نيويورك | قرّر مجلس الأمن الدولي في جلسة عقدها، يوم أمس، إنهاء مهمّة بعثة المراقبين الدوليين إلى سوريا. وبغياب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووكيله لشؤون حفظ السلام هيرفي لادسو ومندوبة الولايات المتحدة الاميركية سوزان رايس، ومندوب بريطانيا مارك لايال غرانت، ومندوب ألمانيا بيتر فيتيغ، كان واضحاً أن القرارات لن تكون سهلة التحقق. إذ كان الروس يريدون مواصلة عمل الأمم المتحدة على الأراضي السورية، لكن الغربيين، الذين لم يتحمسوا في الأساس لأي حلّ لا يفضي إلى تغيير النظام، بدوا مستعدين، فقط، لإنشاء «مكتب ارتباط» سياسي في سوريا. ويتولى هذا المكتب عمليات الحوار مع الأطراف المختلفة. من هنا قبلت روسيا والصين بالاقتراح.
كذلك دعت موسكو أعضاء مجموعة العمل الدولية إلى جلسة نقاش على مستوى مندوبيها لدى الأمم المتحدة للتشاور بشأن مستقبل العمل في سوريا، تعقد اليوم في مقر إحدى البعثات الدبلوماسية في نيويورك، يرجح أن تكون البعثة الروسية. ومجموعة العمل التي كانت قد اجتمعت في جنيف في ٣٠ حزيران الماضي، ضمّت كلاً من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى تركيا وقطر والعراق والكويت.
وأعرب المندوب الروسي فيتالي تشوركين عن «أنه لا يزال يودّ أن تشارك كافة الدول الفاعلة والمؤثرة في الوضع السوري، ولاسيما السعودية وإيران». ولفت إلى أنه «سيطرح خلال الاجتماع تطبيق وثيقة جنيف بإخلاص، تلك الوثيقة المستوحاة من خطة أنان السداسية، التي تدعو إلى وقف العنف أولاً وتأمين عملية سياسية سورية». واتهم تشوركين عدداً من الدول الموقعة على وثيقة جنيف بعدم بذل الكثير من أجل تطبيق بنود الاتفاق، وأضاف «لو كنا على خطأ فإن اجتماع غد (اليوم) سيكون برهاناً على خطئنا بأن يظهروا جديتهم في تطبيق خطة جنيف».
ومن المقرر أن تسحب الأمم المتحدة في اليومين المقبلين، وحتى منتصف ليل الأحد المقبل، أعضاء بعثة المراقبين في سوريا، ويصل عددهم حالياً إلى ١٠١، إضافة إلى ٧٠ موظفاً مدنياً. وسيتمّ من بعدها إنشاء مكتب ارتباط، تابع للدائرة السياسية في الأمم المتحدة، يكون فيه ما بين ٢٠ و٣٠ عنصراً مدنياً يتولون مهام سياسية وإنسانية. وسيكون هؤلاء خاضعين للأمانة العامة، ويرأسهم مبعوث خاص بدلاً عن كوفي أنان، ويرجح أن يكون الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، إذا ما ليّن موقفه. فهو حتى يوم أمس لم يكن قد قبل المهمة، نظراً إلى خشيته من عواقب انقسام أعضاء مجلس الأمن الدولي.
وبالعودة إلى جلسة أمس، كان أمام أعضاء مجلس الأمن رسالة بان، التي قدّمها قبل أيام، وفيها حمّل الحكومة والمعارضة المسلحة في سوريا مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية والإنسانية. الرسالة التي قدمها كتقرير عن سير تنفيذ القرار 2059 الخاص بالأوضاع في سوريا، كانت آخر تقرير يقدّم حول هذه البعثة، التي تنهي عملها في ١٩ آب الجاري. ورأى بان أن النزاع قد ازداد في مناطق عدة من سوريا، حيث إنّ عناصر المعارضة المسلحة قد شنّت هجمات على دمشق وحلب، في حين أن القوات الحكومية استمرت في استخدام الاسلحة الثقيلة، وبالتالي فإن البعثة «عجزت عن ممارسة مهمتها الاساسية في مراقبة وقف العنف، وتدهور الوضع الإنساني وتضاعف عدد المشردين والنازحين واللاجئين في سوريا، وفي الدول المجاورة».
من ناحيته، أعرب المندوب الروسي فيتالي تشوركين عن أسفه لعدم مواصلة عمل بعثة المراقبين، وأكد أنه أصرّ على مواصلة عملهم. ورحّب برسالة رئيس مجلس الامن الدولي إلى الأمين العام التي يطلب فيها الموافقة على إنشاء مكتب الارتباط. بينما تحدث مساعد وكيل الأمين العام لشؤون حفظ السلام، إدموند موليه، داخل الجلسة المغلقة، عن التخوف من تردي الأوضاع في ظل تعنت الطرفين والاقتناع بالقدرة على الحسم العسكري، «وهو وضع يحول دون ممارسة المراقبين لمهماتهم». وشدد على وجوب الاحتفاظ ببعثة سياسية تكون قادرة على التحاور مع الأطراف وتقريب وجهات النظر، وتكون متابعة للأوضاع بحيث تتمكن، عندما تلين المواقف، من لعب دور توفيقي سياسي أفضل. وفي نفس الوقت تواصل البعثة تسهيل عمليات الإغاثة بالتنسيق مع الأطراف المتحاربة.
في السياق، قال المندوب الفرنسي جيرار آرو، وهو رئيس المجلس للشهر الجاري، بعد الجلسة المغلقة للمجلس، إنّ هناك شعوراً عاماً بين الأعضاء بأن شروط استمرار بعثة الأمم المتحدة في سوريا لم يتم الوفاء بها، «لكن، هناك أيضا إجماع على الحاجة إلى الإبقاء على وجود الأمم المتحدة في دمشق، وبناءً على هذا الإجماع قمت بوصفي رئيس مجلس الأمن بإرسال خطاب إلى الأمين العام (بان كي مون) لإبلاغه بموافقتنا على اقتراحه بإنشاء مكتب اتصال في دمشق». وأشار آرو إلى أن «مسؤولية البعثة ستنتقل من إدارة الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام إلى إدارة الشؤون السياسية».
من جهته، قال نائب المندوب الألماني، ميغيل برغر، إنه لا يرى فائدة من مواصلة عمل بعثة المراقبين في سوريا، بالنظر إلى حدة الاشتباكات الجارية في حلب وغيرها من المدن السورية، «ونحن ننظر في إنشاء مكتب ارتباط للأمين العام في دمشق».
في موازاة ذلك، دعا نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف الى بقاء الأمم المتحدة في سوريا، مشدداً على أن خروجها، الآن، سيؤثر سلباً على المنطقة بكاملها. وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان يوم أمس، أن غاتيلوف التقى نائبة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ويندي شيرمان، وأضافت انهما تبادلا وجهات النظر حول مجموعة من القضايا المتعلقة بالتطورات الأخيرة في سوريا، بما في ذلك مناقشة الأزمة السورية في مجلس الأمن الدولي. ودعا غاتيلوف الى ضرورة تقيّد كل الأطراف السورية واللاعبين الخارجيين بشكل صارم بقرارات مجلس الأمن الدولي، وما تمّ الاتفاق عليه في البيان الختامي للاجتماع الوزاري لمجموعة العمل حول سوريا. وفي هذا السياق، أوضح غاتيلوف أهمية تفعيل مجموعة العمل حول سوريا بغية الاتفاق حول خطوات مشتركة لإطلاق التسوية السياسية للأزمة السورية.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)