هل تسير الأمور في اليمن نحو الأفضل بعد التوقيع على المبادرة الخليجية؟ هل لا يزال هناك من جدوى للاعتصامات المستمرة في الساحات؟ والأهم من ذلك هل استفادت القوى السياسية اليمنية من الاحتجاجات التي شهدتها البلاد للإقلاع عن الممارسات الخاطئة التي امتهنها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح طوال سنوات حكمه التي تخطّت 33 عاماً وحوّلته في نهاية المطاف إلى رئيس منبوذ؟ تساؤلات باتت تفرض نفسها بقوة على الساحة اليمنية، في ظل عدد من الممارسات التي بات من الممكن ملاحظتها منذ إعلان التوقيع على المبادرة الخليجية في شهر تشرين الثاني الماضي في الرياض، وتأليف المعارض محمد سالم باسندوة حكومة الوفاق الوطني، وتقاسم مقاعدها مع حزب المؤتمر الشعبي العام التابع لصالح.
فـ«ثورة المؤسسات» التي تشهدها البلاد منذ أكثر من أسبوعين، والمتمثلة في الاحتجاجات داخل المؤسسات الحكومية اليمنية، سواء المدنية منها أو العسكرية لإطاحة من يُطلق عليهم «رموز الفساد» المحسوبون على نظام صالح، يبدو أن عدداً من الشوائب يعتريها، وسط تزايد الحديث عن عملية تصفية حسابات تجري لإطاحة مجموعة من الأشخاص على خلفيات حزبية ضيقة لا تمت بصلة إلى مطلب إطاحة الفاسدين.
والأهم من ذلك، أن أكثر ما سينتج من حملة الاحتجاجات داخل المؤسسات الحكومية لن يكون سوى إقالة، على الأرجح مؤقتة، لبعض من المتهمين بالفساد، من دون أي قدرة على محاسبتهم أو حتى استرجاع ما أمعنوا في سرقته من المال العام، في ظل اتجاه البرلمان اليمني بخطى ثابتة لإقرار قانون يمنح «صالح ومن عمل معه في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية خلال فترة حكمه حصانة كاملة من الملاحقة القانونية والقضائية في أي شكاوى أو طلبات أو دعاوى قضائية يمكن أن ترفع أو تكون قد رفعت أمام أي جهات قضائية أو إدارية داخل الجمهورية اليمنية أو خارجها، وذلك أثناء ممارستهم لمهماتهم خلال فترة حكمه».
وإذا صدر مشروع القانون بالصيغة التي نشرتها صحيفة «أخبار اليوم» اليمنية قبل أيام، فإن مطالب المحتجين، الذين يصرّ قسم واسع منهم على البقاء في الشارع لمحاكمة صالح وأقاربه، ستذهب أدراج الرياح متى ما وجد مشروع القانون طريقه إلى الإقرار، وخصوصاً أن المادة الثانية منه تنص على أنه «يعتبر هذا القانون من أعمال السيادة ولا يجوز إلغاؤه أو الطعن فيه».
وهو طعن يبدو أن مصالح السياسيين اليمنيين ستجتمع هذه المرة على الحؤول دون حدوثه، ولا سيما أن لائحة المستفيدين من مشروع القانون بصيغته الحالية لا تقتصر على الرئيس اليمني وأقاربه وحتى المحسوبين عليه، بل تتضمن ما يشبه «عفواً عاماً» عن كافة موظفي الدولة اليمنية طوال أكثر من 33 عاماً، ليشمل بذلك حلفاء الأمس وأعداء اليوم، وبينهم أبناء الشيخ عبد الله الأحمر الذين تولّوا مناصب في الدولة، واللواء المنشق علي محسن الأحمر.
وعلى الرغم من تأكيد المحامي والناشط السياسي اليمني هائل سلام، في حديث مع «الأخبار»، أن أي مشروع قانون يمنح صالح وأركان حكمه حصانة هو غير دستوري بالمطلق، يسجل عدداً من الملاحظات على مشروع القانون، مؤكداً خطورته. ويلفت إلى أن الإعفاءات التي يتضمنها «تشمل علي صالح وكل الذين عملوا معه طوال فترة حكمه، وبالأحرى تحكّمه، وهي ليست مقتصرة عليه وعلى أعوانه المباشرين». ويضيف «لذلك يحلو للبعض تسمية القانون قانون المصالحة الوطنية، لكنه في الحقيقة تهريج واستخفاف باليمنيين».
كذلك فإن الحصانة لا تقتصر على الحقوق العامة، بل تشمل أيضاً كل الجرائم المالية الإدارية والجنائية. كذلك يحذر سلام من آثار مشروع القانون، نظراً إلى أنه «يؤدي إلى تحصين ثقافة الفساد».
ولعل الأخطر من وجهة نظر المحامي اليمني أن بند إعادة الهيكلة الأمنية، الذي نصّت عليه المبادرة الخليجية، وفي حال إقرار قانون الحصانة، سيصبح أمراً متعذراً إن لم يكن مستحيلاً، خلال ما سمّي الفترة الانتقالية المنصوص عليها في المبادرة الخليجية، على اعتبار أن العفو الذي سيمنح من خلال مشروع القانون سيجعل أقارب صالح متحررين من خطر أي ملاحقة قانونية، في حين سيبقى الرئيس اليمني، الذي اختار العدول عن السفر إلى الولايات المتحدة، ممسكاً بملف محاولة اغتياله في حزيران الماضي كورقة ضغط يمارسها ضد أحزاب اللقاء المشترك التي يتهمها بالوقوف وراء الحادثة، وخصوصاً أنه تعمّد إحالة الملف على نيابة أمن الدولة.
ولذلك، فإن ضغط المحتجين لمنع إقرار القانون ومدى نجاحهم في تحقيق هذا الهدف باتا يمثّلان في نظر عدد من المراقبين اليمنيين محطة فاصلة ستكون كفيلة بإظهار ما إذا كان المحتجون لا يزالون يمتلكون أي تأثير على المشهد السياسي اليمني أو أن الهدف من وجودهم في الساحات قد استهلكه السياسيون، وتحولت دماء أقرانهم الذين سقطوا طيلة أشهر الاحتجاجات إلى مطية سمحت بتقاسم المعارضة السلطة مع صالح.