تونس | بين نظام سياسي برلماني ونظام رئاسي مختلط، بدأت في تونس بوادر «حرب سياسية» بين الأحزاب في مختلف أنواعها، سواء كانت داخل «هرم السلطة الانتقالية» أو خارجه، في وقت بدأ أحد أضلع «الترويكا»، حزب «رئيس قصر قرطاج»، بالتمرد والبحث عن تحالفات جديدة. وبدأ «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي يتزعمه رئيس البلاد منصف المرزوقي، محاولة لكسر الطوق الذي فرض عليه بعد الطعنة التي وجهت للمرزوقي في ما بات يعرف بـ«قضية تسليم البغدادي المحمودي» رئيس الوزراء الليبي من أيام العهد السابق. إلى جانب ذلك هناك قضية صلاحيات الرئيس في التنظيم المؤقت للسلطة، والتي كانت أولى بوادرها استقالة وزير الإصلاح الإداري محمد عبو، «بسبب عدم منحه صلاحيات كافية لمحاربة الفساد». اللافت أن هذه الاستقالة قبلتها رئاسة الحكومة كما قبلها المرزوقي، وسط حسابات من عبو الذي أعلن أنه سيتوجه للإعداد للاستحقاق الانتخابي المقبل، بعد أن انتخب أميناً عاماً للجنة الانتخابات، وذلك بعيد «انكسار نظارات المرزوقي» (شعار الحزب خلال الانتخابات الماضية) وانشقاق «الذراع اليمنى» للمرزوقي، عبد الرؤوف العيادي وتكوينه لكتلة الوفاء للثورة.
واقع «الصلاحيات المسلوبة من رئيس الجمهورية» كان منطلقاً لنواب حزب «المؤتمر» الذي بات الضلع الأعوج في «ترويكا السلطة»، لتقود «حرباً» حول النظام السياسي المقبل. ففي حين يسعى حزب حركة النهضة إلى نظام برلماني بحت، يرفض 15 حزباً ممثلاً في المجلس التأسيسي، بما فيها «المؤتمر» و«التكتل» الشريكان في الترويكا، هذا الخيار، حسبما طرحه الحزبان في برنامجهما الانتخابي في «سباق التأسيسي».
ثمة «حرب» بدأت على مستوى «لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقات بينهما» في صلب المجلس التأسيسي، بعد عملية التصويت «المغلوطة» التي قامت بها «النهضة»، في وقت شهدت فيه جلستان لنقاش «النظام السياسي» جدلاً وتلاسناً حادّين بين نواب النهضة ونواب من المؤتمر، على مدى يومين متتاليين سبقا مؤتمر حركة النهضة.
أمّا دوافع هذا الجو المشحون في صلب اللجنة المذكورة فهي أن الجلسة التي انعقدت في 3 تموز الجاري حضرها 15 نائباً من جملة 22 نائباً، تسعة منهم من «النهضة»، حيث تم إدخال «تعديل» على برنامج الجلسة بعرض الفصل المتعلق باختيار النظام السياسي في الدستور المقبل على التصويت داخل اللجنة، رغم أنه لم يكن موجوداً في جدول الأعمال مسبقاً.
سوء النية كان حاضراً في تفاصيل تلك الجلسة. فنواب «النهضة» كغالبية من بين الحاضرين ارتأوا التصويت لصالح النظام البرلماني، وذلك بمفهوم الغالبية الحاضرة، رغم أن الأمر يتعلق بالنظام السياسي للبلاد.
أما نواب المؤتمر «المطعونون من الظهر بقضية تسليم البغدادي المحمودي»، فقد وجدوا أن هناك طعنة أخرى بانتظارهم في المجلس التأسيسي، حيث استغل نواب «النهضة» غياب سبعة أعضاء من اللجنة عن الجلسة لإمرار مشروعهم في اختيار النظام البرلماني لتونس. وهو المشروع التي تتبناه حركة النهضة وحدها وتتمسك به من دون جميع مكونات المجلس التأسيسي الأخرى.
هذه التجاذبات أخرجت الطرفين «المتحاربين» عن صمتهما، ليتواجها، وليعلن كل منهما وجهة نظره: «المؤتمر» بطوباويته يسعى لقيادة تحالف ضد «تغوّل» حركة النهضة في اختيار النظام السياسي. وقالت النائبة سامية عبو «إن النهضة تسعى إلى تكريس ديكتاتورية جديدة، لأنها تدرك تماماً مدى خطورة النظام البرلماني على تونس ومع ذلك تسعى إلى اعتماده»، مشيرة إلى أن «الانفراد بالرأي يكرّس حتماً الاستبداد».
وفي مؤشرات جديدة حول بداية اتجاه المؤتمر للبحث عن تحالفات جديدة، بيّنت عبو أن التحالف الحالي «الترويكا» لا يعد ناجحاً في ظل التفرد بالرأي.
وفي لغة تحمل الكثير من الثقة بالنفس، قال وليد البناني أحد «صقور» حركة النهضة إن الحركة أعدت مرشحها للانتخابات الرئاسية إذا ما كان النظام الذي سيقع عليه الاختيار نظاماً رئاسياً. في إشارة إلى أن الحركة أعدّت نفسها لجميع السيناريوات، للمضي قدماً في أن تبقى في السلطة رغم «أنف الجميع».
وهو ما يؤشر إلى ميلاد «ديكتاتورية ثيوقراطية» تحلم بإنشاء «كتلة تاريخية» للحكم في تونس. هذا ما تسعى إليه «النهضة» الآن، بالبحث عن تحالفات جديدة كانت إلى وقت قريب ترفضها، مع اقتراب موعد «فض التحالف» مع «المؤتمر»، وهو ما كانت ترفضه الحركة إلى وقت قريب قبل شهر حزيران الماضي. لكن يبدو أن مبدأً أساسياً قد انقلب من مبادئ الحركة التي تريد التوجه إلى إقامة «توافق» وطني و«حكومة وفاق وطني»، حسبما قال «أميرها» راشد الغنوشي، خاصة بعد أن فشل هذا «التحالف» في تسيير شؤون الدولة.