سيناء| في مثل هذا الشهر من صيف 2009 لم تتورع حركة «حماس» عن دكّ مسجد ابن تيمية فوق رؤوس عبد اللطيف موسى وأنصاره؛ المسلحون من جماعة حركة «جلجلت»، التي أعلنت قيام إمارة إسلامية في رفح الفلسطينية، ذات الهوى الجهادي والتكفيري والخالية من النفوذ الأيديولوجي لـ«حماس». حدثت الهجرة العكسية من غزة إلى المنطقة الحدوية من شمال سيناء في رفح والشيخ زويد، حيث عاد الهاربون من ملاحقات (2004 – 2006) وبصحبتهم التكفيريون الهاربون من «حماس»، ومعهم الخبرة القتالية العالية. في الشمال الغربي من شبه جزيرة سيناء، تقع مدينة بئر العبد ومحيطها الممتد على شاطئ بحيرة البردويل شرق قناة السويس، وهو المعقل الانتخابي الأبرز لجماعة «الإخوان المسلمين» في شمال سيناء. بين الشمال الشرقي، حيث رفح والشيخ زويد الخاليتان من تنظيم الإخوان، وبين بئر العبد في الشمال الغربي بقواها القبلية والدينية المقتسمة بين الإخوان والسلفيين، تقع مدينة العريش، عاصمة شمال سيناء. في العريش امتداد لكل التيارات الفكرية والأيديولوجية والحركات الشبابية الفاعلة في القاهرة والإسكندرية. فيها الليبراليون التاريخيون، كحزب «الوفد»، واليساريون القوميون الذين انشقوا عن حزب «التجمع» في كانون الثاني 2011 مؤسسين «الحركة الثورية الاشتراكية»، كما حركة «شباب 6 أبريل»، وحركة «أحرار» ذات الطابع الإسلامي الثوري التي تم دُشِّنت منذ بضعة أشهر، فضلاً عن الأحزاب الإسلامية الأساسية، و«الحزب العربي للعدل والمساواة» المعبر جزئياً عن تجمع القبائل العربية من أنحاء مصر، وحزب «مصر القوية».
وسط التنوع السياسي الثري في العريش العاصمة، تضم مدينة النخيل بين جذوعها تنوعاً سكانياً وثقافياً لا يقل ثراءً. عائلات عرايشية حضرية، ومقيمون من قبائل تسكن البادية حول العريش في شمال سيناء ووسطها، ووافدون مصريون من وادي النيل منهم المسلم ومنهم القبطي، ووافدون فلسطينيون قدم آباؤهم إلى سيناء منذ 1948 و1967، ولم تتوقف حركتهم حتى اليوم.
إلى جانب الفاعلين شعبياً من جماعات دينية وأحزاب وحركات سياسية ومجموعات مسلحة، لا يمكن أن نعتبر السلطة المصرية كياناً واحداً ضمن الفاعلين في سيناء. فالسكان المحليون قد تختلف آراؤهم في أمور كثيرة، غير أن إجماعهم منعقد على صراع الأجهزة الأمنية والاستخبارية المصرية على النفوذ في شمال سيناء، الأمر الذي وصل إلى الانتقام من رافضي التعاون مع جهاز مباحث أمن الدولة لتعاونهم مع المخابرات العسكرية بتلفيق قضايا مخدرات أو تهريب واستصدار أحكام قضائية غيابية في حقهم. لكن مصادر أمنية لـ«الأخبار» تؤكد الصراع المحتدم بين المخابرات العسكرية والعامة، بالإضافة إلى الصراع بينهما وبين «أمن الدولة»، فضلاً عن الأجواء النزاعية غير التعاونية التي تتسم بها علاقات الأجهزة العسكرية المختلفة؛ صراع يتجاوز المنافسة المهنية إلى اتهامات بالفساد.
بالأخذ في الاعتبار الاختراقات الإسرائيلية المتكررة لسيناء أرضاً وسماءً، فإن دائرة الفاعلين ميدانياً في سيناء تتسع، بالأخص إذا كان اللاعبون الإسرائيليون في سيناء هم «الموساد» و«الشاباك» و«أمان»، كل على حدة. وإضافة إلى قضية «خلية حزب الله» في 2009، فإن الجزم بتحديد عدد الفاعلين المحليين والإقليميين في سيناء يظل بعيد المنال.


السلاح بين العرف والأيديولوجيا والارتزاق

السلاح في سيناء في يد الجميع، لكن الفرق في الكمية والنوع والاستخدام. النشطاء السياسيون السلميون والجماعات السلفية الدعوية لا يحملون السلاح في أنشطتهم الاجتماعية، لكنهم يحتفظون به في منازلهم لأغراض الحماية أو كجزء من الثقافة. أصحاب المزارع والتجارات يحتمون بالسلاح، والاعتبارات القبلية والعشائرية تحتم على كل عائلة حفظ توازن القوى مع القبائل والعائلات الأخرى بتطوير التسليح كمّاً ونوعاً. والطفرة النوعية التي شهدتها سوق السلاح في سيناء عقب الثورتين المصرية والليبية ضاعفت كميات السلاح في شبه الجزيرة وقفزت بأنواعه إلى السلاح الثقيل المضاد للطائرات والمركبات والمجنزرات والصواريخ البعيدة المدى، فضلاً عن قذائف «آر بي جي» المضادة للدبابات.
لكن الحديث عن ارتباط الأزمة السياسية في مصر عموماً بالعمليات المسلحة في سيناء يقودنا إلى بحث علاقة «الإخوان المسلمين» بما يمكن أن يوصف بـ«السلاح الأيديولوجي». الواقع أن ارتباط السلاح بالأيديولوجيا في سيناء أوسع من دائرة الصراع السياسي بين «الإخوان» والعسكر داخل مصر، ويمتد ليشمل ما هو خارج الحدود المصرية. وهناك فارق بين أيديولوجيا تؤمن بالسلاح، وبين الواقع الفعلي لمعتنقيها. فالثوريون الاشتراكيون في سيناء، على سبيل المثال، يعتقدون بوجوب النضال المسلح ضد الاحتلال الصهيوني، ويتضامنون مع «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ضد ما يسميه الناشط السيناوي، مصطفى سنجر، احتكار «حماس» لزناد المقاومة. لكن ذلك لا يعني أن «الثوريين الاشتراكيين» في سيناء مسلحون. ففي ذروة استخدام السلاح في ثورة «يناير»، تلك التي انفردت فيها الشيخ زويد ورفح برد الفعل الثوري العنيف خلاف العريش وسائر مدن مصر، لم يحمل «الثوريون الاشتراكيون» السلاح في مواجهاتهم مع الشرطة، مكتفين بالحجارة والتوثيق.
أما الإسلاميون في شمال سيناء، فلم يثبت أن «الإخوان المسلمين» أو «الدعوة السلفية» أو «دعوة أهل السنة والجماعة» قد استخدمت السلاح في العريش وبئر العبد، وقد يكون ذلك لأسباب عرفية وقبلية أكثر من الأسباب المتعلقة بالقدرة على الفعل، أو حتى الرغبة في ذلك. بمغادرة العريش شرقاً، تتغير خريطة الحركات الإسلامية بشكل كامل، حيث يختفي «الإخوان المسلمون» تنظيمياً في الشيخ زويد ورفح، وتراوح الأفكار بين السلفية الدعوية بشقيها: «السكندري» و«أهل السنة والجماعة»، مع غلبة الأخيرة، وبين السلفية الجهادية والتكفير. وبتتبع البيانات الإعلامية والعمليات الميدانية الثابتة نسبتها إلى التنظيمات الأربعة المحسوبة على السلفية الجهادية، يمكن استخلاص أنها لم تغير استراتيجيتها بخصوص استهداف الاحتلال الإسرائيلي وعدم استهداف أي طرف مصري أو فلسطيني.
تنظيمات السلفية الجهادية الأربعة هي: جماعة «أنصار بيت المقدس»، وتنظيم «مجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس»، وتنظيم رخو أضعف من سابقيه يصدر بياناته الإعلامية باسم «السلفية الجهادية»، وأخيراً بقايا تنظيم «التوحيد والجهاد» الذي أسسه الزعيم الجهادي الراحل خالد مساعد، والذي يتقاطع فكرياً مع التكفير الصريح. يعد «أنصار بيت المقدس» و«شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس» أقوى تنظيمين جهاديين في سيناء وأكثرها فاعلية. وهما التنظيمان اللذان يعلنان عملياتهما ضد إسرائيل، سواء باستهداف إيلات («أم الرشراش» المصرية المحتلة) أو بتفجير خط الغاز المصري المصدّر إلى دولة الاحتلال بأبخس الأثمان. ورغم التصعيد في البيانات الإعلامية الشديدة اللهجة ضد الجيش المصري عقب مقتل أربعة من أعضاء «أنصار بيت المقدس» في منطقة العجراء جنوبي رفح أثناء محاولتهم استهداف إحدى المستوطنات القريبة من الحدود ثاني أيام عيد الفطر المنصرم، إلا أن الرد التضامني الذي قامت به «أكناف بيت المقدس»، لم يكن موجهاً للقوات المصرية، بل استهدفوا «إيلات» بصاروخ لتأكيد استمرارهم في خطهم العملياتي الاستراتيجي، ضد إسرائيل فقط.
ما يمنع الجماعات السلفية الجهادية من استهداف المصريين أو الفلسطينيين هو أنهم، رغم اعتقادهم بكفر أنظمة «الطاغوت» الحاكمة التي لا تطبق الشريعة، لا يكفّرون عموم المجتمع، ويرون أغلب «جنود الطاغوت» مستضعفين ومغلوبين على أمرهم بالتجنيد الإجباري، فضلاً عن ترتيبهم للأولويات وحرصهم على عدم فتح جبهات إضافية. لكن الجماعات التكفيرية لها موقف مختلف، حيث تكفّر عموم المجتمع وتنعزل عنه ولا تخالطه. المفارقة هي أن أغلب معتنقي الفكر التكفيري مسالمون، يكتفون بالعزلة وعدم الاختلاط بـ«المجتمع الكافر» أو الأكل من طعامه أو الزواج منه. لكن عدداً لا بأس به منهم يعتنق ما يمكن تصنيفه بـ«التكفير الجهادي» المتطلع إلى إقامة إمارة إسلامية وتطبيق الشريعة بالقوة.
يتقاطع مع المجموعات التكفيرية المجهولة العدد، غير المعلنة الأسماء، مجموعات من المرتزقة المتدثرة بعباءة التكفير لما وجدوه من سلطة روحية يتمتع بها شيوخ التيار التكفيري على أتباعهم. بعض هؤلاء معروف جيداً بنشاطه في الاتجار في البشر بتهريب الأفارقة عبر الحدود مع إسرائيل، وبعضهم لا يخفي عمله في تجارة الأنفاق والتهريب، وهو الآن شيخ تكفيري. ومع تعقد شبكات المصالح وحركة الأموال، يفقد التصنيف الأيديولوجي قيمته مقابل تحديد الأطراف المحركة للأحداث بأموالها وعلاقاتها بالفاعلين المحليين.
وبعيداً عن المرتزقة المنافقين أيديولوجياً، شهدت سيناء بزوغ ظاهرة جديدة أخيراً، هي المرتزقة المأجورون للقتل؛ ففي حي «السبيل» جنوب غرب العريش، يتناقل الناس أن ثمن رأس القتيل وصل إلى 6000 جنيه (أقل من ألف دولار)، وأن من أراد قتل اثنين فليس عليه سوى تجهيز 12000 جنيه، والثلاثة بقيمة 18000، وهكذا دواليك. وهو ما يزيد من تعقيدات تحديد الدوافع المباشرة وراء واقعة بعينها، أو حتى مجموعة حوادث قد تترابط زمنياً صدفةً لا تنظيماً.

لماذا لم يهرب قادة الإخوان إلى سيناء؟

منذ فضّ اعتصامي تقاطع «رابعة» في القاهرة وميدان «النهضة» في الجيزة لم تكد تمر ليلة دون إعلان السلطة القبض على مجموعة من قيادات «الإخوان»، مقترناً بوصف درامي لمحاولات تنكرهم وهروبهم أو اختبائهم. وهنا يطرح رجل الأعمال السيناوي، محمد هاشم، تساؤله عن عدم لجوء قيادات «الإخوان» للاحتماء بالجماعات التي قيل إنها تنفذ عمليات العنف بالتنسيق معهم. الأكيد أن الدخول إلى سيناء بعبور قناة السويس لن يكون أصعب من تهريب السلاح الثقيل والأفارقة، والاختفاء في المنطقة الحدودية وسط أناس يدينون بالولاء الروحي أو الفكري، أو حتى المالي، سيكون أكثر أماناً من الاختباء في فيلا خارج القاهرة أو واحة سيوة في الصحراء الغربية، يضيف هاشم.
تساؤل ذو أهمية كبيرة يقود إلى التشكيك في زعم العلاقة بين قادة «الإخوان» والجماعات المسلحة في سيناء، وهو الزعم الذي يعد أحد احتمالات ثلاثة لتفسير ارتباط العنف في سيناء بالأزمة السياسية في القاهرة. يزداد الشك في هذا الزعم باعتبار أن حكومة «حماس»، بحكم المصلحة السياسية النفعية على الأقل، تعد من أشد الأطراف حرصاً على تهدئة الأمور في سيناء تجنباً لانفجار الوضع اقتصادياً وإنسانياً إذا أغلقت الأنفاق والمعابر معاً بين غزة وسيناء. فيما لا تستبعد نظرية الاحتمالات المدعمة ببعض الحوادث القريبة، ترجيح استفادة حركة «فتح» من إشعال الأزمة في سيناء لمواصلة الضغط على «حماس». وقد أعلنت وزارة الداخلية المصرية بالفعل إلقاء القبض على أحد الفلسطينيين المتورطين في أعمال عنف في سيناء ممن ينتسبون إلى جهاز الأمن الوقائي التابع لحركة «فتح».
يبقى احتمالان لتفسير العنف السياسي في سيناء؛ أحدهما هو اختراق المجموعات المسلحة أمنياً واستخبارياً من قبل الأجهزة المصرية والإقليمية وتوجيهها جزئياً أو كلياً للعمليات بالسطوة الفكرية أو المالية. والاحتمال الأخير هو الرفض الشديد من قبل هذه المجموعات لعودة الدولة القمعية البوليسية باعتبارهم من سكان المنطقة الحدودية أصحاب الثأر مع الشرطة وجهاز مباحث أمن الدولة في المقام الأول.



فلسطينيو سيناء

بدأ وجود الفلسطينيين في سيناء منذ 1948 مع قيام الاحتلال الصهيوني لأراضي فلسطين التاريخية، فلجأت بعض الأسر والعائلات إلى العريش كدفعة أولى. ثم توالت الدفعات مع التوسع في الاحتلال وضم سيناء إلى السيطرة الإسرائيلية عام 1967. يتركز وجود الفلسطينيون في الشمال الشرقي من سيناء من رفح شرقاً إلى العريش في المنتصف تقريباً من ساحل سيناء على البحر المتوسط، حيث تمتد الوشائج العائلية بين قبائل الشام وعشائره وبين أقاربهم في شمال سيناء، ويقل وجودهم في بئر العبد، ويختفون من جنوب سيناء.
وفق أسامة حجاب، مدير الجمعية الخيرية لفلسطينيي سيناء، فإن تعدادهم يقترب من 20 ألف نسمة، وبينهم تنوع كبير يصل إلى درجة اقتراب بعضهم مع أقاربهم المصريين ونفورهم من غرمائهم السياسيين الفلسطينيين. وما يزيد مشكلاتهم المعاملة التفضيلية من قبل السلطات المصرية لبعضهم على حساب الآخرين، وإن رزحت الأغلبية منهم تحت تعنت إداري قاسٍ بخصوص توثيق الزواج والتعليم الجامعي.
آخر نزوح جماعي من فلسطين إلى سيناء كان في 2007، حين فرّ المئات من ضباط حركة «فتح» هاربين من ملاحقة حكومة «حماس» بعد حسمها العسكري. وفق مصدر لـ«الأخبار» في ميناء العريش، استقل عدد كبير من ضباط الأمن الوقائي التابع لمحمد دحلان زورقاً وهربوا من غزة بحراً منسقين مع سلطات الاحتلال التي تحاصر المياه الإقليمية للقطاع، وفي ميناء العريش سلموا أسلحتهم الشخصية للسلطات المصرية وأقاموا في شاليهات مطلة على البحر أو قريبة منه على أمل العودة القريبة. لكن فشل حرب غزة 2009 في كسر سلطة «حماس» بدد آمال ضباط «فتح» في الإياب، فاستقروا في سيناء. كثير منهم انتشر في أحياء مختلفة من العريش متنكرين ومخفين هوياتهم، وبعضهم كُشف بالصدفة عن تجسسه على بعض رموز الإخوان في مدينة العريش حين زار بعض فلسطينيي القطاع سيناء عقب الثورة فتعرفوا إليهم وإلى سابق عملهم في «الأمن الوقائي» تحت إمرة دحلان.



نشأة التيارات الإسلامية في سيناء

بعد تمام تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي بثلاثة عقود، لم يبلغ تعداد سكان سيناء مليوناً واحداً، رغم مساحتها التي تعدل ضعفيْ مساحة فلسطين التاريخية وثلاثة أضعاف الدلتا المصرية المكتظة بعشرات الملايين. بقدر ما تعكس هذه الحقيقة الواقع المزري للتنمية والتعمير فيها، فإنها تعطي مؤشراً على حداثة الأفكار والتنظيمات السياسية فيها مقارنة بالعمل المسلح ضد الاحتلال. وبخلاف الصوفية المتجذرة لدى بدو سيناء منذ مئات السنين، فإن الأفكار الدينية والدعوية الأخرى كالإخوان المسلمين و«التبليغ الدعوة» لم تفد إلى سيناء إلا بعد التحرير، حيث اصطحبها بعض أهل وادي النيل المهاجرين للإقامة في سيناء.
يقول رئيس مجلس مدينة العريش المقال بعد فضّ الاعتصامات، الدكتور عمار جودة، لـ«الأخبار»، إن الإخوان المسلمين في سيناء منذ الثمانينيات من القرن الماضي لهم وضع مختلف عن وادي النيل وسائر أنحاء الجمهورية، وإن علاقتهم بالأجهزة الأمنية والاستخبارية تتسم بخصوصية، لكونهم في إقليم حدودي محرر خاضع للإدارة العسكرية والأمنية في كافة مناحيه. أما الأفكار السلفية الأكثر سيولة وأقل قوة تنظيمية، فيشير إلى ورودها عقب عام 1981 حيث لم تتطلب زيارة سيناء إذناً من المخابرات، فانطلقت جماعة «التبليغ والدعوة» التي تجوب البلاد داخلياً وخارجياً للوعظ البسيط المباشر دون التطرق لقضايا سياسية.
بدوره، يوضح الشيخ أسعد البيك، أحد رموز «دعوة أهل السنة والجماعة»، اقتراب جماعته من «الدعوة السلفية السكندرية» وتأثرهم بشيوخها كمحمد إسماعيل المقدم، وياسر برهامي، وأحمد فريد، وغيرهم. غير أنه يشدد على تمايزهم عن سلفية الإسكندرية في بعض القضايا العقائدية، تلك التي تجعلهم أقرب للسلفية الجهادية.
عن الأفكار الجهادية والتكفيرية، يتفق كل من جودة والبيك على المسؤولية المباشرة لجهاز أمن الدولة في عهد مبارك عن نشرها في سيناء بسبب التعامل «الغشيم» من قبل الضباط الذين أرادوا استنساخ أساليب القمع والتعذيب التي مورست في صعيد مصر في تعاملهم مع أهل سيناء. فلم تعرف سيناء الأفكار التكفيرية ولا السلفية الجهادية التي انتشرت في ربوع مصر في السبعينيات والثمانينيات، وإن اتسمت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي بما يمكن تسميته «الصوفية الجهادية»، ولُقّب أبطال المقاومة من الرجال والنساء بـ«المجاهدين» و«المجاهدات» حتى يومنا هذا. غير أن ليلة كئيبة في بداية التسعينيات قد شهد سوادها الحالك انتقال محمد عقارب وهاني فؤاد، الضابطين بمباحث أمن الدولة من الصعيد إلى شمال سيناء، لتبدأ المأساة تسطر بواكير صفحاتها بغباء منقطع النظير.
لم يكتف الضابطان المذكوران بالاعتقال العشوائي والتعسف في القمع، بل تطوعا بإرسال إسلاميي سيناء إلى سجون القاهرة ووادي النيل حيث اختلطوا بالجهاديين والتكفيريين، ثم عادوا حاملين أفكارهم إلى سيناء. وكانت الثمرة هي ظهور تنظيم «التوحيد والجهاد» على يد مؤسسه خالد مساعد في نهاية التسعينيات. لم تلبث الأمور أن تسارعت والجماعات أن انشطرت وتكاثرت، وخاصة بعد تفجيرات المنتجعات السياحية في جنوب سيناء أعوام 2004، و2005، و2006، حين طاولت آلة البطش آلاف المواطنين، صانعة ثأراً تاريخياً مع الأهالي منعت بسببه الشرطة من العمل في المنطقة الحدودية في شمال سيناء منذ 28 كانون الثاني 2011 حتى الآن.