الجزائر | اشتدّ التوتر في الفترة الأخيرة للسيطرة على المساجد في الجزائر، بين موالين للنظام ممثلاً بموظفي وزارة الشؤون الدينية وأئمّتها من جهة، وإسلاميين متشددين من مؤيدي «جبهة الإنقاذ» المحظورة من جهة أخرى. وتنقل التقارير الأمنية والصحافية يومياً، مواجهات كلامية تصل أحياناً إلى اللكم والركل واستخدام السلاح الأبيض، أبطالها مجموعات سياسية عادت بالبلد إلى ما كانت عليه قبل أكثر من عشرين عاماً، حين تحوّلت المساجد إلى ساحات وغى سقط فيها عدد كبير من الجرحى، وانتهت بسيطرة شبه كلية للإسلاميين. وفي أحد مساجد العاصمة، وُلدت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ربيع عام 1989. ومن المساجد انطلقت أهم قراراتها، بينها إعلان الإضراب السياسي الذي تحول إلى عصيان مدني أواخر أيار وأوائل حزيران عام 1991، تعبيراً عن رفض قانون الانتخاب. وأفادت التقارير بأن معظم مواجهات هذه الأيام تبدأ بمناوشات كلامية بين مجموعات من الشباب الملتحين، مع الأئمة المعينين من وزارة الشؤون الدينية، بدعوى أن الدروس والخطب التي يلقيها هؤلاء الأئمة تجاوزها الزمن ولا تعبر عن الواقع، وهدفها «استغباء الناس وإلهاؤهم عن فساد النظام». وكثيراً ما عرقل المحتجّون داخل المساجد تلك الخطب والدروس بالتشويش عليها، ومطالبة الناس بتركها. وحدث في عشرات الحالات أن هاجم متشدّدون منابر المساجد، واستولوا على مكبرات الصوت وألقوا الخطب بدل الإمام «الرسمي» المعيَّن من الحكومة. وفي ولايات العاصمة والشلف وتيارت وسطيف وقسنطينة وعنابة وجيجل وغيرها، خرجت المعارك في عدد من المساجد إلى الشوارع، فوقعت مواجهات قوية تدخلت قوى الأمن في بعضها. وكانت معلومات قد أشارت إلى أن مسؤولين من «جبهة الإنقاذ» المحظورة كلّفوا فرقاً شبابية بـ«تحرير المساجد» من أيدي أئمة تابعين للحكومة وآخرين من حركة مجتمع السلم (الإخوان المسلمين) التي انضمت إلى السلطة وشاركت في الحكومة منذ الانتخابات الرئاسية عام 1995.
ويعيب أتباع «جبهة الإنقاذ» على حركة «مجتمع السلم»، ارتباطها بعلاقة ذيلية مع النظام، و«تآمرها على الإسلاميين وخروجها عن الصف». وتسيطر مجموعات إسلامية متنافرة على مساجد في المدينة الواحدة، ويذهب أتباع كل فريق للصلاة في المسجد الذي يناسب توجُّهاته السياسية. ولا يجد الناس حرجاً في التقسيم المفروض، والقول مثلاً إنّ المسجد الفلاني جيد لأن إمامه «من الإخوة»، في إشارة إلى أن من يؤمّ الناس فيه من محبّي «جبهة الإنقاذ»، أو القول بعكس هذا الحكم إذا كان المتحدث من غير هذا التوجه.
وقد تحوّلت المساجد في كثير من الحالات إلى «كانتونات» تجمع متوافقين سياسياً، وتحمل العداء لمساجد أخرى تنشر خطاباً سياسياً مغايراً. ويعمل كل من هذه المساجد على التوسع من خلال استمالة المصلين العاديين. ويوجد في الجزائر الآن آكثر من 15 ألف مسجد. لكن الصراع يحتدم خصوصاً حول تلك الموجودة في المدن الكبرى. وزاد هذا التوتر مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية المنتظرة في العاشر من أيار المقبل. وقد أصدر وزير الشؤون الدينية، قبل أسابيع، تعليمات تحصر الخطب والدروس بالأشخاص المعينين من الوزارة، لكن القائمين في المساجد عجزوا عن تطبيق هذه التعليمات. وثبت في الفترة الأخيرة أن ثمة متواطئين من الموظفين الحكوميين مع المجموعات المتشددة سهّلوا عملية الاستيلاء على المساجد لمجموعات متطرفة. وتتهم أطراف سياسية من اليسار والعلمانيين والديموقراطيين عموماً السلطات بالتخاذل في هذا الملف، إمّا بحثاً عن صفقة مع الإسلاميين، أو خوفاً منهم.
ومن غير المستبعد أن تزيد معركة المساجد اشتعالاً مع اقتراب الموعد الانتخابي، وخصوصاً أن وزير الشؤون الدينية غلام الله بو عبد الله أعطى الضوء الأخضر للأئمة لدعوة الناس للمشاركة في الاقتراع، كون هذه المشاركة بمثابة «الإدلاء بشهادة كتمانها جرم». في المقابل، يصرّ أتباع «جبهة الإنقاذ» على شن حملة من أجل المقاطعة، بعدما مدّد قانون الأحزاب الجديد فترة إقصائهم من الحق في التنظيم والنشاط السياسي.