برلين | لا تبدو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في وضع مريح بعد خسارة حليفها التقليدي الحزب الليبرالي FDP في الانتخابات وعدم نجاحه في تجاوز حاجز الخمسة في المئة الإلزامي لدخول الندوة البرلمانية. إذ بات على الحزب المسيحي الديمقراطي البحث عن شريك بين اثنين لا ثالث لهما، الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. ولهذه الغاية عقدت قيادة الحزب المسيحي جلستين منفصلتين من المحادثات الأولية مع قيادتي الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD وحزب الخضر، على ان تعقد جلستين أخريين مع الطرفين، كل على حدة، مطلع الأسبوع المقبل، قبل أن يقرر الحزب المسيحي الديمقراطي الاسبوع المقبل من هو الطرف الأقرب اليه والذي سيخوض معه مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومي.
وعلى الرغم من إعلان الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي هرمان غروهة أن تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الخضر أمر ممكن بعد التغيير الذي طرأ على قيادة هذا الحزب، إلا أن المراقبين يؤكدون أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يزال يحظى بالأولوية بالنسبة للمستشارة وحزبها. فالحزب الاشتراكي الديمقراطي يتمتع بالأغلبية في مجلس الولايات والتحالف معه يضمن عدم عرقلة أية مشاريع أو قرارات حكومية تتعلق بالشأن الألماني الداخلي، وهذا يعني أن المستشارة ميركل تحاول الآن أن تضرب عصفورين بحجر عبر الاتفاق مع الحزب الاشتراكي، ولكن عقبات كثيرة لا تزال تقف في طريق إنجاز ائتلاف من هذا النوع، إذ إن الحزبين وإن كانا متفقين حول السياسة الخارجية وملف إنقاذ اليورو إلا أنهما يختلفان كليا حول المواضيع ذات الشأن الداخلي. وبينما يطالب «الاشتراكي الديمقراطي» بفرض ضرائب أعلى على أصحاب الدخول المرتفعة، وهو العنوان الرئيسي في البرنامج الانتخابي للحزب، ترفض ميركل وحليفها المسيحي الاجتماعي CSU ذلك بشدة على اعتبار أن رفع الضرائب سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي. كما يطالب الاشتراكيون بإقرار حد أدنى للأجور وإيقاف الزيادة على إيجارات المنازل والسماح للمواطنين الأجانب بحمل جنسيتين.
ومن جهة أخرى يخشى الحزب الاشتراكي الديمقراطي من أن تؤدي مشاركته في ائتلاف حكومي مع ميركل إلى تشويه صورته لدى مناصريه، الذين لا يريدون أن يقتصر دور الحزب على تأمين أغلبية لميركل للاستمرار في الحكم وتحمل اوزار سياستها الداخلية كما حدث في الائتلاف الحكومي السابق، بين عامي 2005 و2009 والذي أدى إلى تراجع شعبية الحزب بشكل كبير. ولذا أصر رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي سيغمار غابرييل على إشراك القاعدة الحزبية في اتخاذ القرار، فقد أعلن غابرييل انه حصل على موافقة الحزب على الدخول في المحادثات الأولية وسيعقد مؤتمرا في العشرين من الجاري للتصويت على بدء مفاوضات لتشكيل حكومة مع المستشارة وبعد انتهاء المفاوضات وفي حالة التوصل إلى اتفاق سيدعو الحزب اعضاءه، الذين يقارب عددهم النصف مليون عضو، إلى التصوبت على الاتفاق والمشاركة في حكومة ائتلافية أو لا.
الحزب المسيحي الديمقراطي من جهته، يرى أن المحادثات الأولية مع الجانب الاشتراكي كانت بناءة وأظهرت وجود بعض القواسم المشتركة التي يمكن البناء عليها، لكن الإشكالية تكمن في عمليات التصويت التي يتمسك الحزب الاشتراكي بإجرائها، والتي تشكل تعقيدات إضافية وتجعل المفاوضات غير مضمونة النتائج وغير ملزمة، فماذا لو اتفق الطرفان وتوصلا إلى وضع برنامج لحكومة ائتلافية ورفضته قاعدة الحزب الاشتراكي، فهذا يعني أن كل الجلسات التفاوضية ستذهب سدى وسنكون مضطرين للبحث عن حل آخر بعد ضياع الكثير من الوقت، خاصة وأن الأمينة العامة للحزب الاشتراكي اندريا ناليس أعلنت ان المفاوضات قد تستمر حتى نهاية العام الجاري او مطلع العام المقبل. وهذه المخاوف عبّر عنها غروهه بتساؤله: هل يمكن لدولة كألمانيا وما تمثله من ثقل اقتصادي وسياسي على مستوى أوروبا والعالم، أن تبقى كل هذه المدة دون حكومة فاعلة؟ وهل سنكون مضطرين في نهاية المطاف لإجراء انتخابات تشريعية جديدة؟ مشددا على أن النتائج التي حصدها حزبه في الانتخابات الأخيرة، تجعله لا يخشى خيارا كهذا.
وعلى خط المفاوضات مع حزب الخضر، يبدو التوصل إلى تفاهم اقل حظاً، فالمسافة بين الفريقين كبيرة جداً بالنسبة لعدد من القضايا التي يعتبرها الخضر جوهرية، كملف الطاقة والتحول نحو المصادر المتجددة والتخلي عن الطاقة النووية والأحفورية، وتعديل قوانين الهجرة واللجوء، وهي من الأمور التي لا يرغب الحزب المسيحي الديمقراطي في سماعها أو مناقشتها. كما أن حزب الخضر يعترض على تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع وينتقد سياسة المساعدات الإنمائية التي تتبعها الحكومة الحالية وهي من الأمور التي تزيد حجم الهوة بين الطرفين.
ويرى الخبير في شؤون الأحزاب الألمانية أندرياس شلوتر أن «قيام إئتلاف كبير يهدد النظام الديمقراطي في ألمانيا، ويحد من قدرة البرلمان على مراقبة الحكومة»، إذ ان قوانين البرلمان تشترط موافقة 25% من أعضاء البرلمان لتشكيل لجنة تحقيق نيابية، فإذا تحالف الحزبان الكبيران ستقتصر المعارضة على حزبي اليسار والخضر وهما لا يشكلان معا سوى 20%. وعلى الرغم من ذلك، اعتبر شلوتر أن التحالف الكبير هو الأوفر حظا حاليا، فاستطلاعات الرأي تظهر تأييد حوالي 66 % من المواطنين لتحالف بين المسيحيين والاشتراكيين. وردا على سؤال حول ما الذي سيحدث إذا فشل الحزب المسيحي الديمقراطي في التوافق مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي او مع حزب الخضر، أجاب شلوتر أن الخيارات المتبقية هي «تشكيل تحالف ثلاثي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر واليسار» وهو أمر مستبعد بسبب إعلان الحزب الاشتراكي في خضم حملته الانتخابية رفضه التحالف مع حزب اليسار. والخيار الثاني هو أن تنجح المستشارة في الحصول على خمسة أصوات من نواب المعارضة على الأقل، مما يتيح لها تشكيل حكومة أقلية، تفاوض دائماً للحصول على أصوات لتمرير مشاريعها. وهذا أمر أعلنت المستشارة مسبقاً عدم استعدادها للسير فيه، وإذا فشل كل ذلك وتعذّر تشكيل أغلبية تحكم البلاد، علماً أن القانون لا يحدد مهلة زمنية لذلك، سيلجأ رئيس الجمهورية لحلّ البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة.