بعد أبرز انشقاق في الدائرة العسكرية السورية مع العميد مناف طلاس، انشقّ يوم أمس رئيس الوزراء السوري رياض حجاب، فيما ساد الغموض محطته الأولى بعد نفي الأردن توجهه إليها، مع تأكيد أحد المتحدثين باسمه أنه ينوي الاستقرار في قطر، فيما ذكرت أنباء أنه قد يكون غادر عن طريق لبنان، على غرار ما فعل طلاس. وأعلن المتحدث باسم حجاب، محمد عطري، انشقاق رئيس الوزراء السوري، وتلا بياناً باسمه جاء فيه: «النظام قام بأقصى جرائم الإبادة ضد شعب أعزل خرق المطالبة في العيش الكريم الحر الذي يناله كل شعوب المنطقة. أعلن انشقاقي عن نظام القتل والإرهاب، وأنا اليوم جندي من جنود المقاومة».
وأشار الى أن الترتيب تمّ مع «الجيش السوري الحر»، لكي يقوم بتأمين رياض حجاب إلى مكان آمن يعلن فيه انشقاقه ويقول ما يشاء بتأييد الثورة، «واليوم هو في مكان آمن وفي أيد أمينة هو وعائلته، وهناك 10 عوائل، منهم أشقاء رياض حجاب وأختاه وأولادهم، وصلوا إلى بر الأمان. وأوضح أنّه «عند حصول تفجير دمشق، كان حجاب في مسجد في المزة، وفوجئ بوجود عقيد يقول له نحن هنا لحمايتك». وأضاف عطري أنّ حجاب سيغادر الى قطر «خلال أيام لوجود الوكالات الإعلامية هناك»، لافتاً إلى أنّه «سيخرج إلى الإعلام وهو بكامل صحته وعائلته سليمة ومعه».
وقبل إعلان حجاب انشقاقه، بثّ التلفزيون السوري مرسوماً جمهورياً بإعفاء رئيس الحكومة من مهماته، وتكليف المهندس عمر ابراهيم غلاونجي بمهمات رئيس مجلس الوزراء في سوريا إضافة إلى مهماته.
بدوره، قال وزير الإعلام السوري عمران الزعبي إن مجلس الوزراء السوري اجتمع، يوم أمس، برئاسة رئيس الوزراء المؤقت عمر غلونجي في جلسة قصيرة حضرها جميع الوزراء. كذلك أكّد أن الاجتماع حضره جميع الوزراء، ونقل التلفزيون السوري تغطية للجلسة. وأكد الزعبي «أن سوريا دولة مؤسسات، وقيمة الأفراد فيها قيمة مضافة، والأصل هو طبيعة عمل المؤسسة، وأن هروب الأشخاص من بلدهم مهما علت رتبهم أو مواقعهم لا يغيّر ولا يؤثر في نهج الدولة السورية». وأضاف «نحن لم نسمع من رئيس الوزراء السابق شيئاً، ولم يظهر على شاشة التلفزيون ولم يقل شيئاً حتى اللحظة»، مؤكداً أنّ سوريا لديها 23 مليون مواطن، وأكثرهم يمكن أن يكون مسؤولاً، وهذا لا يتعلق فقط بالشهادة الجامعية، بل بالحس بالمسؤولية والوعي الوطني والإرادة الوطنية والسياسية. ورأى أن الهروب وترك العمل بطريقة غير مشروعة بحد ذاته كمفهوم هو هروب من المسؤولية، وتعبير عن فجوة في الوعي السياسي والوطني، ومسؤولية صاحبها كائناً من يكون، وليست مسؤولية الدولة السورية أو الشعب السوري.
ويعتبر حجاب رجل النظام والبعثي الذي تسلق المناصب في هيكليات الحزب مستنداً إلى وفائه للنظام، وكان من المقربين من الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان يعوّل على دور يؤديه في المرحلة المقبلة لكونه من القيادات السنية البعثية. وينحدر حجاب من دير الزور، بدأ نشاطه الحزبي داخل الاتحاد الوطني للطلاب السوريين بين عامي 1989 و1998 وتخرّج في الجامعة حاملاً دكتوراه في الهندسة الزراعية. وبما أنه صنّف من بين الأوفياء للحزب، عيّن عام 2008 محافظاً للقنيطرة المجاورة لهضبة الجولان المحتلة، قبل أن يعيّن محافظاً للاذقية في شباط 2011.
في المقابل، رحّب «المجلس الوطني السوري»، في بيان، بـ«انشقاق حجاب وانضمامه الى صفوف الشعب السوري وثورته العظيمة»، معتبراً أنّ هذا الانشقاق «دليل على أن ما يرتكبه النظام المجرم تجاوز كل الحدود، ولم يعد بإمكان أي سوري السكوت عنه». ورأى المجلس أن نظام الرئيس السوري «يعيش ساعاته الأخيرة»، مضيفاً «لقد سقطت كل الحجج والمبررات للبقاء في سفينة النظام المجرم، وآن أوان الاختيار بين الانتماء الى سوريا وشعبها، وبين الانحياز الى عصابة القتل والإرهاب التي تنتظر ساعة الحساب والقصاص قريباًَ».
بدورها، وصفت جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا موقف حجاب بأنّه «شجاع ويعبّر عن وطنية عالية وصدق انتماء الى الوطن والى الشعب». ودعت «كل رجال الدولة السورية في شتى مواقعهم الى المسارعة الى الانحياز الى شعبهم ودماء الأطفال في سوريا، الى مستقبل سوريا الواحدة ضد بشار الأسد والمجرمين من عصاباته». ورأت أن «البقاء في هياكل عصابات الأسد تحت أي عنوان لطخة عار في جبين كل من يقبل به».
إلى ذلك، رأى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الابيض، توني فيتور، «أن المعلومات التي تفيد بأن عدة مسؤولين كبار في نظام الاسد، بينهم رئيس الحكومة رياض حجاب، قد انشقوا، هي إشارة جديدة على أن الاسد فقد السيطرة على سوريا». وأضاف «من البديهي القول إنّ هذه الانشقاقات تطاول اليوم أعلى مستويات الحكومة السورية، وتكشف أنّ السوريين يعتقدون أن أيام الاسد باتت معدودة». وتابع فيتور «إن الطريقة الأسرع لوضع حدّ لحمام الدم ولعذابات السوريين هي في إقرار الأسد بأن السوريين لن يسمحوا له بالبقاء في السلطة».
من ناحيته، اعتبر وزير الخارجية الايطالي، جوليو تيرسي، انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب مؤشراً على أن عنف النظام السوري ضد شعبه يدفعه إلى طريق الانفجار الداخلي، آملاً أن يتنحى الرئيس السوري بشار الأسد الآن عن السلطة تجنّباً للمزيد من معاناة الشعب. ونقلت وكالة أنباء «آكي» الإيطالية عن تيرسي قوله، إن انشقاق حجاب «يظهر العزلة المتنامية للأسد حتى إزاء معظم دائرته الضيقة»، ورأى أن التطورات الأخيرة تؤكد عدم إمكان تأجيل التحول السياسي في دمشق بقيادة سوريّة، بينما قال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، في بيان، إن هذه «الأنباء تظهر مدى تآكل نظام الأسد». ولفت إلى أنّ «الأحداث تظهر كذلك ضرورة الإنهاء الفوري للعنف وإقامة حكومة انتقالية بدون الأسد».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)