رغم كل نداءات أهالي وادي النصارى واستجداءاتهم لتخليصهم من جيرتهم مع الموت منذ سنتين، سقط فندق «فرنسيس» الشهير، الواقع في قرية عمار الحصن، في أيدي المسلحين. والفندق أحد المعالم المعروفة في الوادي، وله مكانته عند الزوار. القذائف التي تستهدف مرمريتا انطلاقاً من الحصن حوّلت حياة السكان إلى جحيم في الأيام الماضية. كل ما حولهم يبعث على القلق.
إصرار «كتائب التركمان» المسلحة في القرى المواجهة للوادي بشراسة غير مسبوقة تبعث لدى الأهالي الشعور بعقدة «الاضطهاد المسيحي»، فيما الأخبار الآتية من ريف تلكلخ القريب لا تبشّر بخير. فمعبر تل الهوادج بات ممراً لعبور تعزيزات المسلحين نحو باقي أنحاء ريف حمص، كبديل من مدينة القصير وريفها. وتطوّر الأمر في الوادي إلى حدّ استهداف دير مار جرجس ومركز الدفاع الوطني في مرمريتا بقذائف عدّة، ليقع المحظور في اليوم التالي: كمين بين قريتي المزينة وحارة الدار، في سابقة غريبة حولت الشابين رامي فرح والياس نادر جثتين مشوهتين بعشرات الرصاصات التي اخترقت جسديهما بوحشية.
خشية سكان الوادي تتنامى من استمرار هجمات المسلحين من الحصن والزارة وقرية المتراس، التي أصبحت خط تأمين الإمداد البديل إلى لبنان. قرية المتراس التركمانية، كسائر الشريط التركماني الملاصق لقرى الوادي، تعتبر حاضناً أساسياً لهجمات المسلحين. ما يدعى «كتائب التركمان المسلحة» تتمركز في القرية، إضافة إلى قريتي بساتين والزارة التركمانيتين. نظرة إلى خارطة المنطقة تأخذ المتابع إلى عوالم مجهولة من التوقعات السوداء للمنطقة السياحية التي لطالما تمتعت بالأمان وتميز سكانها بالوداعة. فالقرى المتداخلة في ما بينها تثير في المخيلة صوراً لأشكال مختلفة من المجازر وعمليات اجتياح، قد تحصل، إن لم يُحسم الأمر ميدانياً في المنطقة.
تفجيرٌ ضخم شهدته قرية المتراس، يعود إلى سوء استخدام من قبل القيمين على إعداد المتفجرات في القرية. وللمتراس خصوصيتها وحساسية موقعها، إذ تطل من الجهة الشرقية على وادي النصارى، ومن الجهة الشمالية الشرقية على بلدة الكفرون، إضافة إلى إطلالتها من الجهة الشمالية الغربية على صافيتا. اتجاهات لا تحمل احتمالات كثيرة لمصير المنطقة في الأيام المقبلة، على ضوء الكمائن اليومية والمجازر المتكررة؛ إما أن تكون الضربة العسكرية المقبلة على يد الجيش السوري في اتجاه قريتي المتراس والزارة، انطلاقاً من عمار الحصن، أو تستباح مناطق كاملة تحت وطأة ضربات المسلحين في قرى الجوار، أسوة بما جرى في ريف اللاذقية.
التطورات الأخيرة في الوادي أدت إلى تذمر شعبي من إيكال مهمة الدفاع عن المنطقة الى قوات «الدفاع الوطني» المكوّنة من أبناء قرى الوادي، والتي لم تعد قادرة على رد الضربات القاسية التي ينالها المدنيون باستمرار من قبل مسلحي «جند الشام» و«القاعدة» المتمركزين في القرى المذكورة. صرخات عدة أطلقها أهالي المنطقة مطالبين الجيش بدخول وادي النصارى ووضع حدّ لمعاناة أهله، وحسم المعركة العسكرية في قرى الحصن والزارة والمتراس. أصوات قليلة من مغتربي الوادي نادت عبر صفحاتها «الفايسبوكية» حثّت مطران الوادي على حماية أهالي الوادي أو مطالبة مسيحييه بحماية دولية، منعاً من تعريض وجودهم التاريخي في المنطقة للخطر. نداءات تبدو مستهجنة من بقية مسيحيي سوريا بالمقارنة مع الشعارات الوطنية التي يطلقها آخرون من أهالي الوادي، إلا أنها تبدو واقعية بالنسبة إلى البعض، ووسيلة مستفزة لإعطاء أهالي الوادي أملاً بحلّ سريع، كي يستطيعوا الصبر ريثما تضع دولتهم حداً لمعاناتهم.