دمشق | يصعب الوصول إلى العاصمة دمشق. في محطة انطلاق «السومرية»، احتشد عدد كبير من الموظفين والمواطنين في محاولة يائسة للوصول إلى مراكز عملهم في قلب دمشق، فوسائل النقل المختلفة خفّ وجودها. بعيداً عن محطة السومرية، شوهدت بوضوح سحب كثيفة من الدخان الأسود، فوق الضواحي الجنوبية للعاصمة، مثل التقدم، والميدان، والتضامن، ونهر عيشة، كما في الطرف الآخر، أيضاً، مثل برزة، والزاهرة، وأطراف مخيم اليرموك ومخيم فلسطين، والحجر الأسود. هذا المشهد يحذّر المتوجّه نحو هذه المناطق من الرعب والموت الذي ينتظره. «ربما هي الليلة الأعنف منذ بداية الأحداث حتى الآن. لم يهدأ صوت الرصاص دقيقة واحدة، وهزت أصوات التفجيرات المتلاحقة جدران منزلي، قضيت هذه الليلة في الحمام مع زوجتي وأطفالي الثلاثة، خوفاً من انهيار السقف علينا»، يخبرنا أبو نزار القاطن في منطقة الزاهرة، بعد أن قطع مسافة 5 كيلومترات سيراً على الأقدام، ليستقل حافلة توصله إلى مكان عمله وسط دمشق، «هناك عناصر ووحدات من الجيش الحر، تفرض نفسها بقوة السلاح على المناطق الفقيرة، وتجبر السكان على الانصياع لأوامرها»، يضيف الموظف الخمسيني. ويتابع حديثه واصفاً الحالة الإنسانية السيئة، التي يعيشها سكان المناطق التي شهدت في الأيام الماضية مواجهات عنيفة بين وحدات الجيش والأمن السوري وعناصر الجيش الحر، «حالة نزوح كبيرة، الجميع يحاول الهرب من المنطقة، حاملاً معه حاجيات أطفاله الصغار، وبعض الأمتعة، في صورة تذكرنا بما كنا نشاهده في البرامج الوثائقية، للاجئين الفلسطينيين عام 1948، أو مشاهد من اجتياح بيروت عام 1982». التصعيد الأمني الكبير التي تشهده العاصمة دمشق، وبعض المناطق والضواحي المحيطة بها، توقعته الأوساط الشعبية، بعد وصول عناصر من «الجيش الحر» إلى وسط العاصمة، واشتباكهم مع وحدات من الجيش السوري في مناطق مختلفة، مثل القصور، وساحة العباسيين، ومنطقة التجارة، والمزة وغيرها. مما تطلب تدخلاً حازماً وسريعاً، للقضاء على جميع هذه المظاهر والتجاوزات، خوفاً من انتقال مظاهر التسلح وأعمال العنف والمواجهات المسلحة، إلى مناطق أكثر حساسية و«سيادية» تمسّ هيبة النظام.
في «معركة دمشق.. أو ساعة الحسم»، كما يسمي السوريون، اليوم، الأحداث والمواجهات الدائرة في عاصمتهم، شوهدت الطائرات المروحية للمرة الأولى، تحلّق فوق الميدان، وبرزة البلد، ويلدا، ونهر عيشة، بينما على الأرض، دخلت دبابات ومدرعات الجيش السوري في عمق أضيق الشوارع والأزقة. «إنها المعركة الحاسمة والنهائية، من يخرج منتصراً على الطرف الآخر، يكسب المعركة نهائياً»، يقول عماد، الموظف الحكومي، من سكان منطقة برزة البلد، التي عاشت بدورها ليلة مروعة، على أصوات القنابل، والأعيرة النارية المختلفة كما هي الحال مع بقية المناطق المحيطة بدمشق. «لا أعرف كيف تمكنت من الوصول إلى مكان عملي اليوم، الرصاص كان يتطاير في كل مكان، للمرة الأولى نشاهد عناصر من الجيش الحر في وضح النهار، وبشكل علني»، يضيف عماد.
لا فرق الآن بين ليل دمشق ونهارها، كل شيء فيها يتراقص رعباً على أصوات القذائف والرصاص، وطغت رائحة البارود والدماء على رائحة ياسمينها. أما سكانها فهم منهمكون في البحث عن مكان آمن، يقيهم خطر رصاصة طائشة، أو قذيفة ضلت سبيلها، لتسقط فوق رؤوسهم. ربما هذا ما يفسر حركة النزوح المدنيين المستمرة، إلى داخل مخيم اليرموك من المناطق المحيطة به، التي تشهد عمليات قصف وإطلاق نار متبادلة، يصعب على ساكن تلك المناطق تحديد مصدرها.
«دائماً وأبداً، وفي الحرب والسلم، من يدفع ثمن جميع النزاعات المسلحة، أو غير المسلحة، هم نحن الفقراء، الذين غادرنا بيوتنا حفاة عراة، لنترقب موتنا، أو قصف منازلنا بقذيفة صديقة، أو من الطرف الآخر لا فرق، لأن النتيجة واحدة..»، يخبرنا أبو منذر (43 عاماً)، عامل البناء والأب لأربعة أطفال، الذي استأجر منزل صديقه في مخيم اليرموك، والذي توقع أيضاً أن يشهد المخيم بدوره استمرار حالة الغليان والغضب الشعبي بنحو غير مسبوق، بعد وصول أخبار عن مقتل شابين فلسطينيين برصاص القنص المتبادل على أطراف المخيم.
في السياق، قال وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، أمس، إن قوات الأمن تصدت لمقاتلين تسللوا إلى دمشق، وأجبرت كثيرين منهم على الفرار. وأضاف أن بعض المقاتلين استسلموا، وفرّ الآخرون على أقدامهم أو في سيارات وأطلقوا النار في الهواء لترويع المواطنين.
من ناحيته، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن تواصل الاشتباكات بين القوات النظامية و«الجيش الحر» في دمشق متنقلة بين أحياء العاصمة، وتترافق مع عمليات قصف تستخدم فيها المروحيات. وقتل 35 شخصاً في اعمال عنف في مناطق مختلفة في سوريا، أمس، معظمهم في دمشق. وهم 16 مدنياً و14 عنصراً من القوات النظامية وخمسة مقاتلين معارضين، بحسب المرصد. وأكد مصدر رسمي سوري أن القوات النظامية دخلت حيّ التضامن حيث «لا تزال هناك بعض الجيوب» التي يجري تنظيفها. وأشار المصدر الى مقتل «33 ارهابياً واصابة 15 آخرين بجروح وتوقيف 145 منهم».
إلى ذلك، أعلن «الجيش السوري الحر» أنه أسقط مروحية تابعة للجيش النظامي في حي القابون في دمشق، مؤكداً انطلاق «معركة دمشق»، فيما تمكن المقاتلون المعارضون من الاستيلاء على كل مواقع القوات النظامية عند مداخل مدينة تلبيسة في محافظة حمص، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
بدورها، دعت جماعة الاخوان المسلمين في سوريا، أمس، السوريين الى مساندة معركة دمشق، التي وصفها، بيان صادر عنهم، بـ«اللحظة التاريخية» و«المعركة الفاصلة».