القاهرة | منذ أن صدرت الأحكام في القضايا التي حوكم على أساسها كل من الرئيس المخلوع حسني مبارك، ونجليه علاء وجمال، ووزير الداخلية السابق حبيب العدلي، إلى جانب 6 من كبار مسؤولي الوزارة، والأحداث لم تنته. المصريون عادوا إلى الميادين من جديد إيذاناً بتراجع عقارب الساعة إلى الوراء وبدء ثورتهم من جديد. أما المجلس العسكري الحاكم وأعوانه، فهم تماماً مثل مبارك، لا يتحركون إلا استجابة للضغط.
ففي الوقت الذي احتشد فيه مئات الآلاف في ميدان التحرير وباقي ميادين مصر للمطالبة بتطبيق قانون العزل السياسي على أعوان النظام السابق، رافضين نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي حصرت رئيس مصر بعد الثورة بين مرشح الجماعة محمد مرسي أو مرشح الفلول أحمد شفيق، استجابت أخيراً المحكمة الدستورية العليا، وأعلنت أنها ستفصل في مدى دستورية قانون العزل، يوم الخميس المقبل، أي قبل يومين من بدء جولة الإعادة المقررة في 16 و17 حزيران. ولم تكتف المحكمة، التي يترأسها المستشار فاروق سلطان، رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية الذي سبق وأحال «العزل» إليها ورفض تطبيقه على شفيق بدعوى أنه غير دستوري بذلك، بل حددت المحكمة الجلسة نفسها للنظر في مدى دستورية قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى من عدمه. وهو القانون الذي سبق وأكدت إحدى المحاكم العليا في مصر أنه غير دستوري، ما ينذر في حال تأييد المحكمة الدستورية العليا للحكم بحلّ مجلسي الشعب والشورى ودخول البلاد في مرحلة انهيار دستوري. وهو ما حاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة التمهيد له، باتخاذ قرار بانتزاع صلاحيات أعضاء البرلمان بغرفتيه شعب وشورى، في انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية المخولة بكتابة الدستور. وأمهل المجلس الأحزاب والقوى السياسية 48 ساعة، تنتهي ظهر اليوم، للتوصل إلى المعايير النهائية لاختيار أعضاء التأسيسية والاتفاق بشأن تعديل المادة 60 من الإعلان الدستوري، والخاصة بتشكيل «اللجنة التأسيسية للدستور». ويتضمن التعديل تشكيل اللجنة من دون الرجوع إلى مجلس الشعب، قبل إقدام العسكري على إصدار إعلان دستوري مكمل يحدد معايير اختيار من سيتولون كتابة دستور البلاد. وهو ما رد عليه رئيس مجلس الشعب، محمد الكتاتني، بالتأكيد أن «سلطة التشريع انتقلت من المجلس العسكري إلى مجلس الشعب، بمجرد انتخابه». ونبّه إلى أن «أي قانون أو إعلان دستوري سيصدره العسكري باطل». إلا أن الأخير لم يلتفت إلى الأمر، ولا سيما أن حل مجلسي الشعب والشورى أصبح أمراً ليس ببعيد بفضل قرار الدستورية.
من جهتهم، أبدى فقهاء القانون الدستوري استغرابهم من قرار الدستورية. ووفقاً لرئيس محاكم القضاء الإداري السابق، المستشار عادل فرغلي، فإن «المحكمة الدستورية العليا تتحايل على المتظاهرين وتحاول إسكاتهم بتحديد جلسة للنظر في القضيتين اللتين ينتظرهما الجميع». وتساءل فرغلي «هل بإمكان المحكمة أن تستمع إلى كل الخصوم ودفاعهم، وتحجز القضيتين للحكم، ثم تقوم بالمداولة وتفنيد الدفوع في يوم واحد؟». وطالب الدستورية بالكشف عن الأسباب التي جعلتها تتراجع عن قرارها الذي اتخذته منذ أربعة أشهر، بعدم الاستعجال في الفصل في الدعويين. وأكد أن الموعد الذي حددته الدستورية العليا للإعلان عن قرارها يؤكد أن لديها حكماً مسبقاً بعدم دستورية قانون العزل السياسي وعدم إبعاد شفيق عن الانتخابات الرئاسية.
في هذه الأثناء، أغلق المرشح الرئاسي الخاسر، عبد المنعم أبو الفتوح، الباب أمام احتمال تشكيل مجلس رئاسي مدني، وهو المخرج الذي اعتبره كثير من المصريين القشة التي تنقذهم من الغرق في ظلمات تولي مرشح الإخوان أو مرشح الفلول رئاسة البلاد. أبو الفتوح قال خلال حديث تلفزيوني «تم تأجيل مناقشة فكرة المجلس الرئاسي المدني، لأننا وجدناه غير عملي الآن ولم يتم الاتفاق عليه، رغم ما صدر من بعض الأطراف من تصريحات». وأضاف «المطالبة بمجلس رئاسي مدني كانت في محاولات مبكرة قبل الانتخابات، إلا أنها لم تنجح. أما المطالبة بها الآن فلا محلّ لها من الإعراب. ومن الطبيعي أن ينشأ مجلس رئاسي مدني من الميدان وليس باتفاق وقرار 3 أفراد اجتمعوا معاً». ولفت إلى أنه يعمل على إسقاط أحمد شفيق في جولة الإعادة، لكنه أكد أنه يجب على مرشح الجماعة أن يقدم خطوات عملية لطمأنة الناس. وفي الوقت الذي واصل فيه متظاهرون اعتصامهم بميدان التحرير، لليوم الخامس، اعتراضاً على حكم محكمة الجنايات ضد مبارك ورجال حكمه، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط أخباراً تفيد عن تدهور حالة الرئيس المخلوع الصحية ودخولها مرحلة الخطر. وأشارت إلى استعدادات وزارة الداخلية لنقل مبارك من مستشفى سجن طرّة إلى أحد المستشفيات التابعة للقوات المسلحة، وهو الأمر الذي أقرّه النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، الذي وافق أمس على نقل مبارك من مستشفى السجن إلى أي مستشفى تتوافر فيه الأجهزة الطبية المناسبة لحالته الصحية.
النائب العام، المحسوب على نظام مبارك، والذي حمّله القانونيون مسؤولية براءة الرئيس المخلوع ووزير داخليته ومساعديه من تهمة قتل المتظاهرين، لعدم تقديمه أدلة كافية تثبت أن شهداء ثورة «25 يناير» قتلوا برصاص الداخلية، برر تفويضه لوزير الداخلية في اتخاذ كل ما يراه مناسباً تجاه صحة مبارك، ولو استدعى الأمر إعادة مبارك الى جناحه في المستشفى العالمي، بتقرير صادر عن لجنة طبية تابعة لوزارة الداخلية يؤكد أن حالة مبارك الصحية في مرحلة حرجة وخطيرة.