القاهرة | في مصر فقط، يمكن أن يضع أعضاء مجلسي الشعب والشورى دستوراً للبلاد، مع أن دستوريتهما مطعون بها؛ فاليوم يُرتقب أن ينتخب أعضاء مجلسي الشعب والشورى أعضاء اللجنة التأسيسية، التي تضم مئة عضو، ومعنية بكتابة دستور جديد سيحكم البلاد طوال مئة عام مقبلة، فيمغا ينتظر أن تصدر المحكمة الدستورية العليا خلال الأيام المقبلة حكماً في مدى دستورية نصوص القوانين التي أنشأت المجلسين.
ويُنتخب أعضاء اللجنة التأسيسية وفقاً للمادة 60 من الإعلان الدستوري الحاكم، وتنص على أن «يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مئة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويُعرض المشروع، خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب للاستفتاء في شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء».
يؤكّد فقهاء القانون الدستوري في مصر أنّ البلاد مقبلة على مرحلة من الفراغ الدستوري، الذي قد يترتب حتماً على الحكم بعدم دستورية قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وما يترتب عليه ذلك من حلّ المجلسين بعد أن يكونا قد وضعا دستور مصر. ويشدّد على ضرورة أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في القضية المعروضة أمامها، والتي تقول بوجود «شُبهة خرق دستوري» في نصوص قانوني انتخابات مجلسي الشعب والشورى، قبل أن ينتخب المجلسان أعضاء اللجنة التأسيسية، حتى لا يكتب الدستور مجلس باطل.
بدوره، يشير القاضي الدولي، المستشار محمد أمين المهدي، إلى أن «مصر تواجه مأزقاً كبيراً؛ فلا يمكن أن يقوم مجلس الشعب المشكوك في دستوريته بكتابة الدستور، الذي يحدّد مستقبل مصر في الستين عاماً أو ربما في المئة عام المقبلة، وإلا فسنكون قد وقعنا في كارثة دستورية». ويضيف أن «الأمر كله مرهون برغبة المحكمة الدستورية العليا»، مؤكداً «أنها تعلم جيداً أن نصوص قانون مجلس الشعب الحالية تعاني من ذات العيب الدستوري، الذي سبق وقضت بعدم دستورية القانون نفسه عامي 1990 و 1991».
ويتابع المهدي أنّه «بدلاً من تراخي المحكمة الدستورية العليا المعهود واستمرارها في الفصل في الموضوعات مدّة تتجاوز العشر سنوات، عليها أن تبادر وتفصل في القضية المُحالة عليها من الإدارية العليا وتصدر حكماً في موعد غايته شهر من الآن؛ لأنّ الأمر لا يستلزم الكثير من الوقت». ويقول إن «القاعدة القانونية واضحة ولا تحتمل جدلاً»، لافتاً إلى أن «القاضي يمكن أن يصدر حكمه في أي قضية خلال 24 ساعة إذا اتضحت له القاعدة القانونية المرتبطة بالقضية التي ينظرها».
مع ذلك، المجلس العسكري مستمرّ في تنفيذ خريطته الزمنية للمرحلة الانتقالية، رغم علمه بوجود حكم قضائي صادر عن أعلى جهة قضائية بعد المحكمة الدستورية العليا، هي «المحكمة الإدارية العليا»، حول وجود شبهة بعدم دستورية في نصوص قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ولم ينتظر إلى حين الفصل في صحة هذا الأمر، كي يتابع مشروع صياغة الدستور. وبحسب رئيس محكمة القضاء الإداري، المستشار حاتم داوود، فإن الإجراءات التشريعية التي أصدرها المجلس العسكري منذ توليه السلطة وحتى الآن مشوبة بعدم الدستورية.
ويضيف داوود أنّ الأساس الذي جرى البناء عليه، ابتداءً من الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فاسد، محملاً المسؤولية لخبراء القانون الذين استعان بهم العسكر لصياغة قوانين المرحلة الانتقالية. ولفت إلى أنه «بغض النظر عن عدم دستورية نصوص قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى، فإن كتابة نواب الشعب والشورى للدستور هو أمر غير قانوني؛ إذ «كيف يمكن أن ينتخب أعضاء مجلس الشعب الذين يمثلون السلطة التشريعية اللجنة التأسيسية التي تضع الدستور، والتي ستتحكم في السلطات الثلاث وتهيمن عليهم بموجب النصوص الدستورية التي ستضعها اللجنة لتنظيم عملهم»، واصفاً الأمر بأنه أشبه بأن «تلد البنت أمها».
ورأى داوود أن المجلس العسكري «تعمد التحييد عن النظام الصحيح المتمثل في انتخاب الشعب لجمعية تأسيسية لكتابة الدستور»، مضيفاً أن الأمر «مجرد مناورة سياسية سيستخدمها إن رغب بحل مجلس الشعب، فإن ذلك سيعطي المحكمة الضوء الأخضر كي تسارع بإصدار حكمها. أما إذا لم يرغب بذلك، فسيُبقي ملف القضية في داخل أدراج المحكمة».
في المقابل، إن أعضاء لجنة التعديلات الدستورية الأساسية، التي استند إليها المجلس العسكري لإصدار قوانينه، كان لهم رأي مغاير، مؤكدين شرعية مجلس الشعب الحالي. وقال أستاذ القانون الدستوري، الدكتور عاطف البنا، إنه «لا يمكن أن نصف مجلس الشعب الحالي بأنه مشكوك في دستوريته؛ لأن المحكمة الدستورية العليا لم تصدر حكمها بعد»، مضيفاً أن المحكمة الدستورية العليا لن تصدر حكماً في تلك القضية قبل 3 سنوات من الآن على الأقل «فكيف يمكن أن نعطل عمل مجلس الشعب 3 سنوات في انتظار حكم الدستورية العليا؟».
واستشهد البنا بالحكم الذي سبق أن أصدرته المحكمة الدستورية العليا عام 1990 في قضية مشابهة، مضيفاً أن هذا الحكم لم يبطل القوانين التي أصدرها المجلس في ذاك الوقت «حتى إن هذا المجلس الذي قضت الدستورية بحله قام بالموافقة على استفتاء الشعب على ترشيح رئيس الجمهورية، وهو قرار مصيري». وأكد أيضاً «عدم إمكان الطعن بدستورية الدستور؛ فالدستورية تختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح».