يبدو أن الأميركيين يعدون مفاجأة بأيدٍ أوروبية، على شاكلة ادخال كل عناصر اتفاق الاطار في سياق المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية في قرار يصدر عن مجلس الأمن، يحل بدل القرارين التاريخيين 242، و338، حسبما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية أمس، وذلك بهدف ضمان أن تصبح مبادرة باراك أوباما ــ جون كيري، جزءًا من التراث التاريخي للمنطقة. ولفتت الصحيفة الاسرائيلية الى أن هذا الإجراء لن يجري بالضرورة على يد الأميركيين، بل بصفة مبادرة صادرة عن الدول الاوروبية، التي تؤدي هذه المرة دوراً فعالاً، عبر القيام بدور الشرطي السيّئ في الجهد الأميركي.
واوضحت «يديعوت» ان وزارة الخارجية استأجرت لمنتصف شهر كانون الثاني أكثر من خمسين غرفة في احد الفنادق الفخمة في القدس المحتلة، بعدما دخل انقضاض كيري على رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الفترة الحرجة، مشيرة الى أن جزءاً لا يُستهان به من فريقه في المسيرة السياسية، الذي كبر ليصبح نحواً من 130 شخصا، ينوي مغادرة واشنطن متجهاً الى القدس «كي يجلس على وريد ديوان رئيس الوزراء مباشرة».
ورأت «يديعوت» أن كيري فشل في الواقع، حتى الآن، في تحريك الطرفين عن مواقفهما، وهو ما دفعه الى الانتقال من استراتيجية الى أخرى.
ورأت انه من اجل طمس رقصته الدبلوماسية الفاشلة ابتكر العاملون مع كيري منطقاً يفسّر سلوكه، وزعموا أنه اعتمد منذ البداية خطة على عدة مراحل: الاولى رمت الى «إخراج البخار»، تمكن بموجبها الطرفان من تقاذف الاتهامات حول ما جرى في المرحلة الماضية.
وفي المرحلة الثانية تولى الأميركيون القيادة على يد مارتن انديك، في محاولة منهم لدفع مسيرة لها هدف تسعى اليه.
وبحسب «يديعوت» أيضاً، بدأت المرحلة الثانية بالتباحث في الحدود والترتيبات الأمنية، وتحولت بعد ذلك الى البحث في قضايا أمنية فقط. وهو ما رفضه الفلسطينيون، كما لم يتقبلوا في تل ابيب الأمر بحماسة وكانت النتيجة صفراً. ورأت «يديعوت» انه بالرغم من هذه النتيجة بقي «كيري متفائلاً»، وبررت ذلك بأنه «لا يعترف ولن يعترف بالفشل لأن هذا الاعتراف سيحطّم المفاوضات في اليوم نفسه».
وأوضحت «يديعوت» مكمن فشل كيري بأنه «وقع مع فريقه في الفخ التقليدي الذي وقع فيه وسطاء سابقون؛ أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة، أم الحدود أم الأمن». ولفتت الى أن السبب هو أن الاسرائيليين غير مستعدين للبحث في الحدود من دون اتفاق على المواضيع الأمنية. والفلسطينيون بدورهم غير مستعدين للبحث في الترتيبات الأمنية من غير أن يعلموا ما هي الحدود الدائمة.
وفي ضوء ذلك استقر رأي كيري على اختيار البيضة، وتحدي نتنياهو، قائلاً «لنضع الحدود جانباً ولنتحدث في الأمن فقط». وهكذا عرض رئيس فريقه الأمني الجنرال جون ألان، قبل أكثر من شهر، على الجيش الاسرائيلي ووزارة الدفاع بحثاً جرت بلورته خلال عدة أشهر.
ونقلت «يديعوت» عن مصادر أميركية قولها، إن نتنياهو لم يرفض الخطة، بل قال انه مستعد لقبول أجزاء منها، لكنه أضاف تحفّظاً بأن الأجهزة الأمنية لديها ملاحظات كبيرة، والى ان توافق عليها سيكون من الصعب تأييد الخطة.
وفي السياق نفسه، أرسل نتنياهو الى الأميركيين حبة الجوز الأصعب على الكسر، ممثلاً بوزير الدفاع موشيه يعلون، الذي يستخدمه كورقة التوت، وبالتأكيد لن يخيّب يعلون ظنه.
في المقابل، لم يتحمس أبو مازن للأفكار الأمنية التي عرضها الجنرال الان، لجهة إبقاء وجود عسكري اسرائيلي في طول نهر الأردن لعدة سنوات، بما في ذلك ابقاء محطات انذار، إضافة الى توصية بوجود اسرائيلي خفي في المعابر الحدودية، لضمان مراقبة اسرائيلية للداخلين والخارجين. ورفض الأميركيون طلب فلسطيني باستبدال الجيش الاسرائيلي بوجود أميركي أو دولي.
الى ذلك، كان لدى الأجهزة الأمنية الاسرائيلية أسئلة كثيرة تتعلق بعدد القوات التي سينشرها الجيش في غور الأردن، وطريقة نشرها في طول المحاور أم في طول النهر فقط، وماذا سيكون عرض الشريط الذي سيسيطر عليه الجيش الاسرائيلي، وكم ستكون مدة انتشار هذه القوات، سبع سنوات أم عشر، ومن يحدد المدة الزمنية، وهل سيكون ذلك وفق أجل محدد، أم بحسب التطورات.
وكشفت «يديعوت» عن وجود تفاهم أساسي بين اسرائيل والولايات المتحدة، يرى أن استقرار النظام في الأردن يمثل عنصراً حاسماً في تحديد متى يخلي الجيش الاسرائيلي غور الاردن، لكنّ الفلسطينيين يرون أن الموافقة على وجود عسكري اسرائيلي في ارض فلسطينية ستؤبد الاحتلال.
ولفتت «يديعوت» الى أن الجزء الذي لم يُنشر من الخطة الأميركية الشاملة، المتعلقة بغور الأردن، هو أن الأميركيين سيطلبون من اسرائيل أن تخلي بالتدريج خلال ثلاث أو اربع سنوات المستوطنات في غور الأردن، التي تراها الحكومة الحالية جزءاً لا يتجزأ من ارض اسرائيل، وهي تمثل 6 في المئة من مساحة الضفة.
وتابعت «يديعوت»، رغم أن خطة الجنرال الان، كما هي في صيغتها الحالية، لا يقبلها أحد الطرفين، إلا أنها ستكون في قلب «اتفاق الاطار» الذي سيعرضه كيري في منتصف كانون الثاني، مشيرة الى أن «اتفاق الاطار» هو اختراع أميركي جديد – قديم يُستل في كل مرة تصل فيها المفاوضات الى مرحلة حرجة. ويفترض به قبل كل شيء تمكين كيري من تجاوز العقبة التي قيَّد بها نفسه، حينما قرر أن تستمر المفاوضات تسعة اشهر، وبذلك يستطيع كيري ان يُدخل الطرفين في مخطط تفاوضي يمكن أن يستمر اشهرا وسنوات. ولفتت «يديعوت» الى أن الادارة الاميركية لديها افكار اكثر دراماتيكية مما يقدرون في اسرائيل، فمن اجل تثبيت اتفاق الاطار في التراث الدبلوماسي العالمي، ولادخال كيري في نادي الفائزين بجائزة نوبل، يعد الاميركيون مفاجأة عبر ادخال كل عناصر الاتفاق في قرار يصدر عن مجلس الامن، كي يحل بدلاً من من القرارين التاريخيين 242 و338.