حلب | شهران مرّا على حصار السجن المركزي في حلب، الأكبر من نوعه في المحافظة التي تضم 6 ملايين مواطن. الإمدادات الغذائية والطبية تلقيها الطائرات منذ أكثر من شهر، في وقت أطبق فيه المسلحون الحصار على الطرق المؤدية إليه، وقتلت هجماتهم الضارية من نزلائه السجناء أضعاف ما قتلت من عناصر الشرطة والجنود الذين يحرسونه.
استهداف يومي بالقنص وقذائف الهاون، مع تسع هجمات عنيفة شاركت في عدد منها دبابة مستولى عليها، وفجّرت خلالها سيارتان مفخختان على البوابة الرئيسية وسوره، أوقعت نحو 92 قتيلاً بينهم خمسة من حراسه فقط، والبقية من السجناء الذين يقضي بعضهم أحكام الحق العام، بمدة متفاوتة تمتد من ثلاث سنوات إلى المؤبد فالإعدام.
مصدر مطلع قال لـ«الأخبار» إنّ «السجن يضمّ ما يقارب 4000 سجين، معظمهم من المحكومين بجرائم جنائية خطيرة، ولم تشملهم مراسيم العفو، مع قلة قليلة من السياسيين والإرهابيين لا تتجاوز تسعين سجيناً، و92 امرأة برفقتهن 23 طفلاً ولدوا في السجن».
المصدر رأى أن «السجن خط أحمر، فسجناء الحق العام المحكومون فيه غالبيتهم من أصحاب السوابق، ومعتادي الإجرام الذين لم يستفيدوا من مراسيم العفو، ونجاح المسلحين في تهريبهم يعني انضمام قسم كبير منهم إلى العصابات المسلحة»، قبل أن يتنهد ويضيف «هؤلاء وحدهم جيش حر جديد متمرس على السرقة والسطو والقتل. لذلك، فالقرار هو «الدفاع عن السجن حتى آخر قطرة دم».
مصادر معارضة تحدثت للصحافة الغربية والعربية عن إيقاف «الجيش الحر» لهجماته على السجن بعد قيام إدارته بإلقاء السجناء من النوافذ في الطوابق العليا، وحرصاً على سلامة السجناء، الأمر الذي اعتبره المصدر «نكتة سمجة. فلا الهجمات توقفت، وللسجن نوافذ حديدية محكمة الإغلاق بالشباك المعدنية، وكثير من السجناء تقدموا بطلبات لحمل السلاح والدفاع عن السجن».
المفارقات السورية مدهشة في تناقضها. فلقد قتل المسلحون، الذين أعلنوا معركة «تحرير الأسرى»، 82 من السجناء في سبيل تحرير ما يقارب هذا العدد من السياسيين والمسلحين المعتقلين فيه.
القلق يراود أهالي السجناء وحراس السجن على حدّ سواء. محمد رشيد من منطقة عفرين سمع في وسائل الإعلام عن مقتل ابن عمه رشيد في السجن، «لم نتمكن من معرفة مصيره، الخبر تزامن مع المعارك بين وحدات الحماية الشعبية الكردية والجيش الحر وقطع طرق عفرين_حلب وخطف أكثر من 250 من المسافرين الأبرياء، والجمعية المسؤولة عنهم لا تعرف مصيرهم والأمن لا يستقبلنا»، يقول.
مصدر في جمعية «رعاية المسجونين» في حلب قال لـ«الأخبار»: «منذ قطع طريق السجن ومحاصرته لم يتمكن موظفونا من الوصول إليه للقيام بدورهم المتفق عليه مع السلطات الحكومية منذ ستينيات القرن الماضي».
وتضطلع الجمعية العريقة، التي تأسست عام 1967، بمهمات الإشراف الغذائي والاجتماعي والقانوني على السجن، ويتبع لها نحو ثلاثين موظفاً بينهم أطباء وممرضون يداومون يومياً فيه، ويشرفون على المطبخ، وعلى مستوصف ومكتبة ومتجر لتأمين السلع بالأسعار الرسمية.
المصدر أضاف أنه «لا يمكن معرفة عدد الضحايا، واتصالاتنا مقطوعة مع السجن، وعجزنا عن متابعة أداء الدور الذي كنا نقوم به، ويراجعنا الأهالي دورياً للاطمئنان على السجناء».
في الشهور الأخيرة، تمكن المسلحون من السيطرة على سجن الرقة، وعلى قسم من سجن إدلب. مئات السجناء الجنائيين الخطرين خرجوا. في الرقة تمّ عرضهم على «الهيئة الشرعية» و«تاب» معظمهم بالتواطؤ مع محرريهم مقابل حمل السلاح معهم.
مراسيم العفو الأربعة التي أصدرها الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الأزمة، وكان آخرها في نيسان الماضي، لم تشمل الكثير من الجرائم الجنائية الخطيرة كالقتل والسرقات الموصوفة جنائياً، وتهريب المخدرات والجرائم الماسة بالشرف والاقتصاد وغيرها.
سجن حلب المركزي شهد تمرداً واحداً بعد مرسوم العفو الثاني، بعد شهرين من بدء الأزمة، قام به سجناء جنائيون محكومون بتهم مخدرات، حيث انتهى التمرد بعد إطلاق قنابل مسيلة للدموع. السلطات تخشى أن تؤدي الهجمات العنيفة وقتل المزيد من السجناء والقصف، إلى حصول تمرد شبيه بما حصل في سجن صيدنايا قبل سنوات.
معظم معارك الدفاع عن السجن خاضتها الشرطة بغياب مديره الذي كان خارجه حين تمكن المسلحون من دخول حيّ الشيخ مقصود وقطع طريق المسلمية المؤدي إليه، حيث تمكن من الوصول إليه حسب مصدر مطلع قبل أيام، بعد الضربات النوعية التي سددها الجيش السوري لمقار المسلحين في محيطه.
الهجومان الأكثر شراسة من نوعهما على السجن وقعا منتصف أيار الماضي، حيث تمكن مسلحون من فتح كوة في الجهة الشمالية لسور السجن والتسلل منها ليقعوا في مرمى نيران المدافعين عنه، فينجو منهم اثنان فقط، ويسقط الباقون وعددهم واحد وثلاثون مقاتلاً، وفي الثاني تم تفجير سيارتين مفخختين في السور وفي البوابة الرئيسية، واستخدم المهاجمون دبابة في قصف السجن، إحدى قذائفها قتلت خمسة وعشرين من نزلاء مهجع واحد يضم محكومين جنائيين.
ويقع السجن على بعد 15 كلم شمالي حلب، وتحيط به قرى حيلان والجبيلة وحندرات ومخيمها للاجئين الفلسطينيين. المنطقة تكتظ الآن بآلاف المقاتلين من شتى الجنسيات، وتهيمن عليها «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» و«لواء التوحيد»، وعلى أسواره قتل وجرح المئات منهم في غارات الطائرات والقصف المدفعي الذي يستهدف مقارهم، كذلك قتل الصحافي الفرنسي من أصل بلجيكي إيف دوباي خلال اشتباك مع الجيش في وقت سابق من العام الجاري. وحسب مصادر المعارضة، فقد أصيب في إحدى الغارات أبو عمر الشيشاني، قائد الهجوم على السجن ومتزعم «كتيبة المهاجرين»، الذي يوالي ما يسمى «دولة العراق الإسلامية» التي أعلنها «أبو بكر البغدادي» أخيراً. وترددت أنباء غير مؤكدة عن مفارقته الحياة متأثراً بإصاباته البالغة في أيار الماضي.
ومنذ شهر تقريباً لا تخلو نشرات الأخبار الرسمية من أخبار يومية عن القضاء على مجموعات إرهابية في محيط السجن، في كازية خولاند ومعمل السيف ومستودع الحديد ومعمل الزجاج والمزارع القريبة من الجبيلي، وتدمير سياراتها المزودة بمدافع رشاشة متوسطة وثقيلة مضادة للطائرات.