تونس | لم تكن النسخة النهائية من مشروع الدستور الجديد محل توافق، ليس بين نواب المعارضة والترويكا الحاكمة فقط، بل حتى بين أحزاب الائتلاف الحاكم الثلاثة. فغداة تصريح رئيس المجلس الوطني التأسيسي الأمين العام لحزب التكتل من أجل العمل والحريات مصطفى بن جعفر، بأن الوصول إلى الصيغة الحالية لمشروع الدستور تعدّ حدثاً سعيداً، شن رئيس لجنة السلطة التشريعية عمر الشتوي (حزب الرئيس المنصف المرزوقي، المؤتمر من أجل الجمهورية) هجوماً عنيفاً على بن جعفر.
ورأى الشتوي أن مسودة الدستور تشبه البناء الفوضوي، متهماً بن جعفر بتجريد رئاسة الجمهورية من كل الصلاحيات، وجعل الرئيس المقبل مجرد تابع لرئيس الحكومة، بما يكرّس النظام البرلماني الذي تصر حركة النهضة على تمريره رغم معارضة كل الكتل الأخرى بما فيها حليفاها «المؤتمر» و«التكتل».
ورأى الشتوي أن مسودة الدستور تكشف عن عقلية تآمرية، واتهم المقرر العام للدستور (النهضة) الحبيب خذر، بتغيير مضامين أعمال اللجان. وقال إن عدداً من الفصول لم تُعرض على الخبراء.
وكان خمسة خبراء في القانون قد رفضوا المشاركة في صياغة الدستور احتجاجاً على هيمنة حركة النهضة على أعمال اللجان التأسيسية.
وفي هذا السياق، قال رئيس لجنة القضاء الإداري والعدلي (الكتلة الديموقراطية) فاضل موسى، إن خذر تصرف في العديد من الفصول من دون اعتبار أعمال اللجان وتوافقات الحوار الوطني. وهو ما نفاه خذر، الذي رأى أنه تصرف وفق ما يتيحه له النظام الداخلي للمجلس.
وكانت النسخة الأولى والثانية من الدستور قد أثارتا الكثير من الجدل، ولا سيما في ما يتعلق بباب الحقوق والحريات والمساواة بين المرأة والرجل ومدنية الدولة وصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والنص على الشريعة الإسلامية.
وفي أول رد فعل على المسودة النهائية، قال زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، من واشنطن، إن «الدستور التونسي سيكون خالياً من التنصيص على الشريعة، وان مشروع الدستور الذي سينطلق أعضاء المجلس التأسيسي في نقاشه قريباً اعتمد على التوافق بين كل العائلات السياسية، وانه ليس دستور حركة النهضة، بل سيعبّر عن كل أطياف المجتمع التونسي».
واستغل الغنوشي فرصة وجوده في الولايات المتحدة ليهاجم السلفيين بلهجة حادة، قائلاً «إن السلفيين نتيجة حقبة زين العابدين بن علي ومشروع استئصال الإسلاميين»، مشدداً على أن «السلفيين لا يجتمعون إلا للقتال». ودعا إلى التحالف مع العلمانيين المعتدلين.
وكانت السفارة الأميركية في تونس قد أصدرت بياناً هاجمت فيه القضاء التونسي والحكومة على خلفية الأحكام الصادرة في حق مواطن بالاعتداء عليها في أيلول الماضي، إذ رأت أن الأحكام لم تكن في حجم الجريمة التي استهدفتها.
وعدّ حقوقيون تونسيون وناشطون سياسيون بيان السفارة تدخلاً في الشأن الوطني، فيما عدّه وزير العدل نذير بن عمو (مستقل) تعبيراً عن رأي، لا تدخلاً في الشأن التونسي.
وتعاني «النهضة» ضغوط الشارع المتعطش للتنمية والاستقرار، كما تواجه الحكومة تحدي السلفيين، الذين دخلوا عملياً في مواجهة مسلحة منذ أسابيع مع الدولة انطلاقاً من جبال الشعانبي على الحدود الجزائرية.
وقد انفجر أول من أمس لغم سادس أدى إلى إصابة تسعة عسكريين وهي أكبر حصيلة حتى الآن.