوّل خليل، واللي أنا ورثت عنّو الإسم والمهنة كمان... وهيدا جدّي كان حلاق، كان الحلاق الوحيد بالمنطقة. بس للأمانة والتاريخ ما كان شاطر بالمرّة، كان يضلّ ينزل خرط بروس هالعباد، قاموا سمّوه الخرياطي، خليل الخرياطي...»بهذه الطريقة الرشيقة، بدأت مسرحيّة «ع الحدود» للكاتب والمخرج الفلسطيني أحمد العربي خميس، وهي مونودراما تتّكل على الكوميديا السوداء والفكاهة المرّة لإيصال رسائلها إلى الجمهور تبعاً للمثل القائل «شرّ البليّة ما يضحك!». لكن اللافت أن المسرحية تناولت ما يعيشه أهالي المخيم من تأثيرات بسبب الحرب العبثية بين باب التبانة وجبل محسن، هكذا، أدّى الممثّل الفلسطيني فوّاز باسومي دور أبو وهيب الخرياطي كشخصيّة رئيسيّة تمثّل الأغلبيّة الصامتة في مجتمعنا، بالإضافة إلى شخصيّاتٍ أخرى، وقد شاركته في هذا العمل ريّان مصطفى، ذات الصوت الدافئ، بالغناء.
في أحد المشاهد، أبو وهيب يتذكّر ابنته الصغيرة فرح، التي قُتلت في خضمّ المعارك بين زمبليطة الفوقا وزمبليطة التحتا، والتي ترمز الى باب التبانة وجبل محسن القريبين من المخيم، والتي بقي أبو وهيب يشدّد حتّى نهاية المسرحيّة على أنه «ما في شي إسمو فوق وتحت... زمبليطة طول عمرا منطقة وحدة». ابنته فرح كانت عائدةً من مدرستها «وبلّش الرصاص»... «وين فرح يا إم وهيب؟ وين فرح يا ولاد؟ وين فرح يا ناس؟». وعلى صوت أغنية «نامي نامي يا صغيرة»، بصوت ريان، تابع الممثل «جبولي بنت صغيرة مقوصة بصدرا... الرصاص مخترق جسما ومخزّق الشنطة اللي عضهرا... قلتلّن هاي مش فرح... فرح بس تشوفني بتركض عليّ وبتضحك... راحت فرح بأوّل علقة بين المنطقتين بأيّام السلم...» كان لهذا المشهد الأثر الأقوى على الجمهور، حتّى أمّي وأنا بكينا بشدّة ،كان التمثيل واقعياً ومع أصواتٍ خلفيّةٍ للرصاص بدت حقيقيّة، وكان بكاء فوّاز الأكثر حرقة...
ومن أكثر المشاهد التي أظهرت مدى فظاعة ما يعيشه الناس في منطقتي جبل محسن وباب التبّانة، مشهد أبو سمير المجنون «مجانين كثير عبر السنين صارت تظهر بالمنطقتين... أبو سمير واحد منن، إنقتلت عيلتو قدّام عيونو، صابتو حالة وولاد عمّو أخدوه عمستشفى المجانين... قعد بالمستشفى شهرين وبعدين طلّعوه... بس حالتو بعدا متل ما هي (يتحوّل الممثّل ليصبح مجنوناً) أبو وهيب... إحلقلي إحلقلي شعراتي... بكرا رح أجبلك ولادي ليحلقوا عندك... إسكوت ولا (ينظر إلى جهة معيّنة وكأنّه يخاطب شخصاً غير أبو وهيب) ولادي منّن ميتين، بكرا ع العيد بحلقلن، وبكرا العيد ومنعيّد مندبح بقرة السيّد...»
هذا المشهد بدا شديد التأثير بالجمهور الذي يعيش هاجس فقدان الأحبة في حروب عبثية تحيط به من كل حدب وصوب!
كانت نهاية المسرحيّة الموجّهة لكلا المنطقتين المتقاتلتين؛ بوقوف أبو وهيب على «سلّم»، وإلقائه خطاباً يدعو فيه إلى الوحدة، ليتمّ إطلاق النار عليه. ورغم ذلك، لا يتوقّف عن القراءة، ليقع في الأخير شهيداً، وتكون شهادته الحلّ لوقف النزاع الحاصل بين زمبليطة الفوقا والتحتا... ويتمّ قوله «زمبليطة طول عمرا وحدة».