صنعاء | وقع الإخوان المسلمون في اليمن في صدمة. لم يكن أكثر المتشائمين في قيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح يفكر أن تأتي رياح يوم الثلاثين من تموز قوية وعاصفة لتخلع حكم إخوانهم في مصر التي اعتقد (الحزب) أنها أصبحت كاملة في أيدي الجماعة. كانت الهيئة القيادية العليا للحزب في صنعاء تراقب ما يحدث في القاهرة بداية من صباح الأحد الماضي وفي قلبها يقين أن الناس الذين خرجوا مستجيبين لنداء حركة تمرد، سيصيبهم الملل في نهاية اليوم ويعودون إلى بيوتهم.
وفيما كان الأمر يتطور تصاعدياً هناك، بقيت قيادة ذلك الحزب الأصولي مطمئنة بسبب الأخبار الجيدة التي أتى بها الملياردير حميد الأحمر، وهو واحد من كبار قيادات التجمع للإصلاح من القاهرة، بعد اللقاء الذي جمعه بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، قبل أيام من موعد حركة تمرد.
أخبرهم ذلك الشيخ الثري أن سيطرة الإخوان في القاهرة قوية ولا يمكن أن تتأثر باعتصامات عابرة. لكن جاءت الأحداث على عكس كل هذا؛ سقط الإخوان ونُزع الحكم عنهم، مرسي ينتظر مصيراً مجهولاً والمرشد العام في قبضة الجيش ومعه القيادي البارز في الاخوان خيرت الشاطر وكبار قيادات مكتب الإرشاد.
انتهى حكم الإخوان إذاً لتصل تداعيات الأمر إلى صنعاء. لم يستطع رئيس الهيئة العليا لتجمع الإصلاح محمد اليدومي، انتظار موعد لقاء عاجل بقيادة الحزب للاتفاق على إصدار بيان يندد فيه بما حصل لـ«الإخوة» في القاهرة.
استبقهم على صفحته الرسمية في موقع «الفايسبوك» كاتباً بلهجة حادّة «أذكّرُ الجميع بأن الجيش التركي وقف حجر عثرة أمام المد الإسلامي لعشرات السنين ولم يفلح. وها هو الجيش المصري يكرّر نفس التجربة منذ عشرات السنين وحتى اليوم ولن يفلح بإذن الله عز وجل، لأن الإسلام قادم.. قادم».
ولم يتوقف الأمر هنا، إذ اتهم القيادي في التجمع عبد الله صعتر، العسكر في مصر بالانقلاب العسكري على الرئيس مرسي «بطريقة ملتوية»، مؤكداً أن تلك الخطوة جاءت بأوامر من إسرائيل.
حدث هذا قبل مسافة قليلة من صدور بيان «الاصلاح» الرسمي حول المصير الذي بلغه الإخوان في مصر وهو البيان الذي أدان «القرارات العسكرية الصادرة عن قيادة القوات المسلحة المصرية.. والتي اسفرت عن عزل الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي وتعطيل العمل بالدستور».
وأشار البيان مستغرباً بقوة تلك «الاعتقالات التي طالت عدداً من القيادات السياسية والمدنية في مصر وإغلاق عدد من القنوات فور سيطرة الجيش على السلطة، داعياً في هذا السياق كافة القوى المدنية والثورية والإسلامية الى رفض تلك الاجراءات التي تهدف إلى عسكرة الدولة وإعادة مصر الى الوراء».
من جهة موازية أصدر اللواء علي محسن الأحمر المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، تصريحاً قال فيه إن ما حدث في مصر من انقلاب عسكري على الدستور ورئيس البلاد المنتخب يعد انقلاباً على إرادة الأغلبية وعودة إلى نقطة الصفر.
وعلى مستوى هذه النبرة العالية والغاضبة توالت ردود أفعال الإخوان في اليمن مع إخوان مصر وهو مايعكس حالة الارتباط التي تصلهم بالجماعة الكبرى التي لم تبخل في دعم وتزويد مؤسسات التجمع بالكوادر والخبرات التدريبية و«الجهادية» منذ كان إخوان اليمن يمارسون عملهم قبل إعلان أنشطة حزبهم بشكل رسمي في اوائل التسعينيات.
هذا إضافة إلى علاقات مالية كبيرة بين قيادات بارزة في القاهرة وصنعاء وعلى وجه الخصوص بين خيرت الشاطر وحميد الأحمر، أتت على شكل استثمارات تجارية كبيرة افتُتِحت في صنعاء وتعتمد على شكل التعامل والتبادل التجاري الإسلامي. وظهر شكل وقوة تلك العلاقة بشكل أوسع في كثافة الأخبار التي تناقلتها وسائل إخبارية محلية بعد سقوط إخوان القاهرة، وتقول اعداد من كبار قيادات جماعة الإخوان المسلمين غادروا مصر إلى أماكن غير معلومة في اليمن، وأبرزهم المرشد العام للجماعة محمد بديع، الذي أُشيع أنه يحمل الجنسية اليمنية منذ كان مقيماً في اليمن في الفترة ما بين 1982 و 1986. فترة نجح خلالها في توطيد علاقته بالجماعة اليمنية هناك من خلال التنسيقات التي كان يجريها على صعيد استقبال خبرات «جهادية» مصرية تقوم بتأسيس معسكرات لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب. كذلك كان يتم دمج البعض منهم في المعاهد الدينية التي كانت تحت سيطرة جماعة إخوان اليمن ويتم تمويلها كاملاً من الخزانة السعودية. لكن الأخبار التي أتت من القاهرة تنفي مسألة لجوء بديع إلى اليمن بعد الإعلان عن نجاح الجيش المصري في إلقاء القبض عليه.
يحدث هذا في حين يبقى موقف التجمع اليمني للإصلاح ساكناً في نطاق البيانات والتصريحات المنددة بتطورات الوضع في القاهرة وما حدث لإخوتهم في الجماعة هناك مع خروج تسريبات تشير إلى أن الهيئة العليا للحزب ستقوم بعقد لقاءات ومشاورات خلال الأيام القليلة المقبلة بين كبار أعضائه من أجل اقتراح خطة عمل جديدة تتناسب مع المصير الذي آل إليه إخوتهم في أرض الكنانة.