عمد مدير الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري على موقع «فيسبوك» الى حذف تقرير عن ندوة أقامها الجيش في سياق الاحتفال بذكرى انتصارات تشرين الأول 1973. تضمنت الندوة اعتذاراً قدمه وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح السيسي، لأهل سيناء نيابة عن الجيش والشرطة بخصوص ما أصابهم من «خسائر في المباني أو الأراضي».
ضمّت ندوة تثقيفية أقامتها إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة المصرية عدداً من القادة وعائلاتهم وأسر بعض قتلى الشرطة وعدداً من الفنانين والشخصيات العامة، حملت أول اعتراف رسمي بوقوع أضرار وخسائر غير مبررة في العمليات العسكرية الموسّعة الجارية في المنطقة الحدودية من شمال سيناء منذ السابع من أيلول المنصرم. أعلن السيسي أنه سيتم التعويض على من أصابهم الضرر من عمليات الجيش والشرطة، وقدّم اعتذاراً لما أصابهم من خسائر في المباني أو الأراضي.
لم يعد يكفي أهل سيناء أن يستمعوا إلى شكر وزير الدفاع وثنائه على أدوارهم البطولية التاريخية أو حتى تعاونهم في حرب الجيش على الإرهاب، وفق تعبير السيسي. حجم الخسائر والضحايا لم يعد في نطاق ما يمكن أن تزيل احتقانه كلمات اعتذار وثناء.
فحتى الآن، بلغ ضحايا العمليات العسكرية خمسة أطفال وثلاث نساء ورجل عجوز، فضلاً عن عدد غير معلوم من القتلى من الشباب.
يغيب الحصر الدقيق لعدة أسباب؛ منها أن عدداً من المصابين قضوا نحبهم في المستشفيات التي قد تكون خارج سيناء بأسرها، فضلاً عن إيثار بعض البدو دفن ذويهم من دون استخراج أوراق أو تصاريح رسمية بسبب تعطيل الطرق مع ما فيها من مخاطر.
وتراجع الجيش عن نفيه الصارم أن أحداً من المدنيين العزل لم يسقط برصاصه بمصرع حسين حسن خلف، نجل شيخ مجاهدي سيناء وبطل حرب الاستنزاف في السبعينيات الحاج حسن خلف.
استهدفت عبوة ناسفة إحدى المركبات العسكرية في رتل كان يمر بالقرب من منزل أسرة الحاج حسن خلف بقرية الجورة، فلم يكن من الجنود في بقية المركبات سوى إطلاق النار عشوائياً في كل الاتجاهات.
استقرت إحدى الرصاصات في صدر حسين، نجل الشيخ الصوفي في عائلة الزيادات من قبيلة السواركة، الذي طالما نادى بضرورة تحمل أخطاء الجيش في عملياته ضد الجماعات المسلحة.
وللحاج حسن خلف وضع استثنائي في علاقة الجيش بأهالي سيناء، فهو من المدعوين دوماً في فعاليات واحتفالات الجيش. وهو بطل حرب سابق استحق «نجمة سيناء» لمشاركته كمتطوع في حرب الاستنزاف ومحكوم في سجون الاحتلال بمجموع أحكام بلغت 145 سنة.
لم تثنه علاقته الوطيدة بالجيش ولقائه المتكرر بقائده العام عن توجيه بعض الكلمات الخطابية لصغار الضباط، أغضبت قائد الاستخبارات العسكرية في حفل قريب. تعجب القريبون منه من علاقته القوية بالجيش التي لم تمنعه عن دوام وصفه لمعاهدة السلام واتفاقية كامب ديفيد بأنها اتفاقية «العار»، وأنها المعاهدة التي حولت جنود الجيش المصري من محاربين إلى مزارعين يسمّنون الأبقار في مزارع القوات المسلحة. كان دائم الدفاع عن الجيش والتماس الأعذار له، متمثلاً حالة الجيش في زمن أجيال بطولات حربي الاستنزاف والعبور.
مقتل حسين حسن خلف، استلزم تعزية رسمية من الجيش لوالده مع منحه لقب «شهيد»، من دون الاعتراف بمقتله برصاصهم.
وقد أتى متزامناً مع نشر صورة أمير دعوة أهل السنة والجماعة، أسعد البيك، الذي اعتُقِل في مدينة العريش بزعم إصداره فتوى تحريضية ضد قوات الجيش والشرطة.
للبيك مكانة دينية واجتماعية كبيرة في العريش والمنطقة الحدودية، ومعروف بأنه من مؤسسي لجان فض المنازعات الشرعية (القضاء الشرعي) في سيناء.
تم نشر صورة له وهو معصوب العينين ومقيّد اليدين بشكل مهين بجوار أحد المعتقلين الشباب داخل مُدرّعة، وقد أثارت هذه الصورة غضب كثير من شباب العريش السلميين، فأعلن بعضهم نيته على العنف، وفق نشطاء حقوقيين وصحافيين محليين.
غضبٌ تضاعف بسبب اعتذار السيسي الذي اهتم بالخسائر من المباني والأراضي وبتعويض المتضررين مادياً، من دون الإشارة إلى الأرواح التي أُزهقت، ومن دون أفق لوقف العمليات قريباً.
وفي السياق، أشاد السيسي بـ«الموقف الوطني لأهالي الضبعة ومطروح الذين يؤكدون حجم الشهامة والمروءة والأصالة التي يتمتع بها أبناء المنطقة الغربية».
جاء ذلك بعد نجاح التفاوض مع بدو المنطقة الغربية من ساحل البحر المتوسط في مطروح لإعادة أرض مشروع المفاعل النووي في مدينة الضبعة إلى حيازة الجيش.
كان أهالي الضبعة قد خاضوا معركة مسلحة في بداية عام 2012 لاسترداد أراضيهم التي صادرتها الدولة تحت زعم إنشاء محطة لإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية. بعدما بدأوا في حراك بيئي للضغط من أجل إلغاء فكرة المشروع، التي لم يتم إحراز أي تقدم فعلي فيها، توسطت الاستخبارات العسكرية بين الأهالي والقوات الميدانية التابعة للمنطقة العسكرية الغربية، كما أبرمت مصالحة بينهم وبين الشرطة وأعادوا افتتاح قسم الشرطة بعدما تبرع الأهالي بترميمه.
تناقض كبير بين الاعتماد على القوة الناعمة في المنطقة الغربية وبطش القوة الغاشمة التي دمرت المنازل وجرفت المزارع وقتلت المدنيين في سيناء. يُرجعه بعض المحللين إلى السياق الإقليمي الذي تضطلع فيه إسرائيل بدور رئيسي فيه، ويحيله آخرون إلى المذابح التي تعرّض لها جنود الجيش في سيناء.