في مؤشر على بدء موسم الانتخابات في إسرائيل، طرح وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، ما يبدو أنه برنامج انتخابي، ممثلاً في خطة انفصال جديدة أحادية الجانب، في الضفة الغربية. وبموجب هذه الخطة، تخلي إسرائيل المستوطنات التي سماها باراك العشوائية، مقابل ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة لإسرائيل، بما يمكّن الجانب الفلسطيني من إقامة دولة، من دون اتفاق مع الدولة العبرية.
أما من يرفض الاخلاء من المستوطنين، فيمكنهم البقاء تحت حكم الدولة الفلسطينية العتيدة، فترة تجربة تمتد حتى خمس سنوات.
وأعلن باراك خطته في لقاء خاص نشرت مقتطفات منه صحيفة «اسرائيل اليوم». وحسب الخطة، تضم اسرائيل معظم المستوطنين الذين يمثلون تسعين بالمئة من اليهود الذين يستوطنون الضفة الغربية، بما يعرف بالكتل الاستيطانية الكبرى، أي في غوش عتسيون، معاليه ادوميم، واريئيل، كما تبقي سيطرتها على مناطق مشرفة وحيوية للأمن الاسرائيلي، من خلال إبقاء وجود عسكري للجيش الإسرائيلي في بعض المواقع، مثل مرتفعات نابلس، التي تطل على مطار «بن غوريون» في اللد، وضمان وجود عسكري على طول غور الأردن. وبحسب باراك فإنه «في بقية المناطق ستقام الدولة الفلسطينية بعد إخلاء عشرات المستوطنات الصغيرة».
وقال باراك إن «من الأفضل التوصل الى توافق مع الفلسطينيين، لكن اذا لم ينجح ذلك، يجب المبادرة والبدء بالانفصال، اذ حان الوقت لنتحدث بصراحة، ونقول إننا نجحنا في إبقاء ثمانين أو تسعين في المئة من الاستيطان على مدى سنوات، لكن الانجاز الأكبر هو أن نجلب هذه الاراضي إلى الحدود الدائمة لإسرائيل».
كذلك أشار إلى أن «الخطة تساعد اسرائيل، ليس ازاء الفلسطينيين وحسب، بل أيضا إزاء دول المنطقة والأوروبيين والإدارة الأميركية».
وشدد باراك على أن قرار الانفصال ليس سهلاً، «لكن اسرائيل ليست دولة حديثة، اذ إن عمرها 64 عاماً، ونحن في الضفة الغربية منذ 45 عاماً، لقد حان الوقت كي نتخذ قرارات، ليس فقط من خلال المفاوضات، أو من خلال ضغوط غير عقلائية أو من الأيديولوجيا، بل من خلال قراءة باردة للواقع».
وأثارت خطة باراك ردود فعل اسرائيلية معارضة. وطالب قادة في حزب الليكود، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بالتنكر للخطة، وتبني تقرير لجنة حكومية برئاسة قاضي المحكمة العليا، إدموند ليفي، بتشريع كافة المستوطنات من خلال اعتبار استيلاء المستوطنين على أراضي الفلسطينيين «نزاعاً على أراض، ينبغي حله في المحاكم»، لا من خلال حل سياسي.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن عضو الكنيست عن الليكود، داني دانون، قوله إن «الانفصال الوحيد المطروح هو انفصال وزير الدفاع عن منصبه»، وإن «هذه محاولة يائسة من جانب باراك لعبور نسبة الحسم» في الانتخابات العامة المقبلة. كذلك رأى وزير الإعلام الإسرائيلي، يولي إدلشتاين، أن باراك يطرح خطته في سياق الانتخابات، وأنه يواصل ارتكاب الأخطاء، «اذ بعدما أيد كارثة أوسلو، ونظم الهروب من لبنان، وعمل من أجل الانفصال عن قطاع غزة، الذي أدخل مليون إسرائيلي إلى الملاجئ، فإنه مستعد الآن لأن يمثّل خطراً على ملايين آخرين من أجل عبور نسبة الحسم» في الانتخابات.
بدوره، قال رئيس كتلة «الاتحاد القومي» اليمينية المتطرفة، يعقوب كاتس، إن نتنياهو يتفق مع باراك، مثلما أيد خطة الانفصال عن غزة، وصوّت على تنفيذها، وإن «خطة باراك تأتي تحت رعاية نتنياهو، وستؤدي إلى توحيد المعسكر الديني – القومي، وإلى أن تكون صرخة للسماء من أجل إقامة حزب أرض إسرائيل، لينقذنا من قادة الليكود الذين أجرموا بحق أرض إسرائيل، واقتلعوا اليهود من أرضهم». اما عضو الكنيست عن حزب اسرائيل بيتنا، دافيد روتيم، فقال إن «الحكيم يتعلم من أخطاء الآخرين، والغبي لا يتعلم حتى من أخطاء ارتكبها بنفسه».
وهاجمت عضو الكنيست عن حزب ميرتس اليساري، زهافا غلئون، باراك، مشيرةً إلى أن خطة وزير الدفاع الإسرائيلي تأتي على خلفية «اعتبارات سياسية مستهترة، لا من اعتبارات استراتيجية ومصالح إسرائيلية». ورأت أنه «إذا جرت الموافقة على خطة باراك، فإنها ستحبط أي محفز من أجل التوصل إلى سلام، وستعزز قوة جهات متطرفة مثل حماس».
من جهته، اتهم رئيس كتلة حزب العمل في الكنيست، يتسحاق هرتسوغ، باراك بأنه «يعيد تدوير أفكار، كان قد فعل كل شيء في العقد الأخير، من أجل منعها، وقد عارض في حينه خطة الانفصال عن غزة، اما الآن، فعاد ليكتشفها».
الى ذلك، كشفت صحيفة «هآرتس» أمس، أن إسرائيل زادت على نحو كبير من حجم التسهيلات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، على خلفية التخوف من الاحتجاجات القائمة في الضفة الغربية، وإمكان تعريض السلطة للخطر. وأشارت إلى وجود «قلق في اسرائيل من إمكان أن تتحول اضطرابات الضفة الى أحداث عنف في وجه الجيش الاسرائيلي». وبحسب الصحيفة، فإن «ما يقلق إسرائيل أيضاً، هو التوتر القائم بين رئيس السلطة محمود عباس، ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وإمكان أن يعلن أي منهما اعتزاله، إضافة الى وجود قلق من الاحباط المتزايد في أوساط رجال أجهزة الأمن الفلسطينية».
وقال مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى لـ«هآرتس»، إن «السلطة الفلسطينية لم تعد كما كانت عليه، فالأزمة الاقتصادية، الى جانب الجمود السياسي (المفاوضات)، من شأنهما أن يؤديا في النهاية الى انفجار. ويعون في إسرائيل هذه المسائل، ولهذه الأسباب، تقرر مساعدة السلطة حيثما كان، كي تتعزز مكانتها».