بور سعيد | سقط شاب بورسعيدي ضمن العشرات الذين قتلوا في ما بات يعرف بـ«مجزرة المنصة»، تلك التي اقترفتها قوات الشرطة ومدنيون مسلحون بجوارها في الساعات الأولى من فجر السبت الماضي ضد مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي. وعلى الأثر، شُيع الشاب البورسعيدي في جنازة سياسية مسلحة، أطلقت خلالها أعيرة نارية على كنيسة مارجرجس وسط المدينة؛ فهرع جيران الكنيسة من المسلمين والمسيحيين لتكوين لجنة شعبية لحمايتها، وتأهّبوا للاشتباك مع المشيعين في طريق عودتهم من المقابر. واعتدى مؤيدو مرسي بعدها على المحال والسيارات التي ترفع صور وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، فيما بادرت مجموعة شبابية إسلامية تطلق على نفسها «ألتراس أزهري» إلى إلقاء الحجارة على المعارضين، وفق شهود عيان. ورغم تحمل أهالي المدينة لاعتداءات شبيهة سابقة، مقدّرين حالة الغضب والحنق التي يعيشها الإسلاميون، غير أن ليلة السبت لم يكن فيها مجال لمزيد من التسامح بعد الاعتداء على الكنيسة وشهر السلاح في وجه الأهالي. فقد وقعت الاشتباكات مع عدد صغير من معارضي الإخوان وحلفائهم، فسقط قتيلان بالرصاص الحي. انتهت جنازة في الليل لتنطلق جنازتان جديدتان في الصباح، وسط حالة من الهيستيريا ضد كل ما هو إخواني أو سلفي، أو حتى ما يشتبه في اقترابه من هؤلاء أو أولئك. فتم تحطيم منصة اعتصام «الشرعية» التي أقامها الإخوان أمام جامع التوحيد، وانتابت الجماهير حالة من الغضب العشوائي ضد الملتحين والمنقبات، وانطلقت موجة من التحطيم للمحال التجارية المملوكة أو المشتبه في امتلاكها للإخوان والسلفيين؛ كما تم نهب محل أقمشة مملوك لتاجر إخواني وتدخل الجيران لمنع إحراقه حيث يقبع تحت بيت تراثي مصنوع من الخشب. ولم تهدأ الأحداث إلا بخاتمة بشعة بحرق أحد محال العطور المملوكة لسلفيين وبداخله محمد خالد أحمد، 26 عاماً، والد طفلة عمرها أقل من شهرين، فلم يخرج منه إلا جثة متفحّمة.
ابحث عن «شيوخ التهريب»!
يؤكد شهود العيان أن إطلاق النار على الكنيسة قام به بعض التابعين لمن يطلق عليهم في بورسعيد اسم «شيوخ التهريب»، وهم الذين يقومون بتهريب حاويات البضائع من المنطقة التجارية الحرة لمصلحة مافيا التهرب الجمركي وبعض التجار مقابل عمولات.
يقول رجل الأعمال البورسعيدي محمد العشري: «شيوخ التهريب مشهورون لدى تجار بورسعيد بعلاقاتهم القوية مع الشرطة، وقد تم الاستعانة بهم عقب مجزرة الاستاد في 2012 لمنع الجماهير الغاضبة من تحطيم محل الحلويات الشهير المملوك لرجل الأعمال، جمال عمر، صديق جمال مبارك، وأحد المتهمين شعبياً بتمويل مجزرة الاستاد». أما عن هوية شيوخ التهريب فهم معروفون بالاسم، وأحد قادتهم يدعى حافظ سلامة، وشهرته حافظ سلامة البورسعيدي، للتفرقة بينه وبين الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في السويس. ويضيف العشري: «لم يتم اعتقالهم ولا توقيفهم رغم تكرار رفعهم للسلاح واستعراضهم به في شوارع بورسعيد، حتى قبل انتخاب مرسي، بل تتم الاستعانة بهم مقابل أموال لفض المنازعات ورد الحقوق بالقوة تحت سمع الشرطة والجيش وبصرهما».
ويضيف الناشط السياسي في بورسعيد، محمود النجار: «حينما وقعت اشتباكات ناحية مقر حزب «الحرية والعدالة» يوم الجمعة في 23 من تشرين الثاني، إبان أزمة الإعلان الدستوري، استعان الإخوان بائتلاف التجار وشيوخ التهريب الذين أطلقوا علينا النار بعنف. وقد شاركت في الوساطة لحل الأزمة، واستوقفتني كلمة أحدهم حين قلت له أتينا لحرمة الدم فردّ عليّ بأن الدم لا يشكل فارقاً بالنسبة إليه. ويومها لم أسلم من الاعتداء بالطعن بسلاح أبيض من «بلطجية» كانوا يحمون المقر في حضور مدير أمن بورسعيد ومدير المباحث الجنائية في رفقة من طلبوا وساطتي». ووفق النجار، فإن شيوخ التهريب الذين استعان بهم أمين حزب «الحرية والعدالة» قد اعتقلوا مجموعة من المتظاهرين في حديقة «فريال» خلف مقر الحزب، وقيدوهم إلى الأشجار عراة، وجلدوا بعضهم، وأصابوا الآخرين بالخرطوش والرصاص الحي، مشهرين الأسلحة الآلية أمام قوات الشرطة دون تدخل من الأخيرة. وقد أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيان شكر للجماعة الإسلامية حينها على ما وصفوه بـ«الموقف المشرّف».
أما عن طبيعة نشاط «شيوخ التهريب» وميولهم، فيوضح النجار أنهم كانوا يتعاملون مع النظام السابق والتنفيذيين الفاسدين في تهريب البضائع الجمركية، وعقب الثورة توطدت علاقتهم بالحاكم العسكري وزاد حجم التهريب إلى درجة تهريب الحاويات ذاتها. كذلك يشاع عنهم التسليح الثقيل بمدافع «جرينوف» وغيرها مما ظهر خلال اشتباكات سجن بورسعيد في كانون الثاني مطلع العام الجاري. ويتناقل السكان المحليون تخبئة سلاحهم الثقيل في الملاحات، وهي جزر صغيرة داخل بحيرة المنزلة غرب المدينة. أما عن انتمائهم السياسي، فلم ينضموا إلأى أي من الأحزاب الإسلامية بعد الثورة، لكنهم معروفون بموالاتهم للسلفية الجهادية في بورسعيد، التي تتخذ من مسجد «فاقوسة» مقراً لها في شارع الثلاثيني. وعن التفرقة بين شيوخ التهريب وأنصارهم وبين غيرهم من الجماعات الإسلامية، يبيّن الناشط البورسعيدي، أحمد حسن، أن أهالي بورسعيد يميّزونهم عن غيرهم بسلوكياتهم الاستثنائية. فالغاضبون من المتظاهرين الإسلاميين قد يقومون بالتكسير والاعتداء اللفظي، أما هم فيطلقون الخرطوش والرصاص الحي، بل إنهم أطلقوا الخرطوش على سيارة ضابط شرطة حاول أن يدخل ناحية الاشتباكات من جهتهم حينما كانوا يقومون بتأمين مقار الإخوان كحزب حاكم. ويتهمهم الشهود بأنهم من أطلقوا الرصاص الحي ناحية الاعتصام ليلة اشتباكات جنازة ضحية «مجرزة المنصة»، ويتداول المحليون اتهام «رجال حافظ سلامة البورسعيدي» بهذه الجريمة. وهم مشهورون بحمل السلاح الخفيف أثناء تنقلهم بالدراجات البخارية، والسلاح المتوسط فوق صناديق سيارات النقل وسيارات الدفع الرباعي.
وسط حالة الهرج هذه تظهر تساؤلات سكان بورسعيد عن حقيقة «شيوخ التهريب» وارتباطهم بكافة أحداث العنف السياسي، وأغلب أحداث العنف غير السياسي، في المدينة. فإذا كانوا مجموعة من المرتزقة، فلماذا استعانت بهم قوات الجيش والشرطة في تأمين مديرية أمن بورسعيد في 2012؟ وإذا كانوا مشهورين بحماية التهريب بسلاحهم فأي درجة من النفوذ هذه التي تحميهم من الملاحقة؟