كان يمكن انتخابات رئاسة حزب «كديما» أن يكون لها أصداء كبيرة في الساحة السياسية الاسرائيلية لو كانت القضية تتعلق بحزب يمثّل منافساً جدياً لحزب الليكود الحاكم، لكن تراجع مكانة «كديما» الشعبية، التي كشفتها استطلاعات الرأي الاخيرة، أدى إلى أن تفقد انتخابات الحزب الكثير من بريقها السياسي، وتبدو كما لو أنها لحزب من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال. وفي حين قد لا يكون مفاجئاً إطاحة ناخبي حزب «كديما» رئيسته تسيبي ليفني، فإن ما لم يكن متوقعاً أن تكون هزيمتها بهذه النسبة الساحقة، بعدما نالت 37,2 في المئة فقط من مجموع الاصوات المشاركة. في المقابل، فإن وصول شاؤول موفاز إلى رئاسة الحزب بنسبة تأييد بلغت 61,7 في المئة يمكّنه من تقديم نفسه كرئيس قوي لحزب «كديما»، بغض النظر عن مدى قدرته على أن يكون منافساً ومرشحاً جدياً لبنيامين نتنياهو على رئاسة الحكومة.
النسبة المتدنية التي نالتها ليفني في الانتخابات، وهي في موقع رئاسة الحزب، تكشف عن أن ما جرى كان أقرب إلى «العقاب والطرد» منه إلى الخسارة التي تفرضها نتائج أي انتخابات. والواضح أن هذا الموقف المعارض لليفني تبلور وتراكم تصاعدياً نتيجة لعدد من الأخطاء، بدءاً من فشلها في تأليف الحكومة، رغم أن «كديما» نال في حينه أكبر عدد من أعضاء الكنيست بعدما فاز بـ28 مقعداً في مقابل حزب الليكود الذي نال 27 مقعداً، مروراً بعدم نجاحها في تقديم برنامج سياسي بديل لليكود، وصولاً إلى فشلها في استثمار أكبر وأهم حراك اجتماعي معارض للحكومة شهدته إسرائيل في الصيف الماضي.
في كل الأحوال، يبقى لتبادل السلطة الذي شهده حزب «كديما» أثره الإيجابي والسلبي على منافسين وشركاء في الخارطة السياسية والحزبية الإسرائيلية. ومن أبرز المستفيدين قادة معسكر اليسار، وعلى رأسهم زعيمة حزب العمل شيلي يحيموفيتش، وزعيمة حزب ميرتس زهافا غلاؤون، اللتين ازدادت فرصهما بعدما باتت صورة «كديما» في أعقاب انتخاب موفاز أقرب إلى المعسكر اليميني. كذلك يمكن فوز موفاز أن يزيد من فرص اللاعب السياسي الجديد يائير ليبيد الذي يقدم نفسه ممثلاً لمعسكر الوسط.
أما لجهة حزب الليكود ومعسكر اليمين، فقد انضم حزب جديد منافس له على القاعدة الشعبية اليمينية، بالرغم من أن التقديرات الحالية تستبعد نجاح موفاز في أن يمثّل منافساً جدياً وحقيقياً لنتنياهو في الوصول إلى رئاسة الحكومة. وبالرغم من أن «كديما» سيحاول اجتذاب جزء من القاعدة الشعبية اليمينية، من غير المستبعد في حال تكليف نتنياهو بتأليف الحكومة المقبلة أن يكون «كديما» جزءاً من التشكيلة الحكومية المقبلة.
إلى ذلك، تمثل مواقف «كديما» من القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية مؤشراً على تقلص الفوارق بين الأحزاب الرئيسية في الساحة الإسرائيلية، حتى باتت مصطلحات اليمين واليسار والوسط أقرب إلى الشعارات منها إلى التعبير عن توجهات متباينة بنحو جوهري.
في ضوء ذلك، لا جديد في مواقف موفاز من الاستحقاقات السياسية والأمنية التي تواجهها الدولة العبرية، إلا في بعض التفصيلات التي تتّسم بطابع الحزم، وهو أمر طبيعي لحزب يقبع في المعارضة ويحاول أن ينافس الحكومة ويزايد على رئيسها.
أما الطلقات الأولى لموفاز باتجاه الحكومة فكانت مطلية باللون الاجتماعي، إذ رأى أن «ثلاث سنوات من حكومة نتنياهو حرفت إسرائيل عن مسارها». وتعهد بأن «كديما قوية وموحدة ستعيد إسرائيل الى الطريق الصحيح»، ودعا إلى الالتزام بتقديم الواجبات «تجاه المجتمع والدولة، وبحق الشبان والشابات بالمسكن والتعليم والحياة الكريمة».
أما على الصعيد الحزبي الداخلي، فسيحرص موفاز في المدى الفوري على «توحيد صفوف الحزب». وضمن هذا السياق أكد مقربون منه أن بإمكان ليفني أن تحتل المرتبة الثانية، بعد موفاز، فيما لو أرادت ذلك، لكن تقارير إعلامية إسرائيلية توقعت أن تختار ليفني الاعتزال السياسي.