نشر «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» التركي، دراسةً عن المنطقة الآمنة في سوريا تقع في نحو 25 صفحة، وتستعرض تحديداً أهداف إقامة منطقة تركية آمنة في سوريا، والمخاطر الناجمة عن ذلك، لينتهي مُعِدّ الدراسة، أويتون أورهان، بوضع خريطة لأربعة اقتراحات بمناطق آمنة «أ» و«ب» و«ج» و«د»، مُرفقة بتقويم لإيجابيات وسلبيات كل منطقة محتمَل أن تُعلَن «آمنة» داخل الأراضي السورية، لتحمل الدراسة طابع النصح للحكومة التركية من منطلق المصلحة التركية الوطنية، إذا قرّرت أنقرة خوض مغامرة عسكرية.
يستهلّ أورهان بحثه، المرفَق بالخرائط السورية، بالتشديد على أن فهم الأهداف المتوخّاة من إقامة منطقة آمنة يفيد بتقدير أين وكيف ستُنشأ منطقة آمنة تركية على الحدود مع سوريا. وفي تقديمه لموضوعه، يشير الكاتب إلى أنه أمام قرار عدم التدخُّل عبر ضربة عسكرية خارجية، يُطرَح خياران: إما إقامة منطقة آمنة تركية، أو تسليح المعارضة السورية، بما أنه «من شبه المستحيل أن يتراجع أي من المعسكرين عن مواقعهما، بالتالي سيستمرّ النزاع إلى أن ينتصر النظام أو المسلحون المعارضون له». ويوضح معِدّ التقرير أنه «انطلاقاً من أن القوة غير متكافئة حالياً بين الطرفين، من الصعب جداً تغيير نظام الرئيس بشار الأسد من دون خطوات عسكرية أجنبية (يندرج خيار المنطقة الآمنة في خانتها)، أو تقديم دعم عسكري خارجي للمسلحين المعارضين». ويسيطر على جوّ الدراسة تحذير دائم من أن خيار المنطقة الآمنة «قد يسبب حرباً بين الدولتين»، وبالتالي يجب أن يُنظر في عدة معايير لاختيار الأرض الملائمة لتستضيف المنطقة الآمنة المحتملة، كالتوزيع الإثني والديني والمذهبي للسكان في المناطق الحدودية مع تركيا، إضافة إلى العلاقة القائمة بين سكان هذه المناطق والنظام السوري، ونظرة سكان هذه المناطق إلى تركيا، وطبيعة علاقتهم معها ومقاربتهم لخيار المنطقة الآمنة، فضلاً عن وجود (أو انعدام وجود) تنظيمات (وخصوصاً حزب العمال الكردستاني أو ما يدور في فلكه) في هذه المناطق قد تشكّل تهديداً ضدّ تركيا، من دون نسيان الطبيعة الجغرافية لتلك المناطق.

المنطقة الآمنة للحلّ السياسي

بعد تعداد الأسباب التي تحول دون قدرة المنشقين والمسلحين المعارضين على تشكيل ميزان قوى في وجه الجيش النظامي، وجزمه بأن إمكانات التسلُّح من دول الجوار لا تزال محدودة، يلفت أورهان إلى وجود خيارين لا ثالث لهما للتخلص من نظام الأسد: تسليح المعارضة، وهو ما ترفضه واشنطن وباريس لكونهما لا تعرفان مَن يدير المعارضة، وما سيكون مشروعها السياسي، على حد تعبيره، ليبقى الخيار الثاني، وهو إقامة منطقة آمنة. ويذكّر الكاتب بأن الشرط الوحيد الذي سيجعل تركيا بغنىً عن الشرعية الدولية لإقامة منطقة آمنة، هو أن يمس الوضع بالأمن التركي، أي أن يصل عدد اللاجئين السوريين إلى أرقام ترى أنقرة أنها باتت لا تحتمل. وانطلاقاً من المصلحة التركية، يرى أورهان أنّ المكاسب التي قد يأتي بها خيار المنطقة الآمنة، تتمثّل بالسماح لمسؤولين وكوادر من النظام باللجوء إلى تلك المنطقة، «من ضباط جيش واستخبارات وسياسيين وبيروقراطيين ممن لم ينشقوا بعد لأسباب أمنية». هكذا، من شأن المنطقة الآمنة أن «تخلخل النواة الصلبة للنظام». فضلاً عن ذلك، «لن يكون ممكناً تنظيم الجيش المعارِض من دون منطقة آمنة، بالتالي إنشاء هذه المنطقة سيكون العامل الذي سيسمح بتنظيم المسلحين، عندها، ستزول العقبات الحالية التي لا تزال تحول دون تسليحهم». ويتابع أورهان قائلاً إنه «مع إنشاء المنطقة الآمنة، سيضطرّ النظام السوري إلى التخلّي عن استراتيجيا شراء الوقت والمماطلة، وقد تكون هذه المنطقة العنصر الأهم في إيجاد حل سياسي سلمي ديموقراطي للأزمة السورية». أكثر من ذلك، «من شأن المنطقة الآمنة أن تحمي الأراضي التركية من خطر «أعمال ارهابية»».
هذا من ناحية الأهداف العملية، أما السؤال الثاني الأهم، فيبقى معرفة أين يمكن إقامة هذه المنطقة الآمنة؟

... إلّا اللاذقيّة

قبل أن يبدأ أورهان في تحديد المناطق الآمنة المحتملة، يقدّم جردة بتركيبة وجغرافيا وديموغرافيا المحافظات السورية المحاذية للحدود التركية حيث يمكن أن تقام المنطقة الآمنة، والأهواء السياسية لسكانها. يبدأ باللاذقية حيث يعيش التركمان السوريون في القرى الساحلية منها، تلك الواقعة على عمق نحو 70 كيلومتراً من الشريط الحدودي، «وهذه القرى منتشرة بين القرى العلوية»، بينما الشق الداخلي من اللاذقية تقطنه قرى سنية «وهناك انعدام للثقة بين السنّة والعلويين والتركمان في هذه المنطقة». ووفق المصدر نفسه، التركمان في اللاذقية معارضون للنظام، لكنهم لا يزالون هادئين؛ لكونهم يعيشون في اللاذقية حيث النظام قوي، والعلويون هم الغالبية. وفيما تبدو اللاذقية «منطقة مخاطرها منخفضة لإقامة منطقة آمنة فيها، لكون التركمان يعيشون في المنطقة الحدودية، إلا أنها تحمل مخاطر عديدة بما أنّ النظام لا يزال قوياً جداً فيها، وهي شديدة الأهمية بالنسبة إليه، إضافة إلى أن المناطق التي يقطنها تركمان مختلطة أو مجاورة لقرى العلويين، ما قد يجعل المنطقة الآمنة هناك عرضة للاعتداءات». أضف إلى ذلك أن الطبيعة الجغرافية للاذقية «ليست مناسبة لإقامة منطقة آمنة من ناحية السيطرة العسكرية عليها، بما أنها منطقة حرجية جبلية». ويعود أورهان إلى الماضي حين احتضنت هذه الجبال، التي تُعتبر امتداداً لجبال أمانوس، مخيمات حزب العمال الكردستاني، ولا تزال المخاوف موجودة من استخدام هذه المنطقة لعبور «العمال الكردستاني» من سوريا إلى تركيا. في المقابل، لدى هذه المنطقة من ناحية احتمال إقامة منطقة آمنة فيها، قدرة على فتح المجال البحري للمساعدات الإنسانية غير الخاضعة للسيطرة السورية، بالتالي فهذا «عامل أساسي لنجاح المعارضين». لكن، من جهة أخرى، «من شأن المجال البحري أن يضع المعارضة السورية، والمنطقة الآمنة، خارج السيطرة التركية». فضلاً عن ذلك، «إذا استغل النظام المشاكل بين العلويين والسنّة العرب والتركمان، فإنّ نزاعاً مسلحاً كبيراً يصبح ممكناً». ويخلص أورهان إلى أنه «من ناحية إيجابيات اللاذقية من وجهة نظر المنطقة الآمنة، أنها قادرة على الحؤول دون نزاعات مسلحة بين العلويين والسنّة».
ينتقل الكاتب إلى إدلب ذات الغالبية السنية الساحقة، مع بعض القرى التركمانية، وهواها السياسي مؤيِّد للمعارضة السورية. بحسب أورهان «تؤيّد الغالبية السكانية إقامة منطقة آمنة في إدلب، إضافة إلى أن المنطقة الحدودية بين إدلب وتركيا مؤلفة من مناطقة حرجية وجبلية بنسبة أقل من اللاذقية. في المحصلة، إدلب هي المنطقة الأفضل من ناحية السيطرة العسكرية عليها، وهي توفّر القدرة الأفضل للمعارضة السورية لتنظّم نفسها».
من إدلب إلى حلب وسكانها المختلطين من عرب سنّة ومسيحيين وأكراد وتركمان وأرمن وعلويين. ووفق الكاتب، مواقف هؤلاء من الحراك في سوريا منقسمة على النحو الآتي: السنّة العرب المنتفضون لا يزالون محصورين في الريف، أما المسيحيون العرب والأرمن فهم موالون للنظام مثلما هو الوضع في كل سوريا، أو بأحسن الأحوال حياديون، بينما التركمان معارضون للنظام، في مقابل انعدام فاعلية المشاركة الكردية في الحراك الشعبي. ويخلص إلى أن القرى والبلدات الحلبية المنتشرة على الحدود مع تركيا يقطنها عرب سنّة وأكراد وتركمان، وهو ما يُرجِّح الكفة لإقامة منطقة آمنة فيها. في المقابل، يحذّر من أنّ حدود حلب مع تركيا، وهي عبارة عن 3 بلدات من الجهة السورية، هي الميدان وإقبيز وأزاز، هي منطقة «خطيرة جداً لناحية التفكير في إقامة منطقة آمنة فيها، وذلك لأنّ سكان تلك المنطقة لا يحبّذون ذلك الخيار، ولأن حزب العمال الكردستاني فاعل في هذه المنطقة ــ المثلث، فضلاً عن أن طبيعة تلك المنطقة جبلية وحرجية».
أما السكان الأكراد في حلب، فهم «ينظرون إلى خيار إقامة منطقة آمنة في حلب كتهديد مباشر لهم». لكن، من الجهة التركية، يرى البعض أن إقامة منطقة آمنة في هذا المثلَّث حيث ينشط «العمال الكردستاني»، ستكون «فرصة لعرقلة فعالية العمال الكردستاني».
المنطقة الحدودية الأفضل في حلب، من وجهة النظر التركية لتحتضن منطقة آمنة، هي تلك الواقعة بين أزاز وجرابلس، بما أنّ الغالبية السكانية فيها من العرب السنّة والتركمان، «ولأن المعارضة قوية في هذه المنطقة». أضف إلى ذلك أن هذه المنطقة يسهّل وصول اللاجئين إليها، لأنها قريبة من مناطق التمركز السكاني الكثيف. لكن «مشكلة هذه المنطقة أن جغرافيتها المسطحة لا تسمح للمعارضة المسلحة بأن تنظم نفسها فيها».
بالاتجاه إلى الرقة، يتوقف أورهان عند الغالبية السنية العربية التي تقطن شريطها الحدودي، إضافة إلى أقلية تركمانية وكردية، مع التشديد على أن البنية العشائرية في هذه المنطقة لا تزال قوية جداً، ويلفت إلى أنه «إذا أُقيمَت منطقة آمنة على الحدود مع الرقة، فقد ينقلب موقف عدد من العشائر لتصبح ضد النظام السوري»، جازماً بأن هناك أكراداً في غرب المحافظة، إلا أن فعالية «العمال الكردستاني» ضعيفة جداً في أوساطهم. «من السهل السيطرة عسكرياً على هذه المنطقة؛ لأنها مسطَّحة وصحراوية، غير أن المشكلة الأكبر هي أنه يصعب وصول اللاجئين إلى هذه المنطقة والعيش فيها، بالتالي فلن تعطي إقامة منطقة آمنة هناك النتائج المرجوّة، لكونه يجدر عبور نهر الفرات للوصول إلى الجزء الشمالي من الرقة بالنسبة إلى الآتين من المحافظات الأخرى.
أما الحسكة، التي يقطنها أكراد ومسيحيون وأرمن وعشائر عربية سنية (جبور وشمّر)، فهي مصدر خطر كبير على تركيا؛ إذ إن الغالبية السكانية التي تقطن المنطقة الحدودية مع تركيا هي من الأكراد الذين «لا يحبّذون أبداً فكرة إقامة منطقة آمنة تركية في سوريا، رغم أن عدداً كبيراً منهم معارضون لنظام الأسد». كذلك يحذّر أورهان من وجود خوف جدي من اندلاع معارك دموية بين العشائر العربية والسكان الأكراد في الحسكة إذا طرأ أي فراغ أمني أو سياسي في البلاد أو في المحافظة. ولا يفوت معِدّ تقرير «أورسام» التركيز على أن «الصراع على أشدّه بين كل من حزب الاتحاد الوطني، (الذي يُعتبَر بمثابة الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني)، والحزب الديموقراطي الكردستاني (البارتي)» الذي يتزعمه فعلياً رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، «لاستمالة الأكراد السوريين، بالتالي، فإنّ جماعة البرزاني (البارتي) قد يؤيدون اتجاه تركيا لإقامة منطقة آمنة في الحسكة أو في مكان آخر في سوريا للقضاء على نفوذ العمال الكردستاني في أوساط أكراد سوريا». وفي السياق، «سيكون مناسباً لتركيا إعطاء منطقة الحسكة لنفوذ البرزاني إذا قررت ضم الشريط الحدودي الذي يمر في الحسكة إلى المنطقة الآمنة». لكن في المقابل، يحمل ذلك محاذير بالنسبة إلى أورهان؛ لأن تركيا بذلك «قد تنشئ بنفسها إقليماً عراقياً شمالياً جديداً على حدودها مع سوريا، وسيكون حفظ توازن القوى القائم بين سكان الحسكة من العرب والأكراد مصلحة تركية بهدف الحفاظ على استقرار الحسكة». نصيحة أخرى يقدّمها أورهان في هذا المجال: على الأتراك التنبُّه من أن إقامة منطقة عازلة تضم الشريط الحدودي في الحسكة، قد يخلّ في العلاقات الدقيقة بين العرب والأكراد. أصلاً، «قد يؤثر ذلك سلباً على نظرة السنّة العرب إزاء تركيا».

4 مناطق آمنة ممكنة

يقترح الكاتب عدّة أفكار لمناطق آمنة، لكل منها إيجابيات ونقاط ضعف بالنسبة إلى المصلحة التركية. النوع الأول من هذه المناطق هو خيار «آمن» بالنسبة إلى تركيا، لكن فوائده في تأدية الوظيفة المطلوبة من المنطقة الآمنة، تبقى غير كاملة. ممكن إقامة منطقتين آمنتين «أ» تستثنيان محافظتي الحسكة واللاذقية والأجزاء «الحساسة» من محافظة حلب. تمتدّ المنطقة الآمنة الأولى على كامل الشريط الحدودي لمحافظة إدلب، والثانية عبارة عن خطّ طويل يبدأ من جنوب مدينة كيليش التركية الحدودية في الشق الشمالي من حدود حلب مع تركيا، لتعبر كامل الشريط الحدودي لحلب وتصل إلى الشريط الحدودي للرقّة للتوقف عند حدود محافظة الحسكة. هاتان المنطقتان الآمنتان ستكونان الخيار الأكثر أمناً بالنسبة إلى أنقرة، وفق كاتبنا. ويوجز أورهان «حسنات» هذين الشريطين الحدوديين على النحو الآتي:
ــ المخاطر من تعرُّض هاتين المنطقتين الآمنتين لتهديدات من سكان المنطقة في مستواها الأدنى. ــ تسمح هذه المنطقة بلجوء أعداد كبيرة من السكان إليها بما أنها مستوية ومسطّحة. ــ كلفة العمليات العسكرية في هاتين المنطقتين ستكون منخفضة. ــ بمجرد أن المنطقة الآمنة لن تضم اللاذقية التي يعدّها النظام شديدة الأهمية، يمكن الافتراض أنّ التهديدات بأن ينفّذ الجيش السوري هجمات على المنطقة الآمنة ستبقى في مستواها الأدنى، من دون أن ينفي ذلك وجود التهديد بجميع الأحوال. ــ بما أن هاتين المنطقتين الآمنتين ستكونان قريبتين من المناطق الساخنة، فإنّ ذلك يعني أن أعداداً كبيرة من السوريين سيتشجعون للانشقاق عن النظام واللجوء إليها.
أما سلبيات هاتين المنطقتين، بحسب الكاتب، فتبقى كبيرة:
ــ لا تضم هاتان المنطقتان منفذاً بحرياً بما أن اللاذقية لا تدخل فيهما. ــ بما أنّ هاتين المنطقتين لا تضمّان مناطق سكنية مختلطة بين العلويين والسنّة العرب والأكراد والتركمان، فإنّ وظيفة هاتين المنطقتين في الحدّ من النزاعات المذهبية والإثنية ستكون ضعيفة. ــ رغم أن الشريط الحدودي لمحافظة الرقة لا يزال آمناً نسبياً، لكن نقطة ضعفه الرئيسية تبقى أن هذه المنطقة يصعب الوصول إليها من قبل اللاجئين أو الراغبين في الانشقاق مع عائلاتهم. ــ لا تحوي هاتان المنطقتان المحتملتان أماكن نفوذ لحزب العمال الكردستاني، وبالتالي فلن تؤدّيا وظيفتهما في كسر قوة «العمال الكردستاني» أو فرعه السوري (الاتحاد الوطني).
الصنف الثاني من المناطق الآمنة «ب»، يتألف من 3 مناطق تستثني الحدود التركية مع محافظات الرقة وإدلب وأجزاء كبيرة من الحدود مع حلب، ويرى الكاتب أنها ستكون المنطقة الآمنة التي تحمل أكبر قدر من المخاطر. المنطقة الأولى تضم جزءاً كبيراً من الشريط الحدودي الساحلي والداخلي حتى لمحافظة اللاذقية، والثانية تُقام عند مثلث ميدان ــ إقبيز ــ أزاز عند حدود تركيا مع محافظة حلب، وهي منطقة حامية مختلطة إثنياً وينشط فيها حزب العمال الكردستاني، والمنطقة الثالثة الأخيرة تغطّي الجزء الأكبر من الحدود التركية مع محافظة الحسكة ذات الكثافة السكانية الكردية.
أولى حسنات هذه المناطق الآمنة «ب» هي أنها تمتلك منفذاً بحرياً (اللاذقية)، وبالتالي سيكون وصول المواطنين السوريين والمعارضين الناشطين إليها سهلاً نسبياً. ــ يمكن هذه المناطق أن تؤدي وظيفة كبيرة في منع النزاعات المذهبية المسلحة، لكونها تضم خليطاً سكانياً من العرب السنّة والأكراد والعلويين والمسيحيين والتركمان. ــ قد تؤدي دوراً في ضرب قوة «العمال الكردستاني».
أما مخاطر هذه المناطق الآمنة في هذه المناطق الجغرافية، فهي كثيرة جداً، بما أنّ:
ــ التهديد من أن تتعرض لهجمات من سكان هذه المناطق سيكون في مستواه الأقصى. ــ إلى جانب العدائية التي ستلاقيها هذه المنطقة الآمنة من السكان، سيكون تهديد الأجهزة المحسوبة على النظام، من «شبيحة» و«عمال كردستاني» كبيراً. ــ ستكون هذه المنطقة عرضة لتهديد العلويين الذين يتمركزون بكثافة في اللاذقية تحديداً. ــ سيكون ضم اللاذقية إلى المنطقة الآمنة استفزازاً كبيراً لنظام الأسد الذي يرى أن اللاذقية وطرطوس «من أهم المدن بالنسبة إليه»، حتى إنه «يضع خيار إقامة دولة علوية في هاتين المحافظتين على جدول أعماله كآخر الخيارات»، على حد تعبير أورهان. لذلك، إنّ احتمال أن يقدم النظام على الرد على خيار إقامة منطقة عازلة في هاتين المحافظتين «سيكون في مستواه الأعلى». ــ ستكون السيطرة العسكرية التركية على هذه المناطق صعبة، لكونها تضم أراضي جبلية وحرجية شاسعة. ــ من شأن المنفذ البحري الذي تضمه هذه المناطق الآمنة أن يُخرجها من السيطرة التركية، ويضعها تحت سيطرة عاملين آخرين.
أما النوع الثالث للمنطقة الآمنة، التي يقترحها كاتب التقرير، فهي «تحمل القدر الأدنى من المخاطر، في مقابل توفير الحدّ الأقصى من الفوائد». وتمتدّ هذه المنطقة الآمنة «ج» على شريطَين حدوديَّين: الأول يغطّي الحدود الشمالية الساحلية والداخلية لمحافظة اللاذقية، ويربطها بالحدود مع محافظة إدلب، لتنقطع هذه المنطقة قبل أن تنطلق مجدداً في المنطقة غير الحامية من الشريط الحدودي لمحافظة حلب من جنوب مدينة كيليش التركية، وصولاً إلى مدينة جرابلس في حلب أيضاً.
«فوائد» المنطقة «ج» هي كالآتي:
ــ المنفذ البحري سيوفّر الفوائد المذكورة أعلاه، من ناحية تسهيل وصول المعارضين إليها وإيصال المساعدات إليهم. ــ من شأنها الحؤول دون حصول اشتباكات بين العرب السنّة والعلويين. ــ التهديدات من السكان ستكون قليلة ما عدا في اللاذقية. ــ باستثناء مناطق من إدلب واللاذقية الجبلية والحرجية، فإنّ طبيعة الأراضي المسطحة في حلب مناسبة للسكن. أما المناطق الحرجية والجبلية في إدلب واللاذقية، فقد تكون مناسبة جداً للعمل العسكري للمسلحين المعارضين ولتنظيم المعارضة المسلحة. ــ «لكون هذه المناطق قريبة من الاشتباكات والحراك المعارِض، فستساعد في زيادة عدد المنشقين وتحوُّل الخيارات السياسية للمدنيين». كذلك إن المناطق المسطَّحة التي تضمها المنطقة الآمنة في حلب، تكتسب أهمية استثنائية؛ لكونها قريبة من المراكز السكنية ومن أماكن الحراك الشعبي والسياسي.
في المقابل، إنّ المخاطر التي تهدِّد هذه المنطقة الآمنة كبيرة: ــ ستكون معرضة للتهديدات لأنها تضم مراكز سكنية علوية «معادية»، وخصوصاً في اللاذقية. ــ مخاطر إقدام النظام على مهاجمة المنطقة الآمنة في اللاذقية كبيرة. ــ هناك احتمال من أن يؤدي المنفذ البحري إلى خروج المنطقة الآمنة والمعارضين فيها من القبضة والسيطرة التركيتين.
الاحتمال الرابع والأخير يتجسّد بإقامة ثلاث مناطق آمنة: الأولى تمتدّ على طول الشريط الحدودي بين تركيا ومحافظة إدلب، والثانية في محافظة حلب خارج إطار المثلث الحامي، والثالثة تمتد في معظم الشريط الحدودي لمحافظة الحسكة.
وعن إيجابيات وسلبيات كل منطقة آمنة مقترحة، يرى أورهان أنّ هذه المنطقة «د» ــ توفّر منفذاً بحرياً وكل ما يحمله ذلك من إيجابيات ــ قد تساعد في الحدّ من النزاعات المحتملة بين العرب السنّة والعلويين والأكراد ــ قد تساعد في القضاء على حزب العمال الكردستاني في محافظة الحسكة وتسليم السيطرة الكردية على هذه المنطقة لأنصار البرزاني، الحليف الجديد لتركيا ــ بقاء خطر تحوُّل هذه المنطقة إلى «كردستان عراقية جديدة» في سوريا ــ بقاء التهديد المحتمَل أن يأتي من السكان ضد هذه المنطقة في مستوى متدنٍّ باستثناء الحسكة واللاذقية.
إلى ذلك، تسري ايجابية الأرض المسطّحة التي تسمح بإقامة اللاجئين السوريين والمعارضين فيها، مع تسجيل فضيلة أخرى لهذه المنطقة لكونها تضمّ أماكن سكنية أو قريبة من المدن والبلدات والقرى المكتظّة بالسكان في إدلب وحلب حيث المسلّحون المعارضون أقوياء، ويمكنهم توفير الحماية للمنطقة. وهكذا، يشدد الكاتب مراراً على أنّ محافظة إدلب إن أُدخلَت في المنطقة الآمنة، فستكون مكاناً مناسباً لتنظيم الحركة المسلحة المعارِضة.
على الجبهة المقابلة، يسهل إيجاد المخاطر والسلبيات النابعة من هذه المنطقة الآمنة «د»؛ على سبيل المثال، قد تظلّ هذه المنطقة في الحسكة معرَّضة للهجمات من «العمال الكردستاني» ولردود الفعل السلبية من السكان المدنيين، وهو ما قد تتبعه «كارثة» أخرى بالنسبة إلى تركيا، من خلال جعل هذه المنطقة «كردستان عراقية» جديدة بسبب القرار التركي نفسه، إضافة إلى خطر تسبُّب هذه المنطقة باندلاع نزاعات وخيمة العواقب بين العرب والأكراد في الحسكة تحديداً، وفي باقي المناطق السورية المختلطة إثنياً. من هنا، ينبع تخوُّف آخر من أن يؤدي اندلاع نزاع بين العرب الأكراد والسنّة، إلى تضرُّر النظرة العربية السنية إزاء تركيا عموماً.



عمق 20 كيلومتراً... وحماية برية وجوية

يخلص الكاتب أويتون أورهان من مركز «أورسام»، إلى أن إقامة منطقة آمنة تركية في حيّز جغرافي سوري ضيّق، قد تسبب مشاكل من جهتين: القدرة على حمايتها عسكرياً، وتوفير المساعدات الإنسانية لها. لذلك، يجزم بأنه لا تجدر إقامة منطقة آمنة في أقل من عمق 20 كيلومتراً، ومن المحسوم أنّ حدود تلك المنطقة لن تكون عبارة عن خطّ مستقيم، «فنظراً إلى الطبيعة الجغرافية للمنطقة الحدودية والتوزيع السكاني فيها، يرجَّح أن تكون المنطقة الآمنة واقعة داخل الأراضي السورية، وقريبة من الأراضي التركية، والحماية العسكرية لها ستكون برية وجوية». بذلك، يعارض أورهان معلومات تفيد بأن البعض في تركيا يفكّر في إقامة هذه المنطقة الآمنة بعمق ما بين 5 و25 كيلومتراً على طول الحدود التركية ــ السورية الممتدة على 910 كيلومترات. وبرأيه، من شأن ذلك أن يشكل مخاطر كبيرة على تركيا من نواحي القدرة على السيطرة عليها، والأكلاف الأمنية والاقتصادية المترتبة عن ذلك. لهذا، إنّ خيار إقامة مناطق آمنة في مناطق متفرقة قد يكون الأسلم لخدمة الأهداف السابقة الذكر، مع تفادي أكبر قدر من المخاطر على تركيا.