دمشق | يقف الحظ العاثر في وجه السوريين، ويتسلل اليأس إلى قلوبهم يوماً بعد يوم، ويبدو أن نسبة كبيرة منهم صارت تقف على حافة اليأس، بعدما عجزت جميع الأطراف عن إيجاد حلّ لا تفوح منه رائحة الطائفية، أو يطغى عليه صوت الرصاص، ومشاهد الجثث المغرقة بالدم. أصبح المواطن السوري في رحلة يومية شاقة لمحاولة تحصيل الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية، دون أن يغيب عن مخيلته شبح الموت، الذي يخيّم على معظم المناطق السورية، حتى في قلب العاصمة دمشق.
وسط كل ذلك، يسمع المواطن المغلوب على أمره وعوداً بـ«ساعة الصفر»، يطلقها «الجيش السوري الحر»، وردّ من النظام بحسم قاطع، دون توقف مسيرة الإصلاح الموعودة. وهذه الأخيرة أنجبت، أول من أمس، حكومة جديدة يرأسها شخص يُشهد له بالنشاط الميداني الواسع، لكن حوارات سريعة مع بعض المواطنين السوريين تكشف عن تفاؤل جزئي يعتري قلة منهم. فإحدى الطبيبات، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، تقول لـ«الأخبار»: «شعرت بأن بعض هؤلاء الوزراء ربما يقدمون شيئاً للبلد، وخاصة أنني أعرف فكر رئيس الحكومة الدكتور رياض حجاب، ومدى ثقافته وتماسه المباشر مع الناس، لكن التفاؤل لن يدوم سوى لحظات ليطيحه تشاؤم حاد لدى معظم أفراد أسرتي لانعدام ثقة الناس بأي مسؤول سوري، وخاصة أن الأزمة تسير نحو التصعيد والتسليح». أما على صعيد القطاع الصحي، فتكشف الطبيبة بأن «مجال عملها مسرح موغل في الأخطاء، لن تتمكن عدة حكومات متلاحقة من إصلاحه جذرياً لأن الفساد مستشر بقوة، والمشكلة قديمة تحتاج إلى وقت طويل حتى يمكن حلها».
ويبدو أن الشعور بفقدان الأمل هو السمة الملازمة لتشكيل الحكومة الجديدة عند أشخاص كثر، «لأن الطريق بات مسدوداً»، حسبما يقول المستثمر السوري جهاد قاسم، في حديثه مع «الأخبار». ويضيف: «أعتقد أن فكر النظام السوري لم ولن يتغير بالتعاطي مع إدارة المجتمع. فمنذ أكثر من أربعين سنة، لم يفكر النظام وحكوماته بإدارة تنموية ترتقي بالمواطن والمجتمع. بل ركّزوا على الاستثمارات الوهمية الخارجية، أو خصخصة بعض القطاعات». ويضيف: «كل هذه الاستثمارات لا يستفيد من مدخراتها المواطن العادي، بل تعود بالربح على الفاسدين من التجار والمسؤولين». بدوره، يروي صديق قاسم، وهو محام، أن المواطن السوري، رغم كل ما يحيط به من صراع دولي مقيت، هو الحلقة الأضعف، وهو الورقة التي تحرقها الحكومات، وتعلّق عليها كل أخطائها، فالمشكلة ليست بتغيير الوجوه والأسماء، بل في تغيير التعاطي مع المواطن بالنظر إليه وحلّ كل مشاكله كأولوية. ويخلص المستثمر السوري وصديقه المحامي إلى نتيجة واحدة، أنه «لا أحد ينظر إلى الحكومة الجديدة على أنها حكومة مصباح علاء الدين أو العصا السحرية، لكن الجميع يتفق على الحاجة الماسة إلى صحوة ضمير، ولو مؤقتة، عند بعض مسؤولي الدولة، الذين أصبحوا من أثرياء الشرق لأنهم امتهنوا سياسة ترديد الشعارات والمتاجرة بالقضايا».
بينما يغضب عماد، وهو سائق أجرة، عند سؤاله عما ينتظره من الحكومة الجديدة، ويقول: «الشعب السوري ليس هو من وقّع الاتفاقيات والمعاهدات، ولم يهدِ القصور لأمراء الخليج، ولم يبع المواقف ولم يفتح الحدود للمرتزقة والإرهابيين. الشعب السوري فقط كان ولا يزال يحلم بأن يعيش بكرامة على أرضه». ويضيف «إن كان هؤلاء الوزراء هم فعلاً أبناء الشعب السوري، عليهم أن يصلوا الليل بالنهار حتى يعيدوا الأمن إلى بلدهم وينهوا الأزمة».
على المقلب الآخر، لا يختلف رأي «من امتهنوا السياسة» عن رأي عامة الناس، فالمعارض السوري فاتح جاموس يشير في تصريحه لـ«الأخبار» إلى أن «تشكيل الحكومة قد يعود بالنفع على فئات معينة من الشعب السوري تكون مستفيدة من بعض الوزراء». لكن المؤكد، بحسب جاموس، «أن الحكومة الجديدة لن تقدم شيئاً إيجابياً على صعيد الأزمة السورية، بل ستساهم في زيادة حدة الأزمة، وخاصة أن هناك أطرافاً معارضة كالجبهة الشعبية، نأت بنفسها عن التعاطي مع التيارات الشعبية التي صنعتها، ثم تحالفت فعلياً مع النظام، وتجاهلت المفهوم الحقيقي للمعارضة. من جهة ثانية، يلفت جاموس إلى أن الحكومات في سوريا يديرها القصر الجمهوري، «لذلك، فإن الحكومة لن تقدم أي فائدة حقيقية لحلّ الأزمة السياسة الاستثنائية والخطيرة بسبب غياب الدعوة الحقيقة إلى الحوار».